رسم صندوق النقد الدولي صورة متفائلة لاقتصادات المنطقة العربية لهذه السنة والعام المقبل، متوقعاً ارتفاع النمو الاقتصادي في المنطقة إلى 3.4 و3.7 في المئة على التوالي، بعد تراجعه إلى 2.6 في المئة عام 2017 نتيجة هبوط أسعار النفط والاتفاق على خفض إنتاجه والتوتر السياسي الذي يجتاح عدداً من الدول في المنطقة، ما حرمها من الاستفادة من نمو الاقتصاد العالمي الذي تجاوز 3.8 في المئة العام الماضي، وهو الأعلى منذ العام 2011. وأعلن مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي جهاد أزعور في مؤتمر صحافي عقده في دبي أمس، أن «النمو يعود مجدداً إلى المنطقة العربية سواء في الدول المصدرة للنفط أو المستوردة». إذ رجح الصندوق في تقرير صدر أمس، أن «تنمو اقتصادات الدول المصدرة للنفط في المنطقة هذه السنة وفي 2019، بنسبة 2.8 و3.3 في المئة على التوالي، مرتفعة من 1.7 في المئة عام 2017». لكن خفّض توقعاته لنمو اقتصادات دول الخليج بنحو 0.3 في المئة إلى 1.9 في المئة خلال العام الحالي، قبل أن يرتفع إلى 2.6 في المئة في 2019. وتوقع زيادة في نمو الدول المصدرة للنفط 4.7 و4.6 في المئة على التوالي، بعدما سجل 4.2 في المئة عام 2017. وعلى رغم تفاؤل الصندوق بنمو اقتصادات المنطقة، إلا أن أزعور شدد على أن «الدول المصدرة للنفط تحتاج إلى تمويل العجز المتراكم الذي يتجاوز 294 بليون دولار خلال العام الحالي وحتى عام 2022، إضافة إلى إعادة تمويل سندات دولية بـ70 بليون دولار». أما الدول المستوردة للنفط، فاعتبر أنها «تحتاج إلى تمويل العجز الذي تصل قيمته إلى 272 بليون دولار وكذلك سندات دولية بـ30 بليوناً». وأشار إلى أن «أي زيادة في معدلات الفائدة، تضيف أعباءً كبيرة على خدمة الديون في المنطقة، وعلى رغم أن الدين العام لا يزال في حدود يمكن التعامل معه في معظم الدول المصدرة للنفط في المنطقة، إلا أن التراكم السريع للدين في الكثير منها يثير القلق». إذ لفت إلى «ارتفاع مستوى الدين بمتوسط 10 في المئة سنوياً من الناتج المحلي منذ العام 2013، وموّلت هذه الدول العجز عبر الجمع بين عمليات السحب من الهوامش الوقائية وزيادة الاقتراض المحلي والخارجي». ولم ينكر أزعور أن المنطقة «تشهد تحديات وأخطاراً أخرى قد تنعكس سلباً على معدلات النمو، أهمها تلك المتعلقة بالتوتر التجاري بين الصين والولايات المتحدة، إضافة إلى تحدي خلق 23 مليون وظيفة خلال السنوات الخمس المقبلة، إذ تتجاوز معدلات البطالة في المنطقة 23 في المئة». وقال في تصريح إلى «الحياة»: «يجب على الحكومات في المنطقة العربية إيجاد وظائف لأكثر من 5 ملايين شخص سنوياً، من خلال إعطاء المبادرة إلى القطاع الخاص وتحسين بيئة الأعمال، إضافة إلى استمرار عملية الإصلاح الاقتصادي وتنويع مصادر الدخل». وأشار إلى أن «خطوة رفع الدعم عن الوقود التي نفذتها مجموعة من الدول العربية في وقت سابق جيدة جداً، وهدفها استخدام جزء من الوفر الذي تحققه العملية لتعزيز البرامج الاجتماعية». وعن دول الخليج، أكد أزعور أن «السعودية شهدت العام الماضي الانكماش الاقتصادي الأول منذ العام 2009، جراء تأثير خفض إنتاج النفط بموجب اتفاق «أوبك» والذي فاق تأثير تعافي الاقتصاد العالمي غير النفطي. بينما سجلت الإمارات تراجعاً في الطلب المحلي نتيجة ضعف ثقة المستثمرين. وفي البحرين كان أثر ارتفاع النمو غير النفطي مدعوماً بالمشاريع الممولة من مجلس التعاون الخليجي وقوة قطاعي المال والضيافة، أكبر من أثر هبوط الناتج المحلي». وقال أزعور «من المهم أن تواصل البحرين التخلص تدريجاً من نظام الدعم كي تكبح الإنفاق الحكومي، ما سيسمح بتحديد أسعار المرافق عبر معادلة جديدة». وتوقع الصندوق أن يظل النمو «مستقراً إلى حد كبير عند نحو ثلاثة في المئة في العامين المقبلين». وأفاد تقرير صندوق النقد، بأن «نمو الاقتصاد السعودي تراجع إلى 0.7 في المئة العام الماضي»، لكن توقع أن «يرتفع إلى 1.7 في المئة هذه السنة و1.9 في المئة عام 2019». ولم يختلف مسار اقتصاد الإمارات كثيراً، إذ تراجع إلى 0.5 في المئة العام الماضي، ولكن يُرجح أن يزداد إلى 2 في المئة خلال العام الحالي و3 في المئة عام 2019». ورأى أزعور أن «تحسن توقعات الصندوق لنمو الاقتصاد السعودي لهذه السنة مبني على عوامل كثيرة، أبرزها الإصلاحات التي نفذتها الحكومة خلال المرحلة الماضية، والتي انعكست في شكل جيد على خفض مستوى العجز». وعن الاقتصاد اللبناني، أعلن أزعور أن لبنان «يحتاج إلى معالجة العجز المالي الكبير، والعمل على إصلاحات هيكلية لمساعدة اقتصاده على النمو، وإعادة هيكلة قطاعات رئيسة مثل الكهرباء والاتصالات». إذ أوضح أن لبنان «يحتاج إلى تقليص تلك الفجوة، التي سبق ووصفها الصندوق بـ «عدم استدامتها»، تدريجاً إلى خمسة في المئة من الناتج الإجمالي». وأشار إلى أن النمو يسير «بوتيرة بطيئة تدور بين 2 و2.5 في المئة». واعتبر أن التعهدات التي تلقاها لبنان في مؤتمر باريس بمساعدات تتجاوز 11 بليون دولار، تشكل «الحافز الملائم له كي يزاوج بين برنامج الاستثمار وإصلاح مالي ملائم، مع إعادة هيكلة بعض القطاعات الرئيسة الضرورية لرؤية الاقتصاد ينمو مجدداً». وعن تقويمه للوضع الاقتصادي في إيران، وصف صندوق النقد قرار توحيد سعر صرف العملة في السوقين الرسمية والحرة لدعم الريال، بأنه «خطوة في الاتجاه الصحيح». إذ أعلنت السلطات الإيرانية الشهر الماضي، توحيد سعر الصرف الرسمي للريال وفي السوق الحرة عند 42 ألف ريال في مقابل الدولار. وأكد أزعور أن هذا التوحيد «يساعد في القضاء على التشوه ويحسن تنافسية الاقتصاد». ولم يغفل ضرورة أن يترافق ذلك مع «الحفاظ على التعديل المالي لخفض مستوى عجز الموازنة، وإصلاح النظام المصرفي وتحديداً البنوك التي تواجه صعوبات، والسماح للقطاع الخاص بالنمو». وبالنسبة إلى الاقتصاد المصري، رفع صندوق النقد توقعات نموه إلى 5.2 في المئة في السنة المالية 2018، ارتفاعاً من 4.2 في المئة العام الماضي. ولم يستبعد أن «تتسارع وتيرته ليصل إلى 5.5 في المئة في السنة المالية 2019». واعتبر أن «الزيادة المتوقعة في إنتاج الغاز، ستدعم استمرار نمو الاقتصادي». ولفت إلى أن آفاق النمو في مصر «تحسنت مقارنة بتنبؤات تشرين الثاني (أكتوبر) 2017، ففي سياق برنامجها الذي يدعمه الصندوق، لا يزال تحسن مستوى الثقة مستمراً في تعزيز الاستهلاك والاستثمار الخاص، إضافة إلى زيادة حجم الصادرات والسياحة. وعن إعادة إعمار الدول التي دمرتها الحروب في المنطقة، قال أزعور إن «هذه العملية قد تنعش اقتصادات دول المنطقة، فإعادة إعمار العراق فقط تحتاج إلى 80 بليون دولار، تعهدت الدول المانحة بـ30 بليوناً منها». < Previous PageNext Page >
مشاركة :