القاهرة - التقى وزراء الري والخارجية ورؤساء مخابرات دول مصر والسودان وإثيوبيا، الاثنين بأديس أبابا في جولة جديدة للبحث عن حل لأزمة سد النهضة. وقال وزير الخارجية الإثيوبي ورقينه جبيو في كلمة مقتضبة بالجلسة الافتتاحية، إن بلاده تستضيف اجتماع اللجنة التساعية، بـ”قلب مفتوح” من أجل التوصّل إلى اتفاق يرضي طموحات شعوب البلدان الثلاثة. وأضاف أن اجتماع اللجنة التساعية هو الثاني من نوعه وأنه يأتي تنفيذا لتوجيهات قمة رؤساء مصر وإثيوبيا والسودان في يناير الماضي على هامش القمة الأفريقية بأديس أبابا. ويهدف الاجتماع إلى حسم الخلافات المتعلقة بالتقرير الاستهلالي الذي أعدّه المكتب الاستشاري الفرنسي مؤخرا حول الآثار السلبية لسد النهضة على مصر والسودان من النواحي الاقتصادية والاجتماعية والبيئية. ولا يتوقع خبراء أن تختلف ما ستؤول إليه اجتماعات “التسعة” حول مفاوضات سد النهضة بين البلدان الثلاثة عمّا حدث الشهر الماضي من مباحثات استمرت أكثر من 15 ساعة دون التوصّل لاتفاق. ولم يُفض الاجتماع الفارط إلى أي نتائج تذكر، حيث أعلن وزير خارجية السودان فشل المباحثات وتأجيلها إلى جولة مفاوضات أخرى انعقدت الأربعاء الـ15 من مايو الجاري. ولئن يُعدّ اجتماع الاثنين رفيع المستوى من حيث التمثيل، فإن جل المراقبين اعتبروا قبل عقده أنه لن يتوصل إلى أمر جديد في ظل مزيد تعقّد المسألة والخلاف الحاد بين مصر وإثيوبيا حول التقرير الاسترشادي للسد، خاصة وأن المسؤولين ذاتهم كانوا قد اجتمعوا الشهر الماضي ولم يصلوا لآلية عمل مشتركة. وأنذر إلغاء الاجتماع الفني الذي كان مقررا عقده بحضور وزراء الريّ بالبلدان الثلاثة الأسبوع الماضي تمهيدا لاجتماع الاثنين بمزيد من تضاؤل فرص التوصّل إلى حل يرضي جميع الأطرف. وتعود أزمة سد النهضة لأكثر من سبع سنوات نُظّمت بشأنها العشرات من الاجتماعات على كافة المستويات في محاولات لإنهاء الخلافات، لكن بلا فائدة وبلا نتائج تُذكر. وتخشى القاهرة أن يؤثر السد على حصّتها المائية المتأتية من نهر النيل مما قد يُعرّضها للاصطدام بمخاطر الفقر المائي التي تؤثر على أراضيها الزراعية، وهو ما تنفيه إثيوبيا بشكل قاطع. وتتلخص الأزمة بين الطرفين في رغبة مصر بزيادة مدة ملء خزان السد لأكثر من خمس سنوات وهو ما ترفضه إثيوبيا التي ترغب في الإسراع في عملية الملء من أجل إنتاج الكهرباء. ويرى محللون أن بقاء الوضع على ما هو عليه يصبّ في مصلحة إثيوبيا لأنها ماضية في بناء السد دون عراقيل حتى يصبح الأمر واقعا لا يستطيع المصريون تغييره، معتبرين أن الحكومة الإثيوبية تنتهج سياسة مماطلة هدفها إلهاء السلطات المصرية في اجتماعات غير مجدية بغاية كسب مزيد من الوقت. ويقول خبير المياه نادر نورالدين إن مصر دفعت خلال أكثر من سبعة أعوام إلى التوافق وبناء الثقة مع إثيوبيا، ولكن لم تسفر تلك النوايا عن تحسّن يُذكر في شكل العلاقة وسبل حل النزاع. وأوضح أن كل ما قدّمته أديس أبابا كان استهلاكا للوقت وجحودا مطلقا. وأشار نورالدين إلى أن رئيس الوزراء الإثيوبي الراحل ميليس زيناوي ادّعى -بعد الإعلان عن السد وتوالي سفر المسؤولين المصريين إلى إثيوبيا للتباحث حول هذه الخطوة المنفردة في مورد مشترك- أن السد لن يضرّ بمصر ولن ينقص من حصتها من مياه النهر، وأن الحكومات الإثيوبية المتعاقبة ظلت تروج للفكرة ذاتها دون دليل فني. وأوضح أنه رغم الانتهاء من تقرير اللجنة الدولية، المكوّنة من أفضل علماء وخبراء السدود في العالم بالإضافة إلى عدد من الخبراء مثّلوا الدول الثلاث المعنية، منذ قرابة السنتين لم تحل الأزمة ولم يُنفذ ما أوصى به التقرير. ولا يلوح في الأفق ما يمكن أن تنتهجه القاهرة في حال فشل الاجتماع الحالي، إذ تتفرع الخيارات المطروحة بين تصعيد الأزمة لتشمل أطرافا دولية تضغط على الجانب الإثيوبي للانصياع للرغبة المصرية. ويقترح خبراء أن يكون الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة أطرافا محايدة في الأزمة لتقريب وجهات النظر وإنهاء حالة الخلاف. ويأتي ذلك بعد أن سبق للقاهرة أن اقترحت دخول البنك الدولي كطرف محايد، إلا أن الأمر قوبل بالرفض من قبل السودان وإثيوبيا. ويقول أستاذ العلوم الأفريقية بمعهد الدراسات الأفريقية ماهر سيد شعبان إن الولايات المتحدة قد تكون أحد الحلول السريعة والمؤثرة في لعب دور الوساطة بين مصر وإثيوبيا، خاصة أن لواشنطن مصلحة مشتركة في تهدئة الوضع والحفاظ على السلم العام في تلك المنطقة التجارية والأمنية الهامة في أفريقيا. وأوضح شعبان في تصريح لـ”العرب” أنه سبق لوزير الخارجية الأميركي أن أرسل لجنة خاصة لزيارة مصر وإثيوبيا والسودان للاطلاع على آخر المستجدات في أزمة السد وكيفية التوصّل إلى حلّ يرضي الأطراف الثلاثة في شهر مارس الماضي، وهو ما يجعل فكرة تدخّل الولايات المتحدة أمرا واردا بقوة ويمكن أن يكون حلا شاملا للقضية العالقة لسنوات طويلة”.
مشاركة :