إبداعات "البوابة"| "مطاردات خارج الجسد" نص لـ"شيماء رجب"

  • 5/4/2018
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

رصيف المشاة (١) صدقوني: أنا فى الحقيقة لا أدرى لماذا بداخلى حزن كبير؟ الأسباب كثيرة، لكنها مشوشة، هواجسى تحجب حقيقة الوعى بأسرار روحي، الأسرار لا تستطيع أن تمضى عارية كما الحقائق، أين الصواب؟ فى الحقائق أم فى الأسرار؟ عندما يمتزج العفن بتلك الدماميل المقرفة لتقف على وجبة من الاشمئزاز، سرعان ما تثير أمعاءك الغليظة فتلفظها، تتقيأها، تدفعها خارج الجسد، وإلا سوف تظل كلوحات سريالية تطارد روحك السرمدية، تلتهمها أم تلتهمك؟ أفكر كثيرا فى تلك الأجساد الدودية الميتة والمنتفخة، أفكر فى تلك الروائح السيئة التى تنبعث منها، أليست هى نفسها أجسادنا وتلك هى روائحنا؟ هكذا تسير الأمور، هذا هو شكلها المعتاد. يجب ألا أتمادى فى ثرثرتى وأفكاري، هذه مياه النيل العبقة، ووقت الغسق، ولون السماء المعتم الباعث على حداد طويل لا ينتهي، يجدر بى أن أفيق من زوبعتى ورياحى الموسمية، لكن بوق السيارة كان أسرع إلى تنبيهى وأنا أعبر الطريق، كانت ألسنة تتناولنى باتهامات كبيرة لكننى رميت بنفسى المنهكة إلى رصيف المشاة. بلا ملامح (٢) كان يحدق فى اللاشيء، أحس أنه قد غاب ساعة فى طرفة عين لم تستغرق سوى ثوان، وهو يقف فى منتصف العربة، ويده حبل المشنقة الذى يتدلى منه باقى الجسد، يترنح ويهتز مع اهتزازات عجلات عربة المترو، يتساءل متى سيرحمه القدر ويسحب بساط الحياة من تحت قدميه؟! تنفس... تنهد.. تأوه.. صوته يصرخ فيمن حوله.. انتبهوا فى خطاكم قد غُرست قدمى وسحق جسدى فى ذلك الموج المتلاطم من أجساد البشرية. هى كانت تقف.. رأها.. تتشبث بالهواء.. تملء رئتيها من زئبق الحياة.. قد جمعت خيوطا برتقالية وبنية خلف رأسها بمشبك شعر، فلتت من قبضته بعض الخصلات التى أبت أن تفارق جبينها، تهتز راقصة وكأنها ترفض الثبات، يداها تتشبث فى المقعد التى تقف بجواره بانفعال شديد، ويد أخرى تصر على حرمانه من الرقص، تدعوه ليبقى خلف أُذن تجملت بقرط لولبي، لتنزلق يداها على رقبتها وقد شُدت عليها دفتى البلوزة وكأنها تحتضنها أو ربما تمتلكها وتداعبها وحدها، وتخفيها. ابتسم هو لأول مرة مُنذ الصباح وأغمض عينيه... انزعج... وزاغت عيناه فى وسط الوجوه، يا للغباء!! لم أحفظ تفاصيل وجهها كيف أعاود اكتشافه مجددا؟! صرخ.. البقاء فى تلك الحياة لا يطاق! هنا.. أجابة صوت بصدق القول... تلفتتْ.... استدارتْ.. يا لها من أنثى! يقولون إن العيون هى أكثر الأعضاء القادرة على فضح دواخلنا، لكنها هى كانت شفتاها، شفاه تنضح حزنا كأنها لم تلتق بحبيب من قبل! تعبت من غربة المكان.. لا تتمنى سوى... الاحتضان. لما لا تضعين أى لون على ثغرك فتخفى ككل النساء تعاسة قلبك وتيه روحك؟! تسيرين بلا ملامح ووجهك تسيطر عليه عينان سوداوان. دقيقة كاملة... تركتُ نظراته تخترقنى كمشرط جراح يقطع، يكتشف داخلي، عتمتي، عمقي، لكنه بلا ألم.. أصبحت مخدرة تماما.. وكان هذا أول لقاء، احتسينا فيه مرارة القهوة مع حكمة الصمت ولغة العيون. نص لـ شيماء رجب

مشاركة :