د. حسن مدن قرأت، مرةً، أو سمعت، أن لغة من لغات العالم، وربما أكثر من لغة، لا تتضمن كلمة آسف، التي تستخدم للاعتذار عادة، أو للتعبير عن المواساة في حالات أخرى. حاولت أن أتذّكر أي لغة، أو لغات تلك، فلم أفلح، ولم يُسعفني البحث على الشبكة العنقودية في معرفتها.وفي كل الأحوال، أفترض أن في اللغة، أو اللغات المعنية، مفردات أخرى تؤدي المعنى ذاته، فلكل لغةٍ سياقها وبنيتها الدلالية والتعبيرية المختلفة، وبالتالي فإننا لا نفترض التطابق التام في كل اللغات في التعبير عن الأفكار والمشاعر نفسها.وأخبرتني ابنتي أنها فترة دراستها في الولايات المتحدة زاملتها في الدراسة فتاة صينية في نفس عمرها، طلبت منها أن تعلمها بعض المفردات باللغة العربية، وبين الجد والهزل قالت الفتاة إن أكثر كلمة تريد حفظها من العربية، كما من اللغات الأخرى، هي تلك التي تفيد بمعنى الأسف والاعتذار، مبررة ذلك وهي تضحك، بأنها كثيرة الوقوع في الأخطاء، لذلك يلزمها الاعتذار وإبداء الأسف كثيراً.ولأن الفتاة صينية، عليَّ ذكر معلومة، ربما يلزمها التأكيد من المختصين، ومفادها أن اللغات الشرقية أكثر غنى بمفردات اللباقة واللطف والعاطفة، بالقياس إلى نظيراتها اللغات الغربية. ولأن لغتنا العربية واحدة من لغات الشرق، فإني طالعت على موقع «ويكيبديا»، وعلى صلة بموضوعنا هنا: «أن الأسف، لغةً، هو المُبالغةُ في الحُزْنِ والغَضَبِ، وقد يكون الأسف عند العرب الحزن، وقيل أَشدُّ الحزن، كما جاء في الآية الكريمة: «إن لم يُؤمِنوا بهذا الحديث أَسَفاً»، معناه حُزْناً، والقولُ الآخرُ أَن يكون معنى أَسِفَ على كذا وكذا، أَي جَزِعَ على ما فاته، وقال مجاهد: أَسفاً أَي جَزَعاً، و هناك قوله عزَّ وجل «وَقَالَ يَا أَسَفَىٰ عَلَىٰ يُوسُفَ».الكاتبة الأمريكية ميل روبنز مؤلفة كتاب «قاعدة الثواني الخمس» تقول ما معناه إن الاعتذار فكرة أنانية، تتصل برغبة المعتذر في أن يلتمس لنفسه السبب في تبرير ما يحسبه خطأً أو تقصيراً من جانبه، فكأنه بالاعتذار يريح نفسه. وتعطي مثلاً على ذلك باعتذار أحدنا في حال تأخر عن اجتماع أو موعد، فيقول للمنتظرين: أعتذر عن تأخري، فيما المطلوب، برأيها، أن يقول لهم: شكراً لكم لأنكم انتظرتموني كل هذا الوقت. كما تعطي مثلاً آخر عما يحدث حين نصدم أحداً ونحن نهرول مسرعين في الشارع، أو نكون فوق الدراجة، فمن وجهة نظرها، يجب أن نبادره بالسؤال: هل أنت على ما يرام؟ للاطمئنان على أن أذىً لم يلحق به جراء الاصطدام، بدلاً من المسارعة بالقول: نحن آسفون.هل علينا، والأمر كذلك، أن نأخذ بنصيحة محمود درويش: «لا تعتذر عما فعلت»، فلا ننظر إلى تصرفاتنا على أنها مجموعة من الأخطاء المتكررة التي تستلزم منا الاعتذار، ونجترح لأنفسنا تعابير أخرى تظهر أننا طيبون؟ madanbahrain@gmail.com
مشاركة :