تظل أعمال الراحل صلاح عبدالصبور، والذى تعددت مواهبه بين الشعر والكتابة والصحافة، من أهم رموز الحداثة العربية، فالراحل كان من القلائل الذين أضافوا إلى المسرح الشعرى الحديث، ومن رواد العمل الثقافى المصرى؛ وبينما كان صحفيا محافظًا، جاءت لغته الشعرية والمسرحية مليئة بالحنين لقيم اندثرت، ولكنها ظلت فى أعماله التى تهتدى بها أجيال عديدة من المثقفين؛ ربما لذلك كانت نهايته الدرامية تليق بعبقرى من هذا الطراز. وكما قتلت الكلمات الحلاج، قتلت أيضًا صلاح عبدالصبور. يحكى الدكتور جابر عصفور عن «السهرة المشئومة» -كما وصفها- فى كتابه «رؤيا حكيم محزون» عن الليلة التى أقيمت فى منزل الشاعر أحمد عبدالمعطى حجازى وحضرها صلاح عبدالصبور وزوجته، وأمل دنقل، وعبلة الروينى، وبهجت عثمان؛ والتى بدأت بالأحاديث الودية واسترجاع للذكريات التى جمعتهم معًا، ثم انجرفوا إلى الحياة التى يعيشونها، والمعاناة السياسية وسياسات الانفتاح الاقتصادى، وفتح أبواب الفساد، وكانوا يستمعون عبر الكاسيت إلى قصيدة «سوق العصر» للشاعر الراحل عبدالرحمن الأبنودى، وعلق عليها عبدالصبور بقوله: «صحيح شعب يستحق ما يجرى له، ما دام يسكت على سارقيه، وما دام لصوصه مطمئنين إلى أنه لا يمكن أن يقرّ، أو يتمرد»، ليرد عليه بهجت عثمان بانفعال، «وكيف يُقِرّ الشعب يا صلاح ومثقفوه خانوه وباعوه؟» فكانت كلمات بهجت عثمان بمثابة الكرباج الذى جلد به الحلاج وهو مصلوب، ليتدخل عبدالمعطى حجازى ويذكرهم بميلاد ابنته ويأخذ الحديث مجرى آخر. فى تلك الليلة ١٤ أغسطس ١٩٨١، قال «عبدالصبور»، إنه يشعر بإرهاق وصداع وضغط ثقيل يطبق على صدره، وأنه يفضل العودة إلى المنزل مع بناته، إلا أن «حجازى» أصر على أن يستريح قليلا، ولكن الألم عاوده من جديد، ما جعلهم يذهبون به إلى مستسفى هليوبوليس بمصر الجديدة، حيث دخل العناية المركزة وكانت آخر كلماته لجابر عصفور «هل تتذكر زكاة الوقت؟» فأجابه الأخير: نعم. ليرد عليه عبدالصبور «هذه أيضًا زكاة بدن»، ليدخل بعدها فى غيبوبة وتفشل جميع محاولات إنقاذه، ليرحل بعدها إثر أزمة قلبية حادة.
مشاركة :