د.العيسى يلتقي قيادات دينية وسياسية وفكرية في بوابة الحضارة الغربية «توسكاني الإيطالية»

  • 7/5/2018
  • 00:00
  • 8
  • 0
  • 0
news-picture

عقد معالي الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي الشيخ الدكتور محمد بن عبدالكريم العيسى في إقليم توسكاني الإيطالي الذي يعد تاريخياً مهد الحضارة الغربية وبوابة انفتاحها الثقافي وحاضن رموز إبداعها الثقافي من أمثال ليوناردو دافينشي ومايكل أنجلو وغيرهم من كبار رواد الحضارة الغربية، عقد حزمة لقاءات وزيارات شاملة لمختلف شرائح المجتمع السياسي والديني والفكري بمختلف أطيافه وانتماءاته، بحث خلالها شؤون التبادل الحضاري ومن ذلك الحوار بين أتباع الأديان والثقافات وفق مبادرات وبرامج فاعلة وملموسة الأثر بحيث تنعكس واقعاً على أهدافها بأداء مترسخ ومستدام. كما استعرض د.العيسى موضوعات الجالية المسلمة في الإقليم ومتطلبات اندماجها الوطني الإيجابي، ووقف معاليه أيضاً على بعض ملامح الإرث العريق لإقليم توسكاني الذي يعد المعقل التاريخي للفكر والنتاج الثقافي في أوروبا والبوابة التي دخلت منها القارة الأوروبية إلى عصر النهضة الحديثة. واستهل د.العيسى زيارته بلقاء رئيس مجلس إقليم توسكاني السيد إجينيو جياني في مدينة فلورنسا عاصمة الإقليم، في استقبال رسمي، أعقبه جلسة مباحثات عقدها الجانبان، وتطرقت إلى مبادرات رابطة العالم الإسلامي في تعزيز الحوار بين أتباع الأديان والثقافات، وجهودها الحثيثة كمظلة للشعوب الإسلامية في أنحاء العالم لتحقيق الاندماج الإيجابي للجاليات المسلمة، وتجسيد متطلبات المواطنة الصالحة المنتجة، إضافة إلى بحث فُرَص الشراكة بين الرابطة ومجلس إقليم توسكاني، بما يمثله من ثقل حضاري وثقافي عريق، للدفع قدماً بثقافة الحوار والتعاون بين الدول والشعوب، ونشر ثقافة التفاعل على أساس إنساني مجرد من الأهواء والأحكام المسبقة والمخاوف الوهمية المتبادلة. كما التقى الأمينُ العامُّ للرابطة خلال الزيارة، بعُمدة مدينة سيستو فرينتينو الإيطالية السيد لورنزو فلاتشي، مثمناً معاليه اقتراحه بإيجاد ملتقيات ثقافية مع العالم الإسلامي. وقدم معالي الأمين شكره العميق لعمدة مدينة سيستو فرينتينو وبلديتها التي جسدت مبادرة حضارية وقيمية عليا بتقديمها ابتداء اقتراح إنشاء المسجد الكبير للجالية المسلمة في المدينة ليضاف للرموز الحضارية في الإقليم وإيطاليا عموماً مؤكداً معاليه أن الرابطة تحرص كل الحرص على أن تستقل الجالية الإسلامية بتدبير شؤونها الدينية وفق ما يناسبها ويوائم أحوالها بالتعاون المباشر والمستمر مع حكوماتها الوطنية دون تدخل خارجي من أي جهة أياً كانت وأياً كان نوع التدخل، ولذلك تنأى رابطة العالم الإسلامي عن أي نوع من التدخل وكافة الجالية الإسلامية بإيطاليا تعلم ذلك يقيناً بل ونحاول أن نقنعها بعدم مناسبة تدخلنا ولا غيرنا في شؤونهم، ونعتقد أن هذه الحرية مهمة للغاية، مشيراً إلى أن هذا مبدأ مهم من مبادئ الرؤية المتجددة لرابطة العالم الإسلامي، مؤكداً معاليه أن الخطأ يبدأ من إملاء أساليب معينة قد لا تناسب وضعية كل جالية مكاناً وحالاً من قبل جهات أخرى ومهما يكن من استطلاع تلك الجهات الخارجية فإنها لن تدرك أبعاد ومكامن خصوصية ومصلحة كل جالية وبخاصة مع حكوماتها الإقليمية وبما ينسجم كذلك مع سياسية الحكومة المركزية. كما قدم معالي الدكتور العيسى شكره إلى أبرشية فلورنسا التي وافقت عن طيب خاطر على الطلب المقدم من البلدية وليس من الجالية الإسلامية لإنشاء المسجد الكبير على أرض تبلغ مساحتها أحد عشر ألف متر مربع من ممتلكات الأبرشية الكنسية وزائدة عن احتياجاتها، بما جسد مستوى الوئام الوطني الإيطالي واحترام تنوعه. والتقى معاليه في أعقاب ذلك عمدة مدينة فلورنسا السيد داريو نارديلا، حيث جرى بحث عددٍ من الموضوعات ذات الاهتمام المشترك، وعلى رأسها فرص التعاون المتبادل في نشر ثقافة التواصل الحضاري على كافة مساراته المطروحة في الحوار، وكذلك احتياجات الجالية المسلمة في المدينة، وآفاق تعزيز اندماجهم في النسيج المجتمعي، وتقديمهم أنموذجاً إيجابياً لقيم المواطنة الفاعلة باعتبارهم مواطنين إيطاليين، والتأكيد على أن أي خطأ يعد محسوباً على صاحبه ولا تتحمله الجالية فضلاً عن أن ينسب للإسلام والمسلمين، مؤكداً معاليه أنه لا يوجد دين في أصله متطرف لكن لا يخلو أي دين من وجود متطرفين لافتاً في هذا إلى التصريح الشهير والمنصف لبابا الفاتيكان الهولينس فرانسيس عندما سئل عن حادثة إرهابية قام بها بعض المحسوبين على المسلمين بأنه يوجد كذلك متطرفون حتى في المحسوبين على الكنيسة الكاثوليكية وأن التطرف لا تتحمله الأديان وإن قام به بعض المحسوبين عليها، كما تناول معاليه في حواره الموسع تعزيز الثقة بين أتباع الأديان والثقافات وأن هذا عنصر مهم في السلام والوئام الديني والمجتمعي وأن الرهان الأول لدى المتطرفين والإرهابيين يركز على النيل من هذه الثقة، مشيراً إلى أن التطرف السياسي اليميني لا يقل خطورة في هذا عن التطرف المقابل له؛ لكونه يعمل ضد هذه القيم الإنسانية ومتطلبات تعايشها الضروري الذي يقابله الصدام والصراع والتأجيج وعلى هذا رهان الشر. كما التقى معاليه بأعضاء جمعية «ميتنق» في مدينة فلورنسا الإيطالية، وبحث معهم عدداً من الموضوعات ذات الاهتمام المشترك، وقدموا لمعاليه طلباً بإلقاء محاضرة في لقائهم العالمي المقبل الذي يحضره سنوياً على مدى أسبوع عمله أكثر من سبعين ألفاً من أنحاء العالم. وبحثت لقاءات الدكتور العيسى مع قادة الفكر والسياسة في الإقليم، مبادرة رابطة العالم الإسلامي حول تعزيز برامج الاندماج الوطني الإيجابي للأقليات الدينية والثقافية بمختلف تنوعها وتعددها وبشكل مستمر، وهي التي تبنى خطوطها العريضة مؤخراً المؤتمر الدولي للسلام بين أتباع الأديان المنعقد في مقر جامعة أكسفورد بالمملكة المتحدة. وشهد برنامج زيارة أمين عام رابطة العالم الإسلامي، زيارة السيناقوق التاريخي في فلورنسا، حيث التقى رئيس الأحبار في المدينة الحاخام الأكبر اميدايو سبانيوليتي، ورئيسة الجالية في المدينة دانييلا ميزوري. وتلقى الدكتور العيسى تقديرهما العميق لمبادرة رابطة العالم الإسلامي الإنسانية الرائدة في استنكار الجريمة النازية البشعة المسماة بالهولوكوست، ورسالة التضامن التي تجسد القيم الإنسانية والدينية العليا التي بعثها معاليه لمديرة المتحف التذكاري للهولوكوست بأمريكا، مشدداً فيها على أن «الهولوكوست جريمة نازية هزت البشرية في العمق وأسفرت عن فظائع يعجز أي إنسان منصف ومحب للعدل والسلام أن يتجاهلها أو يستهين بها»، فيما جدد معالي الدكتور العيسى تأكيده على أن الإسلام يحمي جميع الأبرياء وضد تلك الجرائم وكافة الجرائم وخاصة الجرائم العنصرية والعرقية وذات الطابع المحسوب على الأديان، ويحاسب كل من يعتدي على نفس بريئة، ويصنف قاتلها في مرتبة مماثلة لمن قتل الناس جميعاً. كما تطرق اللقاء إلى ضرورة تكثيف جهود أتباع وقادة الديانات في التصدي للعنف المرتكب باسم الدين بأي شكل كان وتحت أي ذريعة ومن أي جهة كانت، والعمل معاً من أجل مكافحة التطرف بكافة أشكاله، ونشر ثقافة الحوار ورفع الوعي بالقيم الدينية الرفيعة الرافضة للعنف والداعية للتسامح والوئام، وتفهم سنة الخالق القدير في الاختلاف والتنوع والتعدد. وفي سياق لقاءات الدكتور العيسى في مدينة فلورنسا الإيطالية، التقى معاليه برئيس أساقفة كنيسة فلورنسا الكاردينال جيوسيب بيتوري، في استقبال رسمي حضره رئيس معهد فلورنسا للحوار الحاخام الدكتور جوزف ليفي، ونائبه الدكتور القس الكاثوليكي آندريا بيلاندي، وعضو المعهد جيورجي آنغار. وشهد اللقاء اجتماعاً تناول فيه الحاضرون أهمية رفع الوعي وتعزيز الحوار وعقد اللقاءات والمنتديات المشتركة بين أتباع الديانات والثقافات وقادة الفكر بمن فيهم ذوو الطرح السياسي والديني للحد من التطرف والتطرف المضاد، وتعزيز التفاهم السلمي والإنساني والتفاعل الإيجابي بين المجتمعات الإنسانية، والتصدي لأسباب العنف والكراهية والصدام الحضاري الذي يتطلب من الجميع اليقظة لمخاطره التي ربما تجاهلتها مزايدات الانتخابات السياسية فأثرت على الجماهير المسالمة بخطبها التهييجية المثيرة للمشاعر، والعمل على دعم ونشر القيم الداعية لتفهم طبيعة الاختلاف والتنوع والاحترام المتبادل والتعايش والتعاون مع الجميع، ونشر ثقافة العفو والتسامح والتقارب الوطني والإنساني عموماً. واستعرض الاجتماع أيضاً، الاتفاقات واللقاءات التي عقدتها رابطة العالم الإسلامي في هذا الشأن مع معهد فلورنسا وكنسية فلورنسا وغيرها، والتي لاقت أصداء إيجابية من مختلف القيادات السياسية والدينية والفكرية في العالم، وتوجت بمبادرات وشراكات وتحالفات تاريخية. كما زار أمين عام رابطة العالم الإسلامي مسجد التقوى في فلورنسا، حيث التقى عدداً من القيادات الإسلامية في المدينة، وناقش أحوال الجالية الإسلامية وأنشطتها الدينية والوطنية. وفي السياق نفسه، استضافت الجامعة الأوروبية للدراسات العليا في فلورنسا التابعة للاتحاد الأوروبي الدكتور العيسى، حيث التقى المدير العام للجامعة السيد فينشنسو غراسي، وبحث معه آفاق التعاون العلمي والأكاديمي والإنتاج الفكري المشترك، وناقش معه عدداً من الموضوعات ذات الاهتمام المتبادل، ثم عقد معاليه حواراً موسعاً مع قياداتها الأكاديمية، وأطلع على إرثها الضخم الذي يحتوي الأرشيف الحصري للاتحاد الأوروبي، وعلى إثر حوار موسع تلقى دعوةً من القائمين عليها بإلقاء محاضرات في الجامعة. وختم الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي لقاءاته بزيارة مكتبة «لاورنتسيانا» في مدينة فلورنسا، حيث كانت في استقباله مديرة المكتبة السيدة آنا ريتا فنتوني، وعرضت لمعاليه عدداً من الوثائق والمؤلفات الإسلامية التاريخية، في حين قدم الدكتور العيسى امتنانه لجهود المكتبة العريقة على مدى تاريخها في حفظ التاريخ الإسلامي والإنساني من الضياع والإهمال، حيث اشتملت المكتبة على مخطوطات نفيسة بلغت أكثر من 11 ألف مخطوطة عالمية، من بينها مائة مخطوط نادر للقرآن الكريم تعود للقرون الإسلامية الأولى.

مشاركة :