مزَّق الرئيس الأمريكي ترامب اتفاقه ضمن مجموعة 5+1 بشأن النووي الإيراني، ولم يثنه عن قرار الانسحاب الضغوط التي مارسها الشركاء، وبخاصة الدول الأوروبية، كما لم يثن من عزمه وتصميمه على إصدار هذا القرار التاريخي ردود الفعل المتوقعة من بقية الشركاء، التي ترى في قرار الانسحاب الأمريكي إخلالاً بالتزامات الولايات المتحدة الأمريكية ومصداقيتها. * * كان التنديد بالتصالح مع إيران والاتفاق معها على برنامجها النووي الذي قاده بحماس رئيس الولايات المتحدة الأمريكية السابق (أوباما) ضمن أهم ما وعد به الرئيس (ترامب) شعبه في حملته الانتخابية، فقد أكّد آنذاك على أنه لن يسمح لإيران بأن تكون دولة نووية حتى ولو كان ذلك مؤجلاً إلى ما بعد عشر سنوات كما ينص على ذلك الاتفاق المتواطئ مع الإرهاب الإيراني. * * وفيما يرى الرئيس (أوباما) أن الاتفاقية أحد أهم إنجازاته خلال فترتيه بالبيت الأبيض، فقد كان (ترامب) يرى فيها كذبة كبيرة، وتنازلاً من أمريكا عن دورها في حماية الأمن والاستقرار في العالم، وتشجيعاً لإيران كي تواصل عملياتها الإرهابية، ودعمها للمنظمات والمليشيات الإرهابية، والسماح لها بأن تتدخل في الشؤون الداخلية للدول، وخلق كيانات إرهابية معارضة للأنظمة، وتشجيعاً لدول أخرى في أن تقتفي أثر إيران فتعمل على إيجاد برنامج نووي لها، وبالتالي يصعب السيطرة على البرامج النووية التي ستتسابق الدول كلها في أن تكون ضمن النادي النووي. * * قرار الرئيس لم يتأخر كثيراً، فقد أعطى فسحة من الوقت لتتراجع إيران عن تطوير أنظمتها ذات الصلة بمفاعلها النووي، وأن تكف عن استخدام قوتها الصاروخية في إيذاء جيرانها، وأن تتوقف عن تطوير برنامجها النووي عن طريق الحيل والتعتيم على المعلومات الحقيقية ذات الصلة، كما أنه جاء بعد أن فشل الرئيس ترامب في إقناع الدول الأوروبية المشاركة في التوقيع على الاتفاق، بما يمثّله استمرارها بالتزاماتها دون أن تلتزم إيران بذلك من خطورة على سلامة وأمن الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية والعالم أجمع. * * أي أن خيار الرئيس في الأخذ بهذا التوقيت، إنما تم بعد أن أعيته القدرة على إقناع الشركاء، وبعد أن تمردت طهران ورفضت كل مقترح يضعها في حجمها الطبيعي، ما جعل الرئيس الأمريكي يرفض أن يكون تابعاً لدول تملي عليها إيران شروطها، وكأن إيران بمواقفها في موقع القوة والقدرة على مواجهة أي قرار يمس هذا الخطأ التاريخي بالاتفاق معها على برنامجها النووي. * * إيران كانت ضعيفة، وهي الآن أضعف مما كانت عليه، وفي تقديرنا، فإن التباكي من قبل الدول الأوروبية وروسيا والصين الشركاء مع أمريكا على انسحاب الأخيرة من الاتفاق لا قيمة له، فالولايات المتحدة هي القوة والضامن لهذا الاتفاق، وبانسحابها، فكأنها تمزّق إرباً إرباً اتفاقاً معيباً، كان سيساعد على توسع قاعدة الإرهاب، ليشمل حتى الدول التي احتفظت بتواقيعها مع إيران، دون أن تنسحب من هذا البرنامج النووي الخطير.
مشاركة :