باكو )جمهورية أذربيجان(: أحمد طاهر * السفير الإيراني المنشق عادل الأسدي: استقطاب العملاء مهمة أساسية يوليها الدبلوماسيون الإيرانيون أولوية قصوى، إذ تحرص السفارات على تجنيد من يبدون ميلا نحو تأييد النظام. * النظرة المعمقة في الوثيقة الدستورية الإيرانية التي تم إقرارها بعد ثورتها عام 1979. تكشف عن أن سياسة التمدد والسيطرة من جانب نظام الملالي تستند إلى مرجعية دستورية. * اعتمدت طهران ضمن نشاطها الثقافي والتعليمي والإعلامي على جملة من الأدوات والوسائل «الناعمة». * محمد بيضون: «حزب الله بات شريكاً في استباحة حدود لبنان وخرق سيادته من قبل إيران». * اتخذت كثير من البلدان قرارات بإغلاق السفارات الإيرانية وطرد دبلوماسييها إما نتيجة لتدخلاتها المستمرة وإما نتيجة اعتدائها على مقار بعثاتها الدبلوماسية على أراضيها. ليست مبالغة القول إن البعثات الدبوماسية الإيرانية ما هي إلا مقرات للتجسس وأاوكار للتجنيد وبؤر للفتن والصراعات ومراكز لتأسيس التنظيمات الإرهابية والتدريب على صناعة المتفجرات، تلك هي الخلاصة التي توصل إليها كثير من الباحثين على مدار الأربعين عاما الماضية منذ قيام ثورتها عام 1979. تلك الثورة التي كانت بداية لجعل طهران إحدى أدوات أجهزة الاستخبارات العالمية في تهديد المنطقة وتفكيكها، فالمتتبع للسياسة الإيرانية يقر بما لا يدع مجالا للشك بالدور الإيراني النافذ في كثير من التهديدات والمخاطر التي تتعرض لها دول المنطقة وشعوبها منذ اليوم الأول لثورة الملالي. صحيح أن كثيراً من الشعوب العربية والإسلامية خُدعت في شعارات طهران البراقة التي رفعتها بشأن مناصرة المظلومين ودعم الضعفاء وعون المحتاجين، حيث نجح ملالي طهران منذ اللحظة الأولى في إخفاء أهدافهم الحقيقية عن الأعين مكتفين بهذه الشعارات الجوفاء، إلا أنه من الصحيح كذلك أن هذه الشعوب قد استفاق جُلها من هذا الخداع بعدما انكشف الوجه الحقيقي القبيح للسياسة الإيرانية التمددية في المنطقة وتدخلاتها المستمرة في شؤون دولها الداخلية، حسنا ما ورد في بيان القمة العربية الأخيرة في دورتها (29) والمنعقدة في المملكة العربية السعودية في أبريل (نيسان) 2018، حينما طالب إيران بالكف عن الأعمال الاستفزازية التي من شأنها أن تقوّض بناء الثقة وتهدد الأمن والاستقرار بالمنطقة، رافضا تدخلاتها في الشؤون الداخلية للدول العربية. واليوم، حماية للأجيال الجديدة من الشباب، وحفاظاً على مستقبلهم، وحرصاً على توعيتهم من الخطابات الإيرانية التي ترفع لواء الدفاع عن الدين الإسلامي والهوية الإسلامية والمقدسات الإسلامية، يستعرض هذا التقرير مخاطر واحدة من أبرز الأدوات التي توظفها طهران في سياستها الخارجية والرامية إلى التأثير على عقول هؤلاء الشباب، بل محاولة تجنيدهم سواء ضمن مشروعها الصفوي أو ضمن تنظيمات إرهابية تهدد أمن واستقرار دول المنطقة، إذ يهدف هذا التقرير إلى إلقاء الضوء على السياسات الإيرانية ودور بعثاتها الدبلوماسية في تأجيج الصراعات وتجنيد العملاء وتشكيل التنظميات الإرهابية بما يمكنها من تحقيق طموحاتها في استعادة بناء الدولة الصفوية بعد انهيارها، وهو ما تنبهت له كثير من أنظمة الحكم العربية فأسرعت بإغلاق البعثات الدبلوماسية والمراكز الثقافية الإيرانية وطرد العاملين فيها حفاظاً على أمنها القومي وحماية لشعوبها من الوقوع فريسة إما ضمن مشروع صفوي أو تنظيمي إرهابي كما فعلت كل من المملكة العربية السعودية والبحرين والسودان بل وكثير من دول العالم. وعليه، يستعرض هذا التقرير مخاطر البعثات الدبلوماسية الإيرانية من خلال عدة محاور:خامنئي يصافح رهينة أميركي بالسفارة الأميركية في طهرانأولا: التمدد الإيراني… التأصيل الدستوري والقانوني في كثير من الأحيان، تجد كتابات لبعض الباحثين تبرر سياسة إيران التدخلية في شؤون الدول بصفة عامة والعربية على وجه الخصوص، مستندين في ذلك إلى أن هذا التدخل إنما هو مرتبط بتوجهات سياسية لبعض قادة إيران ورجال دينها، في حين أن النظرة المعمقة في الوثيقة الدستورية الإيرانية التي تم إقرارها بعد ثورتها عام 1979. تكشف عن أن سياسة التمدد والسيطرة من جانب نظام الملالي الحاكم في طهران تستند إلى مرجعية دستورية ممثلة في مبدأ تصدير الثورة، إذ تنص ديباجة الدستور تحت عنوان «الجيش العقائدي» على أن «القوات المسلحة الإيرانية تحمل أعباء رسالتها الإلهية، وهي الجهاد في سبيل الله، والنضال لبسط حاكمية القانون الإلهي في العالم». وجاءت المادة رقم (11) موضحة هذه المسؤولية بالنص على أن «يشكل المسلمون أمة واحدة، ويتعين على حكومة جمهورية إيران الإسلامية صياغة سياستها العامة على أساس تضامن الشعوب الإسلامية ووحدتها، ومواصلة السعي لتحقيق الوحدة السياسية والاقتصادية والثقافية للعالم الإسلامي»، كما جاءت المادة (154) ليتسع هذا الدور بحيث لم يعد قاصرا على العالم الإسلامي وإنما عليها مسؤولية عالمية تجاه كافة شعوب الأرض، إذ نصت هذه المادة على أن «تعتبر جمهورية إيران الإسلامية سعادة الإنسان في المجتمع البشري كله مثلها الأعلى، وتعتبر الاستقلال والحرية وسيادة القانون والحق حقًا لجميع شعوب العالم. وعليه، فإنها تدعم النضال المشروع للمستضعفين ضد المستكبرين في جميع بقاع العالم». بمقتضى هذه النصوص، أعطت إيران لنفسها الحق في الدفاع عن سعادة الإنسان في المجتمع البشري بصفة عامة والمجتمع الإسلامي على وجه الخصوص، وذلك عبر دعمها لنضاله، وهو ما يمنحها ترخيصا للتدخل في شؤون مختلف بلدان العالم بحجة الدفاع عن المستضعفين، دون تحديد من هم المستضعفون؟ ومن هم المستكبرون؟ فإذا نظرنا إلى ما يجري في اليمن أو سوريا أو العراق، ما هو معيار الاستكبار والاستضعاف من وجهة نظر إيران؟ تأتي الإجابة بأن المعيار الموضوعي من وجهة نظر طهران هو المصلحة الفارسية فحسب، وحتى في دعمها المذهبي يكون ذلك وفقا لخدمة الحلم الفارسي، يؤكد على ذلك واقع راهن لا تستطيع طهران إنكاره، إذ تؤكد كافة الحقائق على الدعم الإيراني لأرمينيا في احتلالها لأراضى جمهورية أذربيجان، فكيف تفسر طهران هذا الدعم لدولة مسيحية وهي أرمينيا وفي الوقت ذاته تحتل 20 في المائة من أراضي دولة إسلامية وهي أذربيجان؟ثانياً: التمدد الإيراني عبر التدابير الناعمة رغم أن الدول تعتمد في تنفيذ سياستها الخارجية حيال الآخرين على كثير من الآليات والوسائل؛ بعضها عسكري، وآخر اقتصادي، وثالث أمني مخابراتي، فإن الآليات الثقافية والإعلامية والدبلوماسية تظل هي الآليات الأكثر خطورة وتهديداً للأمن القومي لتلك البلدان نظرا لسهولة استخدامها وإخفاء الأهداف المبتغاة من ورائها، فضلا عن طبيعتها التي تحظى بالقبول لدى مجموع الشعوب التي قد لا تدرك أبعاد هذه الآليات ومخاطرها، ولعل ما يعرف بحروب الجيل الرابع والخامس تدخل في نطاقها مثل تلك الآليات. وإدراكا من طهران بأهمية هذه الآليات والوسائل من ناحية، وبسهولة استخدامها من ناحية أخرى، وبطبيعة المرحلة التي بدأت فيها ثورتها من ناحية ثالثة والتي تطلبت عدم الدخول في صراعات عسكرية في ظل حالة العزلة والحصار التي فُرضت عليها عقب ثورتها رغم دخولها حربا مع العراق (1980-1988)، إلا أنها برعت في بداية تحركاتها الخارجية ما بعد ثورتها في توظيف هذه الآليات والأدوات الناعمة، فلجأت إلى القوة الناعمة (Soft Power) تلك القوة التي تعتمد على الوسائل والآليات الثقافية والإعلامية وكذلك الأمنية – المخابراتية، إذ اعتمدت طهران ضمن نشاطها الثقافي والتعليمي والإعلامي على جملة من الأدوات والوسائل، يمكن أن نُجملها فيما يأتي:عادل الاسدي – نشر الكتب التي تدعو للطائفية والمذهبية علانية، وإنشاء مكتبات ودور نشر متخصصة لهذا الغرض، والمشاركة الدائمة للمكتبات الشيعية في معارض الكتب الدولية المقامة في دول المنطقة، ونشر أفكار محرضة ، وتوزيع عدد كبير من الكتب الطائفية مجاناً كنشاط مرافق لهذه المعارض، والعمل على طرح منتجات بأسماء إسلامية. – إنشاء مراكز ثقافية تحت تسميات مختلفة، ومن ثم إصدار المنشورات والصحف والبيانات منها، وتبني الكثير من الفعاليات والأنشطة الثقافية المجتمعية. – تقديم المنح الدراسية للطلاب لتشييعهم وتشجيع البعثات العلمية فيما يسمى «الحوزات العلمية» في كل من مدينتي قُم ومشهد، فضلاً عن الجامعات الإيرانية المختلفة، كما تفتح الباب أمام الزيارات الأكاديمية إلى إيران، وذلك كله بهدف السيطرة على عقول هذه الأجيال الجديدة من الشباب. – استغلال القنوات الفضائية الكثيرة لنشر المذهبية والطائفية عبر برامج ووسائل متعددة. – استغلال شبكة الإنترنت، وخاصة مواقع التواصل الاجتماعي، في نشر الفكر وتجنيد الأتباع. ولكن رغم خطورة هذه الأدوات التي اعتمدت عليها طهران ولا تزال في بسط تمددها وخلق أتباع لها في مختلف الدول، فإن سياستها المعتمدة على توظيف بعثاتها الدبلوماسية (سفاراتها في الخارج) تظل الآلية الأكثر خطورة في تعميق وجودها داخل تلك البلدان، نظرا لطبيعة هذه البعثات ودورها الرسمي طبقا لقواعد القانون الدولي الذي يسمح لهذه البعثات بالتحرك والتواصل مع مختلف أجهزة الدولة ومؤسسات المجتمع بهدف تدعيم التعاون بين الدول، إلا أن دور البعثات الإيرانية كان مختلفا اختلافا جذريا، فبدلا من أن تكون مقرا للتقارب والتعاون بين الدول أضحت وكراً للإرهاب والتجسس.ثالثاً: السفارات الإيرانية في الخارج… مؤسسات للتجنيد وأوكار للتجسس من غير مبالغة القول إن تصريحات السفير الإيراني المنشق عادل الأسدي، الذي شغل منصب نائب رئيس لجنة السياسة الخارجية بمجلس الشورى الإيراني بشأن دور السفارات الإيرانية في الخارج، مثلت دليلا قاطعا ومؤشرا حاكما على ما تقوم به سفارات طهران في الخارج من أعمال تجسسية وتجنيد للعملاء، إذ أكد على أن «استقطاب العملاء مهمة أساسية يوليها الدبلوماسيون أولوية قصوى، إذ تحرص السفارات على تجنيد من يبدون ميلا نحو تأييد النظام الإيراني، وتنظم لهم رحلات إلى طهران عبر بريطانيا، ولإبقاء الزيارة طي الكتمان يسافرون دون أن يتم ختم جوازاتهم، ومن ثم يعودون لتكوين خلايا إرهابية في بلادهم»، موضحا أنه «مع وصول العناصر المستهدفة لإيران يتم تدريبهم في مجالات عدة ومختلفة، في جوانب سياسية ومذهبية وأمنية، ويدربونه كذلك على طبيعة الأعمال العسكرية، وهذه التدريبات تتم في معسكر في طهران، يسمى معسكر (عشرة آباد) وهذا المعسكر معروف، وبعد اكتمال التدريب والتجهيز يتم إرسالهم إلى بلدانهم، حيث يقومون بتشكيل خلايا داخلية، وتدريبها لإحداث فتن وقلاقل». ولا شك أن هذا التصريح يعكس الدور التدريبي والتخريبي الذي تقوم به السفارات الإيرانية في كثير من بلدان العالم، صحيح أن هناك اهتماما كبيرا بالدول العربية والإسلامية بصفة خاصة، إلا أنه من الصحيح أيضا أن هناك تركيزا كبيرا على دول الخليج العربي للدرجة التي أشار فيها الأسدي إلى مشاركته، كونه مستشارا لوزير الخارجية الإيراني في قسم في وزارة الخارجية الإيرانية اسمه «المجلس الأعلى للخليج الفارسي»، وهو مرتبط برئيس الجمهورية مباشرة، ومكون من رئيس الاستخبارات وقائد حرس الثورة، ووزير التجارة. وتتركز مهامه في كيفية التوسع والتمدد في الدول العربية، وزعزعة أمنها، وعلى وجه الخصوص كلا من السعودية كمركز اقتصادي وإسلامي، ومصر كمركز سياسي للعالم العربي.مشاركة نساء إيرانيات في مظاهرة خارج السفارة الأميركية السابقة في العاصمة الإيرانية طهران في 4 نوفمبر (تشرين الثاني) 2017 من نافلة القول إن هذا التصريح ليس الوحيد من نوعه، بل يؤكد على صحته ما يأتي على لسان بعض المسؤولين في البلدان التي تعاني من تدخلات سافرة لطهران في شؤون دولهم الداخلية، فعلى سبيل المثال أشار الوزير اللبناني السابق محمد بيضون إلى أن «حزب الله في لبنان بات شريكا في استباحة حدود لبنان وخرق سيادته من قبل إيران… كم مرة دخل قاسم سليماني وغيره من الجنرالات الإيرانية إلى لبنان دون علم الدولة اللبنانية؟»، وهو ذات المعنى الذي أشار إليه رئيس تيار الانتماء اللبناني أحمد الأسعد بقوله: «إن السفارة الإيرانية في بيروت هي بمثابة الدولة اللبنانية، فقد تخطت كل الخطوط الحمر بعدما سلمها (حزب الله) لزمام الحكم، لتتحول سفارتها من مقر دبلوماسي إلى نقطة ارتكاز تدار منها شؤون اللبنانين وشؤون المؤسسات الدستورية والشرعية عبر تدخلها بكافة مفاصل الحكم». ولم يقتصر الأمر على مجرد التصريحات فحسب، بل يتأكد هذا النهج إذا ما نظرنا إلى ما يجري على الأرض اليمنية، حيث نجد أن السفارة الإيرانية هي الوحيدة بين سفارات العالم التي ظلت مفتوحة رغم مغادرة كل الممثليات الدبلوماسية العاملة في اليمن منذ الانقلاب الذي نفذته جماعة الحوثي ضد الشرعية، وهو ما يعد دليلاً على دورها في الأزمة وتفاقمها، إذ تحولت هذه السفارة إلى ما يشبه ثكنة عسكرية ومركز تدريب للميليشيا الحوثية وغرف عمليات عسكرية يجتمع فيها المستشارون العسكريون الإيرانيون مع قيادات الحوثيين. ومما هو جدير بالإشارة كذلك أن دور هذه السفارات لم يتوقف عند هذا الحد، بل ساهمت كذلك في نشر الفتن والصراعات بين مختلف البلدان وتأجيجها، كما حدث في الأزمة الخليجية الأخيرة، إذ كان للسفارة الإيرانية دور في مساندة قطر في دعمها للإرهاب وتمويلها للتنظيمات الإرهابية والجماعات المسلحة في المنطقة، في مواجهة الموقف الذي اتخذته الرباعية العربية في مقاطعتها للدوحة بسبب هذه السياسات، وهو ما أشار إليه صراحة أحمد صادقيان رئيس اللجنة الزراعية بغرفة التجارة الإيرانية بقوله: «سفارتنا في قطر وكّل إليها عملية تعريف التجار القطريين بالإيرانيين، وخلق تسهيلات في هذا المجال، من خلال قيامها بدور كبير في إعداد تقارير وتقدمها للسلطات الإيرانية عن احتياجات سوق الدوحة، والتنسيق لعقد صفقات تجارية كبرى لطهران». بل أكثر من ذلك تلعب السفارات الإيرانية دورا كذلك في صفقات السلاح التي تقوم بها طهران كما يكشف عن ذلك تقارير بعض المنظمات الدولية، إذ أشارت منظمة أبحاث تسلح النزاعات، التي تتخذ من لندن مقرا لها، في تقرير لها إلى أن الصومال هو بوابة تهريب السلاح الإيراني إلى اليمن، باستخدام سفن «الداو» الشراعية التقليدية، وهي وسيلة نقل من إنتاج شركة المنصور الإيرانية. وغني عن القول إن ما سبق ذكره ليست ادعاءات على طهران، بل تؤكدها الكثير من الدلائل والمؤشرات التي جاءت في تقارير المسؤولين الأمنيين في البلدان العربية، فعلى سبيل المثال كشف التواصل الأمني الاستخباراتي بين دول مجلس التعاون الخليجي عن أن خيوط شبكات التجسس تدار من خلال السفارات الإيرانية في الخليج.لوحة جدارية تصور تمثال الحرية كالموت كما تم رسمه على جدار السفارة الأميركية السابقة في طهران، إيران كما رصدت تقارير الباحثين والمنظمات الدولية المعنية حجم الدور التخريبي الذي تقوم به السفارات الإيرانية في العالم، إذ يذكر الباحث المصري خالد عكاشة، مدير المركز الوطني للدراسات الاستراتيجية، في تقريره المنشور في فبراير (شباط) عام 2016 أن حجم شبكات التجسس الإيرانية حول العالم يُقدر بـ20 ألف شبكة، تشمل مراكز بحثية وثقافية وغيرها من الطرق الملتوية التي تتم تحت غطاءات مختلفة وأن كل شبكة تتكون من مائة شخص ينتشرون في كل دولة. ويدلل على ذلك ما هو معروف من قضية المصري محمود دبوس، الذي جنده الحرس الثوري الإيراني، إذ إنه طبقا لنيابة أمن الدولة العليا بمصر (2005م)، فإن دبوس قد وجهت إليه تهمة إرسال معلومات عن مصر والسعودية، والإعداد للقيام بعمليات تخريبية في كلا البلدين، وحينها أكدت النيابة أن مكتب رعاية المصالح الإيرانية بالقاهرة هو من سهل عملية تجنيد دبوس. وفي السياق ذاته، أشار تقرير مخابراتي صدر في ألمانيا عام 2009م إلى عدد عملاء إيران في دول مجلس التعاون الخليجي الست وحدها وقدرهم بما يتراوح بين 2000 و3000. غالبيتهم من «حزب الله» اللبناني، فيما يمتلك النظام في طهران نحو 800 عميل إيراني، معظمهم يعمل في السفارات والقنصليات الإيرانية في الخليج تحت حصانات دبلوماسية. ومن المنطقي والبديهي أن هذه الأعداد قد زادت خلال الآونة الأخيرة؛ وذلك في ظل قيام إيران باستغلال اضطراب الأوضاع التي شهدتها المنطقة واتجهت نحو توسيع نشاطها التجسسي، يؤكد على ذلك عدد شبكات التجسس التي قامت البعثات الإيرانية بتشكيلها وكشفتها دول الخليج، إذ يذكر أن دول الخليج اكتشفت خلال السنوات الماضية الكثير منها: السعودية 2013، والكويت 2010 و2015، والبحرين 2010 و2011. والإمارات 2013. 2017. ومن نافلة القول إن عمليات التجنيد لا تقتصر على البلدان العربية فحسب، بل تجري كذلك في الدول الأوروبية، وهو ما أشار إليه طه آلياسين، نائب رئيس المنظمة الأوروبية الأحوازية لحقوق الإنسان، بقوله: «إن النظام الإيراني كان ولا يزال مستمرا في مخططاته المتمثلة في تجنيد مقاتلين من الخارج للمشاركة مع الميليشيات التي تقاتل في العراق وسوريا، وأن مخططات التجنيد تلك تجري في مناطق أوروبية ولا سيما الأجزاء الشرقية منها». رابعاً: إغلاق السفارات الإيرانية وطرد دبلوماسييها في الدول العربية… نماذج كثيرة في ضوء تلك المخاطر التي تمثلها السفارات الإيرانية على الأمن القومي لمختلف البلدان، اتخذت كثير من البلدان قرارات بإغلاق السفارات الإيرانية وطرد دبلوماسييها إما نتيجة لتدخلاتها المستمرة في شؤونها الداخلية وإما نتيجة اعتدائها على مقار بعثاتها الدبلوماسية على أراضيها، ومن أبرز ما تم في هذا الخصوص خلال الخمس سنوات الأخيرة ما يأتي: 1- طرد اليمن السفير الإيراني وسحب القائم بالأعمال اليمني لدى طهران، في العام 2015، بعد أن طفح كيل الشرعية اليمنية من التدخلات الإيرانية في البلاد، التي تمثلت بدعم علني للميليشيات الحوثية. 2- قطع المملكة العربية السعودية في يناير (كانون الثاني) 2016 علاقاتها مع إيران، وإغلاق سفاراتها لدى طهران وطرد البعثة الدبلوماسية الإيرانية، وذلك على أثر اقتحام محتجين إيرانيين مبنى السفارة السعودية في طهران ونهبه من جهة، وصدور تصريحات إيرانية تهجمية على المملكة العربية السعودية طالت سيادتها عقب إعدام السعودي الإرهابي نمر النمر بحكم قضائي وآخرين من جهة أخرى، فقد كانت إيران أول من صدر عنها رد فعل على تنفيذ عملية الإعدام كما جاء على لسان المتحدث باسم الخارجية الإيرانية حسن أنصاري بقوله: «إن السعودية ستدفع ثمنا باهظا على أثر تنفيذ حكم الإعدام في النمر»، وهو ما يعد تدخلا فجا في الشؤون الداخلية للمملكة. وقد أعقب ذلك الاعتداء على السفارة السعودية في طهران وقنصليتها في مدينة مشهد، وهو ما تم على أثره قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.مسافرون يمرون أمام شعارٍ يدعو إلى تدمير أميركا على الحائط خارج السفارة الأميركية السابقة في طهران 3- قطع مملكة البحرين علاقاتها الدبلوماسية كاملة مع إيران في يناير 2016 تضامنا مع المملكة العربية السعودية، حيث اعتبرت القائم بأعمال سفارة إيران لدى المملكة، شخصًا غير مرغوب فيه، أخذا في الحسبان أن علاقاتهما الدبوماسية كانت على مستوى قائمين بالأعمال بعدما تم تبادل سحب السفراء عام 2015 على أثر التدخلات الإيرانية المستمرة في الشؤون البحرينية. 4- طرد السودان السفير الإيراني في الخرطوم وكامل البعثة، واستدعاء السفير السوداني من إيران في يناير 2016. تضامنا مع الموقف السعودي، إذ جاء القرار السوداني عقب اتصال هاتفي مع ولي ولي العهد السعود آنذاك الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز، حيث أكد وزير الدولة السوداني الفريق طه عثمان إدانة بلاده للتدخلات الإيرانية في المنطقة، عبر نهج طائفي، إلى جانب إهمال السلطات الإيرانية منع الاعتداءات على السفارة والقنصلية السعودية في إيران. ومن الجدير بالإشارة في هذا الصدد، أنه قد سبق للخرطوم في أوائل سبتمبر (أيلول) 2014 اتخاذ قرار بإغلاق المركز الثقافي الإيراني بالسودان وفروعه الثلاثة الموجودة في بعض ولاياته، رفضا لدور هذه المراكز في نشر الفكر الشيعي. 5- قرار الإمارات العربية المتحدة بتخفيض مستوى تمثيلها الدبوماسي مع طهران إلى مستوى قائم بالأعمال وتخفيض عدد الدبلوماسيين الإيرانيين في الدولة، وذلك في يناير 2016، تضامنا مع ما تعرضت له السفارة السعودية في طهران، كما قامت باستدعاء سفيرها في طهران، مؤكدة في موقفها على أن: «هذه الخطوة الاستثنائية تم اتخاذها في ضوء التدخل الإيراني المستمر في الشأن الداخلي الخليجي والعربي والذي وصل إلى مستويات غير مسبوقة في الآونه الأخيرة». 6- قرار الصومال بقطع علاقاتها الدبلوماسية مع طهران في يناير 2016 تضامنا مع الموقف السعودي ورفضا للسياسات الإيرانية التدخلية في المنطقة. 7- قرار الكويت في يوليو (تموز) 2017 بطرد السفير الإيراني و14 دبلوماسيا لارتباطهم بخلية «تجسس وإرهاب» المعروفة إعلاميا بقضية العبدلي، كما أصدرت الكويت تعليمات بتجميد نشاط البعثتين الثقافية والعسكرية لإيران بعد القضية. ومن الجدير بالأهمية الإشارة إلى أن الاعتداءات الإيرانية على مقار بعض البعثات الدبلوماسية العربية لم تقتصر على تلك الموجودة على أراضيها، بل امتدت إلى البعثات الدبلوماسية العربية في الخارج، على غرار ما حدث في محاولة اغتيال وزير الخارجية عادل الجبير (السفير السعودي في أميركا حينها) أواخر عام 2011، حيث أعلنت السلطات القضائية الأميركية وعبر وثائق تؤكد أن الأجهزة الأمنية تمكنت من كشف وإحباط محاولة اغتيال للسفير الجبير، بتفجير مقر السفارة السعودية في واشنطن، وكشفت الوثائق أن إيران خططت لتنفيذ التفجير وعملية الاغتيال بقرار رسمي، وفق اعترافات الإيرانيين «غلام شكوري، ومنصور أربابسيار». وفي السياق ذاته، كانت جريمة اغتيال الدبلوماسي السعودي لدى باكستان حسن القحطاني في العام ذاته (2011) ووجهت كافة الاتهامات إلى جماعات إرهابية تابعة للحرس الثوري الإيراني بالوقوف وراء حادثة الاغتيال، أثناء توجهه لمقر عمله في القنصلية السعودية بمدينة كراتشي الباكستانية. وكذلك اغتيال الدبلوماسي السعودي لدى بنغلاديش خلف العلي في السادس من مارس (آذار) عام 2012. خامساً: إغلاق السفارات الإيرانية في الدول الغربية لمخاطرها على الأمن المجتمعي لم يقتصر الأمر على البلدان العربية التي اتخذت قرارات بطرد الدبلوماسيين الإيرانيين وغلق بعثاتها الدبلوماسية على أراضيها، إنما اتخذت دول غربية أيضا قرارات بغلق سفاراتها لدى طهران، في ضوء السياسة الإيرانية التي تنتهجها في الاعتداءات على السفارات الأجنبية على أراضيها، إذ إنه منذ عام 1979. والسجل الإيراني في الاعتداء على السفارات والمقار الدبلوماسية العاملة في طهران مليء بالحالات التي بلغ مجموعها 18 اعتداء، كان آخرها كما سبقت الإشارة الاعتداء على السفارة السعودية وقنصليتها في مدينة مشهد مطلع عام 2016. ومن أبرز القرارات التي اتخذتها البلدان الغربية بغلق سفاراتها في طهران خلال فترة الخمس سنوات الأخيرة ما يأتي: 1- إغلاق السفارة البريطانية في إيران عام 2011، وذلك في أعقاب اقتحام محتجين إيرانيين لها خلال مظاهرة ضد العقوبات التي فرضتها بريطانيا على إيران على خلفية برنامجها النووي كما أغلقت السفارة الإيرانية في لندن. إلا أنها أعادت العلاقات الدبلوماسية في 2015 خلال زيارة لوزير الخارجية السابق فيليب هاموند بعد أسابيع من توصل إيران إلى اتفاق مع القوى العالمية الست والهادف إلى كبح جماح برنامجها النووي مقابل رفع العقوبات الاقتصادية عنها. 2- إغلاق السفارة الكندية في طهران، حيث اتخذت كندا في 7 سبتمبر 2012 قرارا بإغلاق القسم المعني بإصدار التأشيرات في سفارتها في طهران وكذلك إغلاق الحسابات المصرفية للإيرانيين المقيمين في كندا ومنع إرسال الأموال للطلاب الإيرانيين الذين يدرسون في الجامعات الكندية، مبررة موقفها بما جاء على لسان وزير الخارجية الكندي الأسبق جون بيرد بأن بلاده أغلقت سفارتها في إيران «وستطرد جميع الدبلوماسيين الإيرانيين الموجودين في كندا… إن الحكومة الإيرانية تعد التهديد الأكبر للسلام والأمن في العالم اليوم». مجمل القول إن السفارات الإيرانية في مختلف بلدان العالم ما هي إلا أوكار ومقرات للتجسس والتنصت على مؤسسات الدول وأجهزتها، مع قيامها بدعم الإرهاب بل وممارسة التصفيات الجسدية والاغتيالات بهدف خلق الفتن الطائفية والمذهبية والقومية والدينية، وهو ما يهدد أمن الدول واستقرارها، عبر ما تقوم به من أعمال وفقا لأولويات أجندتها التي رسمتها قياداتها ممثلة في مرشدها الأعلى على خامنئي وحاشيته من الحرس الثوري، حيث تركزت أولويات سفاراتها في الخارج في خمس، هي: أعمال التجسس، تجنيد العملاء، تكوين خلايا إرهابية، إحياء النعرات الطائفية والحزبية، تشوية صورة مؤسسات الدولة ورموزها لدى الشعب. مستخدمة في ذلك كثيرا من أدوات التأثير، والتي يمكن أن نجملها في خمس أدوات، هي: استخدام العاطفة الدينية، تنظيم دورات مذهبية، تهريب الأسلحة، رصد الأموال، تأسيس مؤسسات مجتمع مدني. وعليه، يصبح من الأهمية بمكان على الدول كافة النظر بعين فاحصة وبرؤية مدققة وبنظرة ثاقبة للبعثات الإيرانية الموجودة على أراضيها، إذ إن هذه البعثات بدلا من أن تقوم بواجبها المنوط بها وفقا لقواعد القانون الدولي المنظمة لعملها كما هو منصوص عليه تحديدا في معاهدات فيينا للعلاقات الدبلوماسية والقنصلية، إذ إنه من المفترض أن يتركز عمل هذه البعثات في رعاية مصالح مواطنيها المقيمين على أراضي هذه الدول، مع العمل على تعزيز علاقات التعاون والتبادل المشترك بين دولتهم وبقية دول العالم. نجد أن هذه البعثات قد تحولت إلى ثكنات مخابراتية وأذرع أمنية تستهدف تجنيد أبناء هذه الشعوب وإثارة الصراعات والفتن بينهم، وهو ما تكشفت مخاطره لدى كثير من الشعوب العربية، فعلى سبيل المثال شهدت الجزائر رغم العلاقات التي تجمعها مع طهران، احتجاجات شعبية على أنشطة الملحق الثقافي في السفارة الإيرانية، حيث رفع المحتجون شعار «اطردوا الموسوي»، وأعقبها رفض شعبي لزيارة الرئيس الإيراني حسن روحاني والتي أُلغيت بالفعل بسبب الضغوط الشعبية الرافضة لزيارته. وفي الإطار ذاته، وبصورة جلية رفض الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف السياسة الإيرانية في العالمين العربي والإسلامي، وذلك بقوله: «إننا لاحظنا أن هناك أموالاً تضخ لتحويل شباب أهل السنة إلى المذهب الشيعي، وهذا الذي نعترض عليه؛ لأن هذا الأمر سوف يؤدي بالضرورة إلى فتنة وإراقة للدماء في بلاد أهل السنة، وهو ما يرفضه الأزهر». بهذه الكلمات القاطعة الحاسمة على الحكومات والمؤسسات المدنية والأهلية ومراكز البحوث ووسائل الإعلام، أن تتحمل مسؤوليتها في حماية شعوبها وأبنائها من الوقوع فريسة أمام مشروع هدم تحمله طهران إلى الأمتين العربية والإسلامية في مواجهة مشاريع حضارية تحملها مؤسسات دينية تُعلي من قدر الوسطية والاعتدال وتحارب العنف والتطرف والإرهاب.
مشاركة :