في بعض الأحيان وفي قضايا الأمن القومي الخطيرة قد يكون من الممتع أن يعيش المرء حالة من أحلام اليقظة، والتفكير في السيناريوهات التي تتمحور حول «ماذا إذا حدث»؟ ويبدو أن كوريا الشمالية توفر مثل تلك الفرصة. ولنتخيل ما يلي: في العشرين من شهر يونيو 2018 يلتقي دونالد ترامب وكيم جونغ أون في قمة توصف بالتاريخية، على غرار قمة ريكيافيك على سبيل المقارنة، والقمة الجديدة تتجاوز في حقيقة الأمر قمة الحرب الباردة السابقة من حيث القفز والحدود، ويصنع التاريخ في ذلك اليوم مع موافقة بيونغ يانغ ليس على التخلي عن أسلحتها النووية فقط، بل عن صواريخها الطويلة المدى أيضاً. لا شيء مؤكد، طبعاً، وتصر الولايات المتحدة والحلفاء على إجراء تفتيش يومي وأسبوعي طوال أيام السنة، وفي أي مكان يقع عليه الاختيار في كوريا الشمالية- وألا يتم تحذير نظام بيونغ يانغ من موعد ومكان عمليات التفتيش هذه- وهو ما يترك الفرصة للكثير من الشك. ولكن بعد ذلك ومع التقدم بسرعة نحو خريف سنة 2019 وعلى افتراض أن الزعيم الكوري الشمالي تقيد بوعده ونحن لدينا ما يكفي من الأسباب لوفائه به سيتم تفكيك وتعطيل أكثر من 52 من الأسلحة النووية التي تم توثيقها في مراحل متعددة، وقد تخلت بيونغ يانغ أيضاً عن سبعة صواريخ باليستية عابرة للقارات و1200 صاروخ إضافي قصير المدى، وفيما كان الثمن غالياً، 100 مليار دولار، على شكل مساعدات اقتصادية تقدم خلال عشر سنوات، ويتم دفعها بصورة مشتركة من قبل الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية واليابان يبدأ نظام بيونغ يانغ بإعادة تنظيم اقتصاده وتوجيهه نحو الغرب، ويأتي هذا بعد أن حاول إبرام اتفاق مماثل مع الصين قبل قمة الكوريتين في شهر أبريل 2018 ورفضته بكين. وفيما يتوجه كيم جونغ أون إلى طوكيو الآن لعقد اجتماع قمة مع رئيس الوزراء شينزو آبي يوجد حديث أيضاً حول اعتراف دبلوماسي كامل يمكن أن يتم الإعلان عنه خلال الأيام القليلة المقبلة مع موافقة الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية واليابان على الاعتراف بكوريا الشمالية وتبادل السفراء. والسؤال هو: هل يمكن حدوث مثل هذا السيناريو؟ على الأغلب لا، ويتعين علينا أن نتذكر أن كوريا الشمالية نقضت بشكل تقريبي كل اتفاقية دولية وقعتها، كما أن مطالب كيم جونغ أون من أجل التخلي عن ترسانته النووية قد تكون شديدة وحافلة بمثل هذا الخطر بحيث يقرر الرئيس الأميركي الانسحاب، ومن خلال النظر إلى أن كوريا الشمالية عملت على تجويع شعبها طوال عقود من الزمن من أجل بناء أسلحتها النووية وأن تلك الأسلحة كلفت الشعب ما يرقى الى موته فإن كيم قد تكون لديه توقعات لا نأمل تلبيتها. الاستعداد للنجاح وعلى الرغم من ذلك يتعين علينا الاستعداد للنجاح كما للفشل تماماً، وإذا تمكنت الولايات المتحدة والدول الحليفة من توقيع اتفاقية تفضي إلى تخلي كوريا الشمالية عن ترسانتها من الأسلحة النووية بطريقة يمكن التحقق منها تماماً فإن ميزان القوى في آسيا سيتحول بصورة كاملة، وستصبح بيونغ يانغ خطراً يمكن معالجته بقدر أكبر، كما سيتمكن فريق ترامب في نهاية الأمر من التصدي إلى أكبر مشكلة تواجه واشنطن على المسرح الدولي اليوم: صعود الصين التي تسعى الى تحويل النظام العالمي بصورة تامة لمصلحتها. وفي الكثير من الجوانب، لا شيء يمكن أن يخيف الصين أكثر من عجز الولايات المتحدة وإدارة ترامب بشكل خاص على التصدي للتحديات التي تطرحها بكين نتيجة دور بيونغ يانغ ونمو ترسانتها النووية، وقد استغلت الصين بصورة تامة انشغال واشنطن ووضعت نفسها في موقع يمكنها من السيطرة على بحر الصين الجنوبي وزيادة إخضاع تايوان ومحاولة تطوير مركز أقوى في بحر الصين الشرقي أيضاً، وإذا انتهت أزمة كوريا الشمالية في آسيا فسيصبح لدى الولايات المتحدة القدرة على احتواء طموحات بكين. السلاح السري ويتعين علينا ألا نستبعد حقيقة أن العديد من الخبراء الاستراتيجيين في الصين– وحتى حكومة بكين نفسها– يعتبرون كوريا الشمالية سلاحهم السري الذي يستطيعون إطلاقه كما قال لي أحد المسؤولين العسكريين في بكين قبل عدة سنوات إذا حاولت الولايات المتحدة حقاً احتواء أهداف الصين في شرق آسيا. وعلى سبيل المثال سبق أن سمعت في بعض الدوائر الدبلوماسية في واشنطن أن السبب الذي يمنع إدارة ترامب من الضغط بشدة، كما يريد الرئيس الأميركي بالنسبة الى القضايا التجارية، يرجع الى الخوف من إقدام بكين على خطوة انتقامية من خلال تقديم مساعدة كبيرة الى كوريا الشمالية عن طريق عدم تطبيق عقوبات اقتصادية عليها، وهو ما يعطي بكين ميزة تغيير قواعد اللعبة. وتشير تجاربي الشخصية إلى أن هذه قد تكون حقيقة، وقد شدد أحد الخبراء الصينيين من الذين يتمتعون بعلاقات وثيقة جداً مع حكومة بكين على هذه الفكرة، وأخبرني أن «كوريا الشمالية هي سيف ذو حدين»، ومن جهة نحن لا نريد أن تكون كوريا الشمالية نظاماً مارقاً يسبب المشاكل في المنطقة، لكننا نحب في الوقت نفسه أن تشعر الولايات المتحدة والدول الحليفة معها بمزيد من القلق من بيونغ يانغ وبقدر يفوق طموحاتنا. ويمضي هذا الخبير الى القول «نحن نستفيد من هذا الوضع الذي يتجاهله الكثير من الناس في واشنطن، وإذا كنت تشعر بقلق من قوة كوريا الشمالية العسكرية، أو كيفية مساعدة بكين لها، فلن تكترث كثيراً إزاء أهدافنا الأوسع في آسيا، ونحن ننسى أن تخلي بيونغ يانغ عن سلاحها النووي سيقلق القيادة الصينية بشدة». هذا كله سيتوقف على حصيلة لقاء المنطقة المنزوعة السلاح بين الكوريتين، وقمة ترامب – كيم المحتملة في شهر يونيو لأن تخلي كوريا الشمالية عن ترسانتها النووية سيعني أن الصين هي الخاسر الأكبر في هذه اللعبة. ● هاري كازيانيس
مشاركة :