استقطبت أزمات الشرق الأوسط، خاصة الحملة ضد تنظيم داعش الإرهابي، اهتمام خبراء السياسة الدولية الذين كتبوا العديد من المقالات والتحليلات السياسية التي عبروا فيها عن آرائهم ووجهات نظرهم حيال تلك التطورات محاولين الإجابة عن السؤال: «ماذا يحدث هنا؟». في هذا التقرير الذي أعده أنتوني كوردسمان أستاذ كرسي أرليه بورك في الشؤون الإستراتيجية في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية ونشرت مقتطفات منه «خدمة معلومات العلاقات الأمريكية –السعودية»، يتناول الباحث العوامل المؤثرة على الأمن، والاستقرار، والإرهاب في دول كل من السعودية والكويت وقطر والإمارات والبحرين وعمان ومصر والأردن وسوريا ولبنان وتركيا. وهو يرى أن عديد التحليلات الخاصة بعدم الاستقرار السياسي والمشكلات الأمنية والإرهاب في منطقة الشرق الأوسط تركز على المشكلات الحالية الأكثر خطورة أو الأسباب الرئيسية للزيادة الحالية في وتيرة العنف التي تشهدها العديد من دول المنطقة مثل التطرف الديني. وسنتطرق هنا إلى أهم النقاط التي تناولها كوردسمان في تقريره المطول الذي يربو على 60 صفحة، تحديدًا كيفية تشخيص الحالة الأمنية للدول من خلال المؤشرات الأربعة التي تحدث عنها في هذا التقرير الهام. ومن الأهمية بمكان ملاحظة أن التقرير لا يخلو من العيوب، وهناك أيضا أجزاء رئيسة منه - خاصة فيما يتعلق بالاتجاهات والبيانات - تفتقر إلى الدقة وفق اعتراف الباحث نفسه. تفسير الظاهرة في مقارنته بين العوامل المؤثرة على الأمن والاستقرار وتنامي ظاهرة الإرهاب بين تلك الدول الـ11، يقدم كوردسمان رؤية شاملة للمؤثرات التي تؤثر على كل دولة على حدة، فضلا عن تسليط الضوء على الاختلافات من بلد لآخر، مع تأكيده في ذات الوقت على خطورة التعميم، أو تحديد مسببات واحدة للعنف وزعزعة الاستقرار لكل تلك المجموعة من الدول. وهو يرى أن هناك العديد من العوامل التي يمكن من خلالها تفسير سلسلة الأزمات التي تشهدها المنطقة منذ العام 2011، مع ملاحظة أن الإرهاب لا يشكل ظاهرة جديدة، وأن له أسبابه المتعددة، وهو ما يستوجب التأكيد على أهمية المشكلات الرئيسية الأخرى، وهي تلك المشكلات التي تتعلق بالحكم والاقتصاد والتركيبة السكانية. وهو يلاحظ أنه لا توجد مجموعة من المقاييس يمكنها أن تتحدث عن نفسها، كما أن الجهود المبذولة في قياس الاتجاهات الرئيسية التي لا تتضمن معلومات وقياسات تفشل في وضع تلك القضايا والمشكلات في سياقها النسبي الذي يساعد على تفسير وتحليل الظاهرة، وبالتالي وضع الحلول المناسبة لها. البنك الدولي اعتبر الباحث أن مؤشرات البنك الدولي للحكم الرشيد التي تصدر كل عام تعتبر المصدر الأول -من بين المصادر الأربعة- في تقديم الصورة الحقيقية للأمن في أي بلد من بلدان العالم وتضم هذه المؤشرات مكافحة الفساد، والمساءلة، والشفافية، وفاعلية الحكومة، وغياب العنف. وهي توفر بشكل عام مجموعة من التحذيرات عندما تعجز الحكومة عن تلبية احتياجات المواطن وتمهد الأرضية المواتية لاندلاع العنف. وبالمثل فإن مشكلات سيادة القانون التي تتراوح بين ضعف جهاز الشرطة وتأخير المحاكم البت في القضايا والحكم الاستبدادي وغياب العدل تشكل عوامل أخرى في تفشي العنف. التنمية الإنسانية تشكل مؤشرات الأمم المتحدة للتنمية البشرية ومؤشر التنمية البشري المصدر الثاني في إعطاء صورة صحيحة للحالة الأمنية لأي بلد، ومؤشر الأمم المتحدة للتنمية البشرية يظهر تحليل الاتجاهات للفترة (1960-2014 )، وملخص للنتيجة والترتيب العالمي، والبيانات الحالية لمجموعة عريضة من المعايير التي تؤدي إلى تلك النتيجة. ويمكن اعتبار مؤشر التنمية البشري في أقل تقدير، محاولة لدراسة مجموعة من العوامل التي تؤثر على المستوى العام للتنمية البشرية أكثر من التركيز على الأرقام التي قد لا توضح الكثير حول أسباب عدم الاستقرار، مثل النظر إلى نمو الناتج المحلي الإجمالي، وحالة ميزان المدفوعات أو متوسط دخل الفرد الواحد بمعزل عن تقييم المساواة في توزيع الدخل. ولسوء الحظ، فإن التقدم الذي أمكن إحرازه في معالجة أسباب عدم الاستقرار في مصادر أخرى مثل تقرير التنمية الإنسانية العربية قد توقفت منذ اندلاع موجة العنف في المنطقة منذ العام 2011 فيما عرف بثورات الربيع العربي. وأصبحت معظم المعلومات المتاحة الآن إما قديمة أو تعتمد على تقديرات يبدو أنها مبنية على تقديرات سابقة أكثر منها معبرة عن المشكلات الراهنة. المؤشر الأمريكي أو ما يعبر عنه اختصارًا بـ(ستارت): أي القاعدة البيانية لمجمع وزارة الخارجية الأمريكية لدراسة ومواجهة الإرهاب. وهو تقرير يقدم معلومات شاملة لكل دولة. وهو يوفر كل المعلومات والمقارنات الخاصة بالتطرف والإرهاب، إضافة إلى تسليطه الضوء على التهديدات المتزايدة التي تستهدف دول المنطقة. ويوفر التحليل ثمانية رسومًا بيانية مختلفة لكل دولة على حدة تظهر خطوط الاتجاهات التي تقيس مستوى النشاط الإرهابي في الفترة (1970-2013) – العدد الإجمالي للعمليات الإرهابية في كل دولة -الجناة- نوع الهجمة الإرهابية -نوع السلاح- عدد الإصابات والقتلى والجرحى. بيد أن هذه القاعدة البيانية ما تزال في مرحلة التطوير. وإعداد التقارير يتباين في الجودة حسب البلد. كما يعرض المشكلة من خلال بيانات وأرقام حول الإرهاب وليس كحرب أهلية. وطبقًا لذلك، فإن بلدانًا رئيسية كالعراق وسوريا واليمن لديها مستويات عنف أكثر خطورة مما تعكسه تلك البيانات على الرغم من أن المؤشرات الإرهابية تشكل تهديدًا كبيرًا في كل حالة. كما أنه من الأهمية بمكان ملاحظة أن القاعدة البيانية لـ(ستارت) تضم تسلسلا زمنيا مفصلا حول الإرهاب وحوادث العنف. ومراجعة لهذا التسلسل يقدم دليلا آخر إلى الحاجة على دراسة مجموعة كاملة من أسباب وأنماط الإرهاب على أساس وطني أكثر من التعميم أو التركيز على قضية واحدة دون أخرى مثل التطرف الديني أو الفقر. العامل الديمغرافي يستخدم الدكتور كوردستان «المكتب الأمريكي لقاعدة البيانات السكانية الدولية» المصدر الرابع في تصوير الحالة الأمنية، حيث يعتبر الضغط السكاني والنمو الحاصل في المناطق الصحراوية التي تعاني من قلة المياه وندرة الأراضي الصالحة للزراعة وحركة النزوح الجماعي إلى المدن، عوامل مهمة في تحقيق الاستقرار. وهو لا يعتمد على المعلومة التي تنص على تضاؤل عدد سكان الدول التي اختارها في بحثه عام 2050. وهناك شكوك كبيرة في مثل هذه البيانات، ولكن الاتجاهات العامة تبدو أنها صحيحة. وهي تسلط الضوء على الأسباب وراء انتقال أنماط مستقرة من الحياة الريفية إلى الحياة الحضرية، وتغير العلاقات بين مختلف الطوائف والجماعات العرقية والقبائل والفصائل الأخرى تحت العديد من الضغوط. ومرة أخرى لابد من ملاحظة أن هناك اختلافات وطنية من جراء ذلك، وهو ما يتضح جزئيًا في ملخص بيانات السي. آي .إيه حول التكوين العرقي والديني للسكان الوارد في فصل «الاتجاهات الرئيسية» في بداية البيانات الخاصة بكل بلد، الأمر الذي يتضح في بعض ملامحه في دول مجلس التعاون الخليجية من خلال الاعتماد بشكل كبير على العمالة الأجنبية ومشكلة البطالة المقنعة.
مشاركة :