لنطوي تلك الصفحة ثم نمضي..

  • 5/4/2018
  • 00:00
  • 17
  • 0
  • 0
news-picture

منذ أن ابتدأت الصحوة وحتى انتهائها تقريباً - كحشد جماهيري - وهي تمارس الهجاء لكل ما سواها من أفكار مختلفة، وهذا بحد ذاته جعلها تحمل في أحشائها بذور فنائها، لأنها وصلت لمرحلة النرجسية المفرطة التي لا تقبل أي نقد حتى أكلت نفسها وشهدت الانشقاقات من داخلها، وهذه حتمية طبيعية لكل الأفكار التي تغلق آذانها عن النقد، وتعتقد بتفوق الذات دينياً أو قيمياً، مع ممارسة الإقصاء ضد الآخر والتحريض ضده وتشويهه والفجور في خصومته؛ لمجرد اختلاف في فروع التصورات والأفكار. هذا الأمر هو ما جعل ردّة الفعل التي نشاهدها الآن من خصومها عنيفة، مساوية لها بالمقدار (تقريباً) ومعاكساً لها في الاتجاه، وهذه طبيعة التدافع وسنّته الكونية. لكن المقلق في الأمر هو التمادي في ردة الفعل هذه إلى تلك الدرجة التي نتشاغل فيها عن المستقبل من أجل استهلاك الكثير من تفاصيل تقييم الماضي والاستغراق في هجائه، وهو السلوك نفسه في الجهة المقابلة الذي يستغرق في مدح ذلك الماضي وتقديسه. إن الانشغال بالماضي لدرجة مفرطة، مدحاً أو هجاءً، هو ضياع حضاري وإنساني، وتضييع لطريق المستقبل الذي لا ينتظر. حين نشاهد تحرّكات سمو ولي العهد حول العالم وسعي القيادة الحثيث في بناء سعودية جديدة مشرّفة، وحين نرى منجزات شبابنا وبناتنا العلمية والإبداعية محلياً وعالمياً، وحين نرى أجيالاً جديدة تشرئب أعناقها لمستقبل جديد وشمس مشرقة بدأت ترسل أولى أشعة الفجر الواعد، وفي الوقت نفسه نرى البعض مشغولاً بالانتقام التاريخي من حقبة الصحوة وأفكارها، سندرك مدى الجهد المهدور في الهواء ممن يفترض بهم إدراك واقع السباق المحموم والتحديات الحقيقية التي تواجهنا جميعاً في الكفاح من أجل البناء وابتكار الحلول وتذليل العقبات وفتح آفاق جديدة في التفكير تواكب الطموح في تجاوز الذات والمصاعب، والماضي أيضاً بكل ما فيه. إن المرحلة القادمة بحاجة إلى صراع جديد، صراع لا يكون طرفاه مجرد أفكار محافظة متوجسة وأفكار تقدمية، كما تعودنا خلال عقود، بل صراع حقيقي بين الذات بكل ما تحمله من تنشئة وأفكار وبين واقعٍ عالمي وصلت إليه المجتمعات المتقدمة اليوم بعد أن خاضت هي نفسها هذا الصراع المرير مع الذات حتى وصلت، وأولى هذه المعارك مع الذات هي الاعتراف بالآخر المختلف وبحقوقه وإنسانيته وحقه في الاختلاف والبقاء والتعايش معه كما هو. هذا هو الشكل التقدمي الجدير بأن ينسجم مع الطموح التنموي في خطين متوازيين لإحداث نهضة شاملة في شقّيها المادي والإنساني دون إخلال. لقد كنتُ وغيري ممن كتب ضد بعض أفكار الصحوة ناقدين، ولكن في وقت تسيّدها للساحة والعقول، ولا حاجة لسرد الخسائر التي لحقت بي وبكثيرين جراء ذلك، ولكن في مرحلة ما من الانعطافات التاريخية سيكون من الإخلال بالدور الرسالي المفترض تضييع الوقت في استهلاك ما تم استهلاكه، وتفويت الفرصة في خلق وعي جديد يأخذ بيد جيل جديد للانسجام مع عصر جديد وأملٍ جديد. إن الطموح الذي بثّه فينا سمو ولي العهد في الوصول إلى (عنان السماء) يتطلب منّا جميعاً التكاتف خلف هذه الفكرة الواحدة وتسخير كافة الطاقات في كافة المجالات للكفاح من أجل تحقيقها. إنها معركتنا الحقيقية حين نسترجع تاريخ ما قبل الصحوة مع التنمية والأخطار الخارجية المحدّقة بنا، وبالتالي فهذا الظرف الطارئ المتمثل في زمن الصحوة بكل ما حمله من أفكار يجب ألا يتجاوز سياقه العابر في مسيرنا التاريخي المستمر نحو البناء والتقدم، ووعينا الوجودي بمظلة الكيان الحاضن الذي مرّت به الكثير من الصعاب والمخاطر التي استطاع ابتلاعها والنهوض والاستمرار مجدداً.

مشاركة :