حملت تقييمات حديثة لصندوق النقد الدولي توقعات متفائلة بتحسن المؤشرات الاقتصادية في المنطقة العربية خلال العام المقبل بعد العثرات التي تعرض لها خلال 2024 على الرغم من الإكراهات الكثيرة المرتبطة في معظمها بتقلبات الاقتصاد العالمي وأسواقه. دبي - يربط الخبراء تحسن الاقتصاد العربي بالتخلص التدريجي من تخفيضات إنتاج النفط وتراجع الظروف المعاكسة، بما في ذلك الصراعات في منطقة الشرق الأوسط. وتبدو التوقعات لنمو اقتصادات المنطقة العربية خلال العام 2025 عند قرابة 4 في المئة دفعة مهمة لمعظم الحكومات التي تكافح على عدة جبهات للإفلات من أي أزمة محتملة، لكن أخرى تعاني كثيرا إما بسبب تغيرات المناخ أو من تداعيات الحرب في قطاع غزة. ووفقا لأحدث تقرير للآفاق الاقتصادية في المنطقة لصندوق النقد الدولي، الذي أطلقه من دبي الخميس، فإن النمو سيظل “بطيئا” عند 2.1 في المئة في عام 2024، وهو أقل من التوقعات السابقة مع ثقل العوامل الجيوسياسية والاقتصادية الكلية. وحذر الصندوق من أن المخاطر التي تهدد التوقعات المستقبلية للمنطقة بأكملها، بما في ذلك القوقاز وآسيا الوسطى، “تظل تميل إلى الجانب السلبي”، داعيا إلى تسريع الإصلاحات الهيكلية، بما في ذلك الحوكمة وأسواق العمل، لرفع توقعات النمو في المدى المتوسط. وقال جهاد أزعور، مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في الصندوق، في مقابلة مع رويترز إن “تقديرات النمو في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لعام 2024 تم تعديلها بالخفض بنسبة 0.6 في المئة عن تقرير أبريل”. جهاد أزعور: التضخم أصبح تحت السيطرة بكافة أنحاء المنطقة جهاد أزعور: التضخم أصبح تحت السيطرة بكافة أنحاء المنطقة وأرجع ذلك لأسباب أهمها امتداد الصراع بين إسرائيل وحركة حماس والمزيد من تمديدات تخفيضات إنتاج النفط الطوعية التي أقرتها مجموعة أوبك+. ولكن “الخبر السار” بالنسبة لأزعور هو أن التضخم أصبح تحت السيطرة تدريجيا بكافة أنحاء المنطقة، وتوقع أن يصل في المتوسط إلى معدل الهدف البالغ ثلاثة في المئة هذا العام، باستثناء مصر وإيران والسودان. وقال “رغم ذلك فإن التوقعات تتباين بشكل كبير في أنحاء المنطقة، إذ قد تتمكن الدول المصدرة للنفط من التعامل بشكل أفضل مع المخاطر المحتملة، بدعم من النمو القوي في القطاع غير النفطي”. وفي ظل انخفاض أسعار النفط وتراجع الإنتاج هذا العام، تفوق النمو غير النفطي في الخليج إلى حد كبير على النمو الإجمالي، إذ تساعد برامج الاستثمار التي تقودها الحكومات في دفع الطلب المحلي. ويتوقف مستقبل التوقعات بشأن الاقتصاد العربي على سيناريوهات التوتر في الشرق الأوسط واحتمال توسعه وأثره على أسعار النفط العالمية والأوضاع الاقتصادية والسياسية لدول الجوار. ويتجلى تأثير ذلك في ارتفاع تكاليف الشحن مع تقلص أحجام العبور من البحر الأحمر بنسبة تزيد عن 40 في المئة هذا العام، بحسب بيانات بورت ووتش التابعة لصندوق النقد الدولي. وتتميز المنطقة بتفاوت اقتصادي مرتفع بشكل استثنائي مقارنة بمناطق أخرى من العالم. وأدى الوباء والحرب في أوكرانيا وما تلاها من أزمات الديون والغذاء والطاقة إلى تفاقم الفوارق الاجتماعية والاقتصادية. ويقدّر صندوق النقد أن يبلغ نمو القطاع غير النفطي في دول الخليج 3.7 في المئة خلال هذه السنة، ليتسارع إلى 4 في المئة العام المقبل. 4 في المئة نسبة النمو المتوقع العام المقبل ارتفاعا من 2.1 في المئة متوقعة خلال عام 2024 ومن المتوقع أن يبلغ النمو في الخليج 1.8 في المئة العام الجاري، على أن يتسارع في العام المقبل إلى 4.2 في المئة، وأن تصل معدلات التضخم إلى 1.8 في المئة خلال العام الحالي، و1.9 في المئة خلال العام المقبل. وشهدت أسعار النفط تقلبات كبيرة هذه السنة ما أثر على اقتصادات الدول المنتجة، فمثلا أعاد الهجوم الصاروخي الإيراني في الأول من أكتوبر الماضي علاوة الحرب على الخام، ما دفع مؤشر غرب تكساس الوسيط إلى ما يزيد عن 75 دولارا للبرميل في أكتوبر. ومع ذلك، فإن الأسعار أقل بنحو 20 دولارا عن الجلسة الأولى بعد هجوم السابع من أكتوبر الذي أشعل فتيل الصراع العام الماضي. ومن شأن تقلب أسعار النفط أن يؤثر بشكل رئيسي على الإنفاق الحكومي في دول الخليج، ما يمكن أن يلقي بظلاله على نمو القطاع غير النفطي. ويعتقد أزعور أن الإنفاق الحكومي كان ولا يزال أساسيا في بناء بنية تحتية رقمية متفوقة في الخليج، وهو أحد عناصر التنافسية التي تستفيد منها اليوم كل القطاعات الاقتصادية. كما ساهم خلال فترة كورونا، في إبقاء الحركة الاقتصادية قائمة، ما ميّز هذه الاقتصادات، وحافظ على مستويات النمو، داعيا إلى “الاستمرار بهذه الاستثمارات التي تخلق ميزات تفاضلية وتفوقا تكنولوجيا أساسيا للمستقبل”. الدول المستوردة للنفط في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تظل أكثر عرضة للصراعات المستمرة واحتياجات التمويل المرتفعة وقال إن “استمرارية النمو في القطاع غير النفطي بمنطقة الخليج تعود إلى عوامل رئيسية، وهي السياسات والإصلاحات المعتمدة من قبل هذه الدول، والتي ساهمت برفع مستوى الإنتاجية، فضلا عن استثمارها في قطاعات واعدة”. وعلاوة على ذلك القدرة السريعة على الخروج من الأزمة الصحية، وهذا ميّز دول الخليج عن باقي دول العالم، كما يقول مسؤول الصندوق. أما في ما يتعلق بالمستقبل، فتركز عملية التنوع الاقتصادي بالنسبة لهذه البلدان على 4 محاور، أولها الاهتمام بقطاعات واعدة كالذكاء الاصطناعي والمناخ. ويتمثل المحور الثاني في إضافة قطاعات جديدة إلى الاقتصاد، كقطاع الترفيه في السعودية، والثالث هو الاستثمار في البنية البشرية، وأخيرا زيادة عملية تنويع مداخيل الدول، ما يسمح لدول الخليج بأن تكون أقل حاجة إلى إيرادات النفط. في المقابل تظل الدول المستوردة للنفط في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أكثر عرضة للصراعات المستمرة واحتياجات التمويل المرتفعة. وأشار تقرير صندوق النقد إلى أنه “حتى مع تراجع هذه القضايا تدريجيا، فإن حالة عدم اليقين تظل مرتفعة، ومن المرجح أن تعيق الثغرات الهيكلية نمو الإنتاجية في العديد من الاقتصادات خلال فترة التوقعات”. ووافق صندوق النقد الدولي على تمويل جديد بقيمة تقدر بنحو 13.4 مليار دولار لدول في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى منذ شهر يناير الماضي، بما في ذلك برامج في مصر والأردن وباكستان.
مشاركة :