السياسة تحت مجهر اللغة

  • 4/23/2018
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

عبد اللطيف الزبيدي هل للعربية إشاراتها وتنبيهاتها؟ هي فوق ذلك وأبعد، تختزل وتختزن في مفرداتها رؤى استشرافيّة، كأنما وراءها مراكز بحوث مستقبليّة. المنظار العملاق، مثل هابل، يرى الماضي في نجوم الكون، أمّا تلسكوب اللغة فيبصر ما ستحمله حادثات الليالي بعد قرون. لا أحد يعرف عدد ما مضى من عمر جذور كلمات العربية. أيّ زرقاء يمامة هي لغتنا! إحماء وطيس الشرق الأوسط أراحنا من الأسطوانة المشروخة، المفاوضات، لكن الراحة أضيق من راحة اليد، فإدمان التأصيل اللغوي فيه متعة لولا صداع انصراف الذهن إلى مكر الخيال في التطبيق السياسيّ. سيكتفي القلم بما يقوله ابن منظور في «لسان العرب»، في المفاوضات انطلاقاً من الثلاثيّ «ف و ض».مرّت على العرب عقود بعد وعد بلفور (معاذ الله أن نقول أتت عليهم) فقدوا فيها المكانة والمهابة، وفوّضوا أمرهم إلى سطوة الأقوياء، حتى قال قائلهم: «99% من أوراق اللعبة في يد أمريكا». انتخابات الأنظمة العربية عشقت الرقم تيمّناً. في اللسان: «فوّض إليه الأمر أي صيّره إليه وجعله الحاكم عليه». الطريف البليغ النوستراداموسيّ، انتقال ابن منظور مباشرة إلى: «قوم فوضى أي مختلطون»، ما يشمل كل المكوّنات العربية، ويضيف: «هم الذين لا أمير لهم ولا من يجمعهم»، وهي إشارة، يدركها اللبيب، إلا أن وجود الجامعة لا يعني أنها جامعة. كيف عرفت اللغة حقيقة حال العرب؟ «صار الناس فوضى أي متفرّقين»، في مفرق طرق يتفارقون، بينهم فوارق وأوضاعهم مفعمة بالمفارقات. ثم يذهب كبير معجميّينا إلى «شركة المفاوضة، الشركة العامّة في كل شيء»، يقصد التشارك في كل شيء، ولكن من زاوية نظر أحمد شوقي: «نصحت ونحن مختلفون داراً.. ولكن كلنا في الهمّ شرقُ»، فالعمل المشترك الوحيد هو اتفاق الجميع على نبذ العمل المشترك.توقعّ لغويّ أصدق من الصادق، يقول اللسان: «فاوضه في أمره أي جاراه»، بتعبيرنا الصريح قال سمعاً وطاعة. بالموزون المقفى: «إذا لم تستطع شيئا فدعه.. وجاوزه إلى ما تستطيعُ»، والمثل العاميّ تطبيعيّ بطبعه: «الإيد اللي ما تقدر عليها، بوسها». هي ذي العربية تنبّأت بحقيقة المفاوضات: «تفاوضوا الحديث أي أخذوا فيه»، مجرّد كلام ومخارج أصوات، بدليل قول كبير المفاوضين بعد عقدين: «فشلنا في المفاوضات». المفاوضة كالمقايضة: «أن تأخذ ما عنده وتعطيه ما عندك»، المحتل أخذ الأرض وما عليها وما تحتها، وأعطى ما لديه أي مائدة لأكل الهواء. مقايضة إلى أن يقيّض الله للعرب اكتشاف عجلة العمل المشترك.لزوم ما يلزم: النتيجة اللغوية: من هذا المنظور يكون «ابن منظور» يرى ما هو أبعد من المنظور بمنظار بلا نظير. abuzzabaed@gmail.com

مشاركة :