تمضي الأعمار، وتتغير الأحوال، وكل منا له فيها أثقال وأحمال. تتقدم بنا السنون، تتحقق فيها آمال، وتفشل أخرى. في الحديث النبوي الذي رواه الترمذي: «الكَيِّس مَنْ دَانَ نَفْسَهُ، وَعَمِلَ لِما بَعْد الموتِ، وَالعَاجِزُ مَن أَتْبَعَ نَفْسَه هَواهَا، وتمَنَّى عَلَى اللَّهِ». هي دعوة نبوية لأن يخطط الإنسان لحياته، وأن يجدد أفكاره وممارساته بما يحفظ له دينه وآخرته، وأن يحذر اتباع هوى نفسه، فما أسوأ أن تعيش بجسد صحيح وعقل عاجز. أحيانًا نشعر بأن الحياة تدور بنا سريعا، ونحن نلهث خلفها ننتظر منها المزيد والمزيد، ولا ندرك أو نتغافل؛ أنَّ الأعمار هي التي ستنقضي ونحن نفكر في الحياة. تمر علينا السنوات الهجرية والميلادية، بعضنا يعيشها عاما إثر عام، يحقق أهدافه المكتوبة والمرسومة، ولا ينظر إلى الإحباطات الكثيرة المحيطة التي تحاول أن تهزمه وتسقطه. وبعضنا يَضيعُ عمره في معارك يومية؛ إن في الرزق أو في الحياة، أو في الضمير والوطنية والإنسانية، أما العاقل الفطِن فهو الذي يُحسن اختيار معاركه. يقول الراحل غازي القصيبي عليه رحمة الله: «ستدرك في وقت متأخر من الحياة، أن مُعظم المعارك التي خضتها لم تكن سوى أحداث هامشية أشغلتك عن حياتك الحقيقية. فاجعل هذا الإدراك مبكرًا»! قبل سنوات حدثني أحد الأصدقاء: قرأت حكمة غازي- السابقة - منذ سنوات مضت، ومن يومها وأنا لا أقرأ من الصحف ولا أشاهد من التلفاز ما يعكّر صفو يومي، ولا ألتقي من الناس من لا أحب. كانت نصيحة ثمينة طبقتها منذ سنة ونصف تقريبا، فاكتشفت أثرها حتى على الانشغال الذهني للإنسان. العمر ينقضي أسرع مما نتخيّل، فما أجمل أن ينشغل الإنسان بالإنجاز والعطاء، وأن ينتصر لقضاياه الثمينة التي سيفخر بها يوما ما. تجاوزوا خلافاتكم بالصفح، ومصائبكم بالصبر، وأمراضكم بالرضا والدعاء. عمّروا أوقاتكم بالطاعات، وطهّروا حياتكم بالصدقات، وعطِّروا لحظاتكم بذكر رب الأرض والسماوات. عام هجري مضى، وأتي آخر وسيرحل، لا يعلم أحدنا موعد رحيله عن هذه الدنيا، لكنه بيده تبييض صفحاته أو تسويدها. إنها أعوام تمضي وأعمار تطوى وصحائف تملأ، بارك الخالق في أعماركم وأعمالكم. برودكاست: كل عام ووطننا وأرضنا بأهلها وناسها شعبا وقيادة، بألف خير وسلامة، وكل عام وأنتم بخير.
مشاركة :