التدخل العسكري بين المشروعيتين الأخلاقية والقانونية

  • 5/2/2018
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

ليس دونالد ترامب انعزالياً. وعلى رغم أنه أناني وعنيف وغير مبال بالنتائج الخارجية المترتبة على قرارته، لم يقل يوماً أنه لن يقصف أي جهة. وما هو ثابت أنه يدير الظهر أكثر من أوباما للإرث الأميركي التبشيري الذي يعود إلى الرئيس ويلسون: أي التدخل باسم الديموقراطية. ففي سورية، رأت أميركا والمملكة المتحدة وفرنسا أن الوقوف موقف المتفرج متعذر. ففي فوضى عالمنا اليوم، حظر استخدام الأسلحة الكيماوية هو واحد من المحظورات التي تُلتزم الى حد بعيد. والتدخل في سورية [الضربة الأميركية والفرنسية والبريطانية] مسوّغ. وهو لم يرمِ إلى حل الأزمة السورية من طريق المشاركة في الحرب الأهلية، بل الاقتصاص من استخدام السلاح الكيماوي. وحذر شطر من الرأي العام الغربي من التدخل [في الخارج] حكيم. ففي العشرين سنة الماضية، كان ثلثا التدخلات الغربية، وحتى تلك التي صادق عليها مجلس الأمن، غير مثمرَين. ولكن العبرة من هذه السوابق لا يجب أن تكون الرفض الممنهج لكل تدخل، بل [جواز] التدخل حين المسوغات لا تدحض. ففي الحال السورية، حري بنا ألا ننسى أن الروس كانوا الجهة الضامنة لسحب الأسلحة الكيماوية من سورية في اتفاق كيري- لافروف. ولذا، يتساءل المرء إذا ما كان الأسد يظهر استقلاله عن روسيا [من طريق استخدام الكيماوي]. ولذا، لم يكن رد موسكو عنيفاً على الضربات الغربية. ويقول غلاة الحق الدولي أن مصادقة مجلس الأمن على التدخل، واجبة. نعم، ما يقولونه معقول. ولكن هل يرسي مثل هذه المصادقة مشروعية التدخل؟ فمجلس الأمن أجاز التدخل في ليبيا في عملية «توركواز»- وهذه يطعن فيها اليوم. و[بعد] لجوء روسيا الى حق النقض عشرات المرات، واستخدام الأسلحة الكيماوية عشرات المرات، وتحديد الخط الأحمر، توجيه ضربات لم تستهدف غير المواقع الكيماوية من دون السعي إلى إطاحة النظام، مشروع: هذه الضربة [الأميركية – البريطانية – الفرنسية] مشروعة، على رغم أنها شكلياً غير قانونية. ولا نستطيع الانقياد وراء الفيتو الروسي (أو فيتو أميركي أو صيني!) محبةً بالقانون الدولي. فبعض الأحوال تقتضي تولي زمام الأمور! ولكن، ما البديل من الأمم المتحدة؟ لا غنى عن مكان تتحاور فيه الأمم وتتبادل الكلام. ولا نستطيع أن نأخذ على الأمم المتحدة أنها لا تجترح معجزات- وهذا ما لم ينط بها يوماً. وعلى رغم أن الأمم ليست «متحدة»، [ترسي] منظمة الأمم المتحدة إطاراً لا غنى عنه. وإذا تخلينا عن هذا الملاذ، ستسود أكثر فأكثر شريعة الغاب. ويجب طبعاً توسيع مجلس الأمن، وهذا ما لطالما أيدته فرنسا. ولكن الصين ترفض [انضمام] اليابان ولا الهند [إلى مجلس الأمن]، والأفارقة لا يجمعون على من يمثلهم [هناك]، شأن أميركا الجنوبية كلها، الخ. وفرنسا مدعوة الى التزام الحزم والردع والحوار معاً [مع روسيا، إثر قضية سكريبال]. وحتى في الحرب الباردة حين تقاطعت مخاطر فعلية ووقعت عمليات اغتيال لعشرات الجواسيس، أفلح أشداء مثل كيسنجر أو نيكسون في إرساء الانفراج والحوار مع روسيا من موقع قوة. ولن نغير روسيا ونحولها الى ديموقراطية اسكاندينافية لطيفة (مسالمة). وليس في مقدورنا قصر السياسة مع روسيا في السنوات الخمسين القادمة على مزايدة في العقوبات. وفي وسع فرنسا أن تكون البلد الغربي الوحيد القادر على اقتراح رؤية طويلة الأمد الى علاقات أوروبا مع روسيا، من دون أن تتخفف من الحزم والصراحة. وفي وسع إيمانويل ماكرون الجمع بين الحزم والحوار[معها]. وثمة عدد من الأزمات في وقت واحد في العالم، وهو بعيد مما حلم به الغربيون إثر سقوط الاتحاد السوفياتي. و[من هذه الأزمات] عد تنازلي بيئي (مناخي، وهو كذلك وثيق الصلة بالتنوع البيولوجي والنفايات وانحسار الغابات، الخ.)، وانفجار سكاني(استقرار في أوروبا، وزيادة [سكانية] في خارجها)، وصدمة رقمية (ما أثرها في القرار العام وقدرتنا على الرد؟): وهذه المآزق كلها لا تصب، آلياً، في مصلحة الغرب(...)، وهو أمسك بزمام تاريخ العالم طوال 4 قرون. ونحن أبعد ما نكون من «نهاية التاريخ»، بل نحن أمام عالم متنازع هو أقرب إلى «جوراسيك بارك» [متنزه ديناصورات كاسرة] مما هو إلى «بيزونورس» [عالم لعب الأطفال أو يوتوبيا يعيش فيها مسالمون]. ويجب تبديد الأوهام. وفي الختام، أدعو إلى صحوة الأوروبيين، وليس الى تعزيز الاندماج الأوروبي- وهذا لن ينفخ في إرادة أوروبية جيو-استراتيجية. فالأوروبيون إذا لم يفلحوا في السنوات القادمة في التحلي بمزيد من البصيرة والحزم والاتحاد (وليس الانصهار)، تأخروا [عن اللحاق بركب العالم وفاتهم القطار]. فالعالم، في ما خلا قطاع السياحة، سيعيد تنظيم نفسه من دونهم. والهجرات هي ظاهرة عالمية اليوم، ولا تقتصر على الهجرات من أفريقيا الى أوروبا. والتنمية لن توقف مدها [أو تحول دونها]. والتحول السكاني لن يبصر النور في أفريقيا، وتحديداً في دول الساحل، إلا من طريق تعليم النساء. وهو الأولوية. وبعدها، يجب ضبط الهجرات. وهذا أمر حيوي. والأوروبيون يلفظون أكثر فأكثر أوروبا لأنهم يحسبون أنها صارت مخترقة. فما العمل؟ تأمين ملاذ لمن هو فعلاً عرضة للخطر، وفي الوقت نفسه إدارة شؤون سيل [الهجرة] إدارة مشتركة مع دول المنشأ ودول العبور (الترانزيت) من طريق تحديد كوتات (حصص) مهنية [موزعة على مهن]. ويجب التعاون مع القادة الأفريقيين الذين لا مصلحة لهم في مغادرة أبرز الكفاءات بلادهم الى أوروبا؛ وتحسين صيغة تأشيرة الشنغن فتساهم فعلاً في إدارة الحدود وترصد رصداً سريعاً من هو مخوّل نيل حق اللجوء ومن هو مهاجر اقتصادي؛ والتعاون السياسي المتواصل مع بلاد المنشأ (أو بلاد حمل الرحال). فإغلاق الحدود إغلاقاً شاملاً، متعذر. فهو اقتصادياً غير مجد، وإنسانياً متحجر القلب. وقد لا تقيض الحياة على كوكب الأرض إذا بقي النموذج الكاسر الغربي/ الأميركي هو النموذج مع بلوغ عدد السكان 10 بلايين نسمة. ومثلما دارت عجلة سيرورة صناعية في القرن التاسع عشر، نحتاج الى سيرورة بيئية تغير وجه المجالات كلها: الطاقة، والنقل، والزراعة، والصناعة، والبناء، الخ، (...) في العقدين المقبلين أو العقود الثلاثة المقبلة. والغربيون لم يعودوا يحتكرون توجيه كفة شؤون العالم. وهم لا يتقبلون ذلك. ولكن، هل أصاب وهن الغرب؟ نعم، وهو يراكم الأخطاء ويواصل التخبط، على رغم أنه بالغ الثراء. ولكنه غير متجانس. وكان من المفترض أن ترسخ العولمة هيمنة الغرب، ولكن الطبقات الغربية الشعبية لم تملك الشجاعة [المضي قدماً] وتراجعت. وأراد الأميركيون المحافظة على قوتهم، ولكنهم تعثروا ولم يعرفوا السبيل الى ذلك. والأوروبيون يخشون «القوة»، فهم متأثرون بخطابة واعظة وأخلاقية قوامها الندم عن الحروب والاستعمار. * وزير الخارجية الفرنسي الأسبق، عن «لوفيغارو» الفرنسية، 26/4/2018، إعداد منال نحاس

مشاركة :