من المفارقات التي تستحق التأمل، أن الحركة الصهيونية حاولت أن تخلق تاريخا موثقا لليهود، وللوعد المقدس في فلسطين، بالتنقيب عن الآثار، للبحث عن وثائق وحفريات الوجود اليهودي !! وكشف «ويليام درايميل» في كتابه عن القدس بعنوان «المدينة المسحورة»، تفاصيل موثقة عن الجهد الذي بذلته دولة الاحتلال منذ العام 1948 (تاريخ النكبة العربية الكبرى) إلى سنة 1995 في التنقيب عن آثار تدل على تاريخ يهودي في فلسطين، ولم تستطع إكتشاف ماض يبني عليه حاضر ومستقبل !! وهو ما أجمع عليه علماء آثار يهود بأنه لايوجد أي أثر يهودي في القدس، رغم السنوات التي قضتها سلطات الإحتلال الإسرائيلي في البحث عن آثار يهودية في المدينة، من خلال عمليات الحفر في جنبات المدينة، لإثبات يهوديتها. اختراع التاريخ اليهودي وهي نفس الرؤية التي كشف عنها الكاتب الأمريكي اليهودي «كيث ويتلم» في دراسة بعنوان (إختراع التاريخ اليهودي القديم..وخنق التاريخ الفلسطيني كله) .. ويقول «ويتلم»: إن نتائج الحفريات التي جرت في القدس منذ عام 1964 وحتى اليوم، أكدت الحقائق التاريخية والأثرية التالية : أن الآثار الموجودة فوق سطح الأرض من كنائس، ومساجد، وعقارات، ومدارس، وأديرة، وتكايا، وزوايا، هي عربية، وبيزنطية رومانية من عهد «هدريان» الذي هدم القدس هدما تاما وحرثها، ولم يبق حجرا على حجر، فتساوى الهيكل بالأرض بحيث لم يبق أي أثر من عهد داود أو سليمان أو ملوك بني إسرائيل داخل أسوار القدس . وأن تخطيط القدس في أسوارها وشوارعها وموضع كنائسها وأبنيتها العامة ينطبق على (خارطة مأدبا) إحدى المدن الأردنية الأثرية، التي يرجع تاريخها إلى القرن الخامس الميلادي .. ونتيجة لهذه الدراسات ، قررت منظمة اليونسكو، إزاء الأخطار التي تهدد القدس الغنية بالتراث الحضاري والإنساني، أن تسجل المدينة على قائمة الثروة الحضارية العالمية، وفي محاولة لمنع إسرائيل من إستئناف حفرياتها، ووقف التغييرات التي تحاول إدخالها على التنظيم المدني للمدينة. الحركة الصهيونية تلعب بـ «علم الآثار» وفي محاضرة له بجامعة تل أبيب، في شهر ديسمبر/ كانون الأول 2011 ،أكد عالم الآثاراليهودي «رافاييل جرينبرج» أنه كان من المفترض أن تجد إسرائيل شيئا حال واصلت الحفر لمدة ستة أسابيع، غير أن عمليات الحفر التي تجرى دون توقف في مدينة داود بحّي سلوان بالقدس، لم تعثر على شىء !! وتقول عالمة الآثار اليهودية الشهيرة الدكتورة «شولاميت جيفا » ـ أستاذ الدراسات اليهودية في جامعة تل أبيب ـ إن علم الآثار اليهودي أريد له تعسفا أن يكون أداة للحركة الصهيونية ، تختلق بواسطته صلة بين التاريخ اليهودي القديم والدولة اليهودية المعاصرة . عروبة القدس بنص «التوراة» وفي شهر يوليو/ تموز 1998 ، أعلن فريق من علماء الآثار العاملين في دوائر الآثار الإسرائيلية ، أن القدس كانت مدينة مهمة متطورة، وإستندوا في إعلانهم إلى عمليات التنقيب التي أجروها في القدس الشرقية طوال عامين، وأدت إلى إكتشافهم نظاما معقدا لجر المياه وصفوه بأنه «أحد الأنظمة الأكثر تعقيدا وحماية في الشرق الأوسط» وبأنه يرجع ما قبل عام 1800 ق . م، وكانت المدن العمورية والكنعانية واليبوسية في تلك الآونة قد بلغت شأوا عاليا من الحضارة .. وفي الإصحاحات ( 14 ـ 21 ) من سفر التكوين بالتوراة، ورد أن أبا الأنبياء إبراهيم الخليل عليه السلام وصل إلى مدينة القدس وكان« مليكي صادق» الذي تذكره الكتب العبرية القديمة بهذا الاسم، ملكا لمدينة «شالم » أقدم اسم للقدس، وهو من اليبوسيين وهم فرع من الكنعانيين أجداد العرب. والنص التوراتي يشير إلى الحقائق التالية : أولا : أن صاحب القدس أو «شالم» كان في الأصل من الكنعانيين أجداد العرب وليس من العبرانيين أجداد اليهود .. ثانيا : أن الذي وفد على هذا المكان وأهله من العرب الكنعانيين، هو أبو الأنبياء إبراهيم عليه السلام، ومعنى هذا أن أنبياء اليهود جاءوا من بعده، وهنا تثبت عروبة القدس بنص التوراة نفسه. الجذور التاريخية والجغرافية للقدس العربية ورغم أن أول حجر في أول بيت في المدينة المقدسة، على مرتفع «أوفل» غير معروف، إلا أننا نعلم أن نبي الله «إبراهيم الخليل» مر بالمدينة في حوالي عام 2085 ق.م، وكانت آنئذ مدينة متكاملة ذات قاعدة ملكية وهياكل دينية ومركز مقدس، بدليل ذكرها في كل من سجل الآثار السوري والمصري، فقد ورد ذكرها في الوثائق التي عثر عليها في «عبلا» تل مرديخ في شمال سوريا، وترجع إلى أواسط الألف الثالثة ق.م ، وترد في هذه الوثائق أسماء عدة مدن منها «سالم» التي يرجح بعض العلماء بأنها تشير إلى القدس، كما وجدت نصوص مصرية قديمة يرجع تاريخها إلى الألف الثالثة ق.م، تشير إلى وجود الكنعانيين في القدس، وقد بلغوا درجة عالية من سلم الحضارة.
مشاركة :