آمن الكاتب الكبير الراحل قدرى حفنى، بأن الحوار مع الجماهير هو أساس الفكر الصحيح، وشغل عدة مناصب أكاديمية بجامعات ومعاهد مصر والعالم العربى، وأسس وتولى رئاسة وحدة الدراسات الاستراتيجية بجامعة عين شمس، وعمل مستشارًا لعدة مؤسسات عربية ودولية متخصصة، كما شارك فى مؤتمر مدريد للسلام فى عام 1991، بجانب مشاركته فى العديد من الفعاليات العربية والدولية. «لاشك أننا فقدنا مفكرًا كبيرًا كان مهمومًا بقضايا الوطن الاجتماعية والوطنية»، هكذا نعى المخرج الكبير محمد فاضل، المفكر الكبير، مُشيرًا إلى أن الراحل خلف مجموعة كبيرة من الكتب والأبحاث، مُتمنيًا أن يعيد تلاميذه نشر كتبه وأبحاثه والتى لم تعاصرها الأجيال الحالية، والتى تشهد تراجعًا فى المناخ الثقافى المصرى واندماجها فى وسائل التواصل الاجتماعى وإهدار أوقاتهم وراء هذه الشاشات دون وجود وعى ثقافى حقيقى. وأوضح فاضل لـ«البوابة» أن المفكر حينما يرحل فأعماله باقية، قائلًا: «يجب أن نعتبر رحيل المفكر الكبير قدرى حنفى فرصة لاستعاده أفكاره»، مناشدًا وسائل الإعلام ألا يقتصر حديثها عن رحيل كبار المفكرين والعلماء على خبر الوفاة والجنازة فقط، وإنما تعتبرها فرصة حقيقية لإعادة نشر أعمالهم وأفكارهم للأجيال الجديدة، وأن يستمر الحديث عنهم لفترات وفترات. وأشار إلى أن هذا أقل ما يمكن أن نقدمه لهؤلاء الكبار، لا سيما أن أفكارهم التى تتعلق بالوطن ومحاربة الأفكار المتطرفة وإسهاماتهم فى شتى المجالات زادت من ثراء مجتمعاتنا، والتحية الحقيقية لهؤلاء المفكرين هى امتداد الحديث عنهم وفرصة لاستعادة ما فعلوه وما قدموه للوطن. ووصفت المؤرخة لطيفة سالم، أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة بنها، تخصص المفكر الكبير الراحل بأنه من التخصصات العميقة التى تمس كل المشاعر الإنسانية، وقالت لـ«البوابة»: إنها تزاملت مع الراحل خلال عملهما فى مكتبة الإسكندرية، وكان «حفنى» أحد أعضاء الهيئة الاستشارية، وكانت له آراء رائعة والجميع كانو ا يتابعونها، وكان همه الأول والأخير العامة والناس، فمن الممكن أن نقول إنه واحد من الناس وللناس. وقالت: «كان المفكر الكبير قدرى حفنى يمتاز بخفة الظل المصرية، وكان محبوبًا من الجميع على المستوى الإنسانى فهو شخص مجامل ورائع، فتجده مبتسمًا دائمًا، فترك لنا علمًا ينتفع به، ومصر ولادة». وأكد الكاتب الدكتور شريف الجيار أن «حفنى» يعد من الأيقونات المصرية فى علم النفس السياسى فى العالم العربى، حيث أسس منذ سبعينيات القرن العشرين توجهًا علميًا فى مجال علم النفس، ينخرط مع التاريخ والإنسان المصرى، الذى لعبت به المقادير، مضيفًا أن هدف هذا العالم الجليل كان حماية للشخصية المصرية والعربية من كل توجه غير علمى يؤدى فى النهاية إلى الإرهاب والأصولية العلمية. وأضاف «الجيار» أن المفكر الكبير قدرى حفنى قدم مشروعًا مبكرًا لحماية الدولة المصرية والمنطقة العربية من الإرهاب والفكر الأصولى، حيث أكد من خلاله على تغيير منظومة التعليم التى تعتمد على التلقين والحفظ، كما دعا إلى تدريس بعض المواد الإنسانية التى تعتمد على التفكير والبدائل مثل الفلسفة والمنطق، على أن تدرس هذه المواد فى كل الكليات لا سيما الكليات العلمية، مثل الطب والهندسة والصيدلة، وحتى بداخل الأزهر الشريف لكى ننقذ الطالب من أحادية الفكر ويتم تشكيل مستقبله على أساس قبول الآخر وتعدد الرؤى والأفكار. وأشار إلى أن هذا المفكر الكبير صاحب مشروع فكرى شامل لمناهضة الإرهاب منذ فترة السبعينيات والثمانينيات، وهو ما تجلى بشكل واضح فى أبحاثه القيمة التى نشرت مع بداية السبعينيات مثل التفسير النفسى للتاريخ وعلم النفس الصناعى والصراع الطبقى، إلى جانب عديد من الترجمات والمقالات المهمة التى تحذر من التعليم المنغلق، الذى يعتمد على التلقين المستمر دون منطق تفكيرى فلسفى يجعل الشخصية المصرية والعربية تقبل الآراء المتعددة. وأوضح أن مشروع هذا الرجل يكمن فى حماية الوطن العربى من خلال منظومة علمية فكرية فلسفية داخل التعليم فى مصر ومنطقة الشرق الأوسط، كما يعد هذا المفكر الكبير واحدًا من الليبراليين الكبار على صعيد فكرى وعلى صعيد الرؤى المستقبلية لأنه يمتلك استقراءً جيدًا للواقع ويرى بعين الفيلسوف والمفكر المستقبل واقعنا المصرى وواقع منطقتنا العربية. وقال: «منذ السبعينيات أكد أن الحل لإنقاذ أى دولة من الأصولية المنغلقة هو ليبرالية التعليم وعلميته، بدلًا من الانغلاق والأحادية». وأوضح «الجيار» أنه لم يسعه الحظ لأن يتقابل مع المفكر الكبير قدرى حفنى، ولكنه كان له أثر كبير فى الأجيال المتعاقبة وخلف وراءه مجموعة من الأساتذة الكبار فى علم النفس ينتشرون فى الأكاديميات العربية والعالمية. وأضاف: «هذا الرجل له فضل وتأثير أكبر فى أقسام علم النفس السياسى فى الأكاديمية العربية، وعمل فى العديد من المناصب داخل مصر وخارجها، ومن ثم كان تأثيره يجسد ملمحًا بارزًا فى أقسام علم النفس». وأكد أن فكره يجسد طريقًا علميًا واضحًا ومبكرًا لوضع الأسباب التى هددت منطقة الشرق الأوسط من قبل الإرهاب البغيض وكأن أفكار هذا الرجل ومؤلفاته تمثل جرس إنذار مبكر لما شاهدناه ونشاهده فى منطقتنا العربية الآن.
مشاركة :