مع دخول الصراع في سوريا عامه الثامن، قد يصعب تصور حجم المأساة الإنسانية الهائلة هناك. فالتقارير الصادرة في الأيام الأخيرة تشير إلى وقوع عشرات الضحايا من المدنيين في الغوطة الشرقية، في حين أن عشرات الآلاف من السوريين مازالوا محاصرين، في دلالة واضحة على المسار الصعب الذي وصلت إليه أحداث العنف. الكثير من الأطفال السوريين لم يعرفوا شيئاً في حياتهم سوى الموت والدمار والتهجير. وفي داخل سوريا، يواجه المدنيون ظروفاً أسوأ من أي وقت مضى. فهناك أكثر من 13 مليون شخص في حاجة ماسة للمساعدات الإنسانية، من بينهم 6 ملايين نازح على طول البلاد وعرضها. وفي عدة مناطق داخل سوريا، كان آخرها في دوما والغوطة وإدلب وعفرين، لا يستمر القتال هناك فحسب، بل وتتصاعد حدته. فالمواجهات المتجددة تعمل على تأجيح مغادرة السكان بشكل منتظم لمنازلهم وتفاقم التعقيدات المتعلقة بصراع مازال يختبر قدرة المجتمع الدولي على نزع فتيله، في حين تواصل الأمم المتحدة دعوة كافة الأطراف لتسهيل وصول المساعدات لمن هم بحاجة إليها دون قيد أو شرط وبشكل مستدام. أما أولئك الذين أجبروا على مغادرة وطنهم، والذين يصل عددهم لقرابة 5.5 مليون لاجئ، غالبيتهم العظمى (90%) يعيشون خارج مخيمات اللاجئين في أوضاع غالباً ما تفتقر للحد الأدنى من ظروف المعيشة الطبيعية، فقد استنفدوا ما بحوزتهم من مدخرات ويصارعون من أجل تأمين لقمة العيش والحصول على المأوى والخدمات الطبية والاحتياجات الأساسية لهم ولأطفالهم، حيث تجد الغالبية العظمى من اللاجئين السوريين نفسها تعيش الآن في مستوى أدني من خط الفقر. لقد أصبحت القدرة على الصمود من أجل البقاء حملاً يثقل كاهلهم. لا تميز الحرب بين كبير وصغير، ولذلك نجد بأن الأطفال يتحملون العبء الأكبر المترتب على النزوح. فهناك أكثر من 40% من بين 2.4 من الأطفال اللاجئين السوريين ممن هم خارج مقاعد الدراسة، وفي حالة من الانتظار إلى أجل غير مسمى بشأن مستقبلهم. لطالما أظهرت تركيا ولبنان والأردن والعراق ومصر، لسنوات عديدة، كرماً بالغاً في استضافة الملايين من اللاجئين السوريين، مانحة إياهم الأمن وإمكانية الوصول إلى الخدمات الأساسية. ففي لبنان، حيث يعيش ما يقرب من مليون لاجئ سوري، طبقت الحكومة اللبنانية نظام الفترتين الصباحية والمسائية في المدارس، لإفساح المجال لتوفير التعليم للطلاب السوريين. وفي الأردن، حيث يزيد عدد اللاجئين السوريين عن 655 ألف شخص، فقد أعلنت عن إصدار تصاريح عمل تتيح لأرباب الأسر البحث عن مصدر رزق يعيلهم، والانتفاع من المهارات والحرف التي يجيدونها. وفي الوقت الذي يستمر فيه البحث عن حل سياسي حتى في ظل دائرة العنف المتجددة والمروعة، فمن الواجب الآن، أكثر من أي وقت مضى، مواصلة توفير الدعم للحكومات والمجتمعات المضيفة، والذين أبدوا قدراً عالياً من الدعم والصمود في الاستجابة للأزمة. سوف يبحث مؤتمر بروكسيل القادم في فرص التمويل للأزمة الإنسانية السورية. وتعتبر خطة الاستجابة الاقليمية لدعم اللاجئين وتمكين المجتمعات المستضيفة لهم بمثابة المظلة التي تنضوي تحتها منظمات الأمم المتحدة و 270 شريكاً ممن يسعون للحصول على مبلغ 4.45 مليار دولار أمريكي خلال عام 2018 من أجل مساعدة 5.5 مليون لاجئ سوري و4 مليون شخص من المجتمعات المضيفة في كل من تركيا ولبنان والأردن والعراق ومصر. كما تحتاج الأطراف الإنسانية الفاعلة إلى 3.51 مليار دولار لتوفير مساعدات إنسانية منقذة للحياة إلى 13.1 مليون سوري داخل سوريا، 5.6 مليون شخص منهم بحاجة ماسة للمساعدة. لذا، فإننا نناشد المانحين بأن يستمروا على نهجهم في العطاء، حيث أن شح الموارد المالية له عواقب وخيمة على العمليات الإنسانية. وفيما تزال الأزمة الإنسانية السورية الأكبر في العالم، فإن السوريين يستحقون مستقبلاً أفضل. وبالنسبة للغالبية العظمى من اللاجئين السوريين من أمهات وآباء وأخوات وإخوة وعائلات لا تختلف عن عائلتي أو عائلاتكم، فإن الحلول الوحيدة المتاحة أمامهم تبقى حلولا مؤقتة، وبعيدة كل البعد عن أمل رجوعهم قريباً إلى أرض الوطن. من الواجب علينا جميعاً أن نكثف دعمنا من أجل تخفيف آلام اللاجئين السوريين، ودعم مضيفيهم، والإبقاء على شعلة الأمل متقدة من أجل غد أفضل. ** أمين عوض، المنسق الإقليمي للأزمة الإنسانية السورية والعراقية، ومدير إدارة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
مشاركة :