"ولدي" فيلم تونسي يبحث عن مبرر للجهاد

  • 5/18/2018
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

كان (فرنسا) – بعد “نحبك هادي” الحائز على جائزتين في مهرجان برلين السينمائي، وهما أفضل عمل أول والدب الفضي لأفضل ممثل الذي تحصل عليه مجد مستورة، باتت الانتظارات كبيرة من المخرج التونسي محمد بن عطية الذي لم يتأخر كثيرا في إنجاز فيلمه الثاني “ولدي” والذي شارك به في قسم “نصف شهر المخرجين” بمهرجان كان الحادي والسبعين. يتناول فيلم “ولدي” (ابني) التونسي الذي عرض في مهرجان كان في دورته الحادية والسبعين قصة رجل يتقفى أثر ابنه الذي انتقل للقتال في سوريا، والملل الذي قد يكون عاملا أساسيا للإقدام على هذه الخطوة من دون إصدار أي أحكام. وقال المخرج محمد بن عطية “تونس هي أكبر بلد مصدر للجهاديين، وكنت أفضل أن نُعرف بشيء آخر، لكنني لم أشأ أن أعرض أسباب الانتقال إلى سوريا فأنا لا أملك المؤهلات والوسائل لذلك”. ويشارك “ولدي” في فئة “نصف شهر المخرجين” في مهرجان كان، وهو يتمحور حول رياض (محمد ظريف) والد سامي (زكرياء بن عايد) الذي انتقل إلى سوريا قبل يومين عن خضوعه لامتحانات الشهادة الثانوية العامة، حيث تزوج وأنجب طفلا على ما يظهر شريط صامت أرسله إلى والديه، وقد فجر نفسه بعد ذلك في هجوم انتحاري. ويبدأ الفيلم بوتيرة بطيئة عن الزوجين رياض و”نازلي” (منى الماجري) اللذين يعيشان حياة مغلقة محورها ابنهما الوحيد سامي، الذي يستعد لاجتياز امتحان الباكالوريا. حياة بطيئة دون مفاجآت؛ الأم تتنقل باستمرار إلى الشمال الغربي للبلاد التونسية، مدينة مكثر تحديدا أين تعمل مدرسة، والأب يعمل سائق رافعة في ميناء بحري بتونس العاصمة، لا حياة سوى ما يتعلق بسامي؛ مرافقته إلى الطبيب لعلاجه من الصداع النصفي الذي يشكو منه، علاوة على زيارة طبيب نفسي لمساعدة الابن على تجاوز الضغط النفسي قبل اجتياز امتحان الباكالوريا، وأيضا تكفل الأب بنقل سامي إلى المعهد وإلى حفل أصدقائه وانتظاره للعودة إلى المنزل. وفي المقابل تتغير حياة العائلة قليلا بإحالة الأب على التقاعد، ولكنه يملأ حياته بالحديث عن ابنه والاهتمام بكل شؤونه. محمد بن عطية: لو كانت عائلة البطل مقيمة في باريس، فسيكون الوضع على حاله محمد بن عطية: لو كانت عائلة البطل مقيمة في باريس، فسيكون الوضع على حاله ودون مقدّمات ودون أي مؤشرات يقدّمها بناء الشخصيات يغادر سامي البيت تاركا رسالة وجيزة: لقد سافر إلى سوريا، فهل سيتغير الفيلم ويغيّر من نسقه ليصبح بوليسيا في مطاردة الابن والبحث عنه بعد أن قرّر الأب بيع سيارته للسفر إلى تركيا ومنها إلى سوريا؟ لا شيء تغير، فمحمد بن عطية لم ينجز فيلما عن الشباب الذي اختار السفر إلى سوريا للجهاد، بل اختار المخرج أن يصوّر حكاية عادية يحدث مثلها كل يوم، ولكن لا نعيرها اهتماما، لا بطولات خارقة ولا منعرجات في سير الأحداث، أشخاص عاديون تماما. ولا يهدف الفيلم إلى التنديد بأفعال الابن أو لفهم كيفية تحوّله إلى جهادي متشدّد، إذ وحدها رسالة لم يرسلها إليه والده في نهاية المطاف عبر وسائل التواصل الاجتماعي، تسمح بمعرفة رأيه بالجهاديين الذين يعتبرهم “وحوشا”. وفاز محمد بن عطية بجائزة أفضل أول فيلم طويل في مهرجان برلين في العام 2016 عن “نحبك هادي”، وهي قصة حب وتحرّر غداة الثورة التونسية، وهو يطرح في فيلمه الطويل الثاني هذا “الضيق المشترك” الذي يجعل تونسيين وسويسريين وكنديين وفرنسيين ينتقلون للقتال في سوريا. وأكد المخرج أن عائلة سامي لا تشكو الخصاصة أو التهميش، كي يتحوّل ابنها إلى إرهابي، حيث قال “لو كانت العائلة مقيمة في باريس أو أي مكان آخر في العالم، فسيكون الوضع على حاله”. وقال موضحا “ثمة بؤس ليس فقط روحيا بل هو عاطفي بالمعنى العام، ليس هناك تعطش أيديولوجي بل عزم على تغيير نمط الحياة هذا”. واستقبل الفيلم في كان بحفاوة استثنائية، فقد صفق النقاد وصناع السينما ومحبوها طويلا للفيلم بعد نهاية عرضه، ولم تتجاوز التدخلات خلال النقاش مع الجمهور حدود توجيه الشكر للمشرفين على “نصف شهر المخرجين” لاختيارهم للفيلم وتحية صناعه. ومثل “نحبك هادي”، يتحمل الممثلون أعباء الفيلم وأداؤهم يشي بحسن اختيارهم وإدارتهم أيضا، ومع ذلك فقد أكد محمد بن عطية أن الكاستينغ كان سهلا في وجود مساعد مخرج مثل حسن دلدول الذي اقترح عليه محمد الظريف وكان اختياره موفقا جدا، وهذا الممثل الذي قدّم أعمالا إذاعية في إذاعة المنستير، وله مشاركات أخرى في التلفزيون أهمها سلسلة “ابحث معنا”، إضافة إلى ظهوره في فيلم “السد” للمخرج النوري بوزيد، كان أداؤه متقنا وقد حظي بتصفيق حار من الحاضرين بعد نهاية عرض الفيلم. أما منى الماجري فهي والدة الممثل مجد مستورة (بطل فيلم نحبك هادي) التي لم يسبق لها التمثيل، ولكنها تجاوزت اختبارها الأول بنجاح، فمنحها محمد بن عطية فرصة ثانية في “ولدي”، فأجادت تشخيص دور الأم الملتاعة دون الكثير من الثرثرة.

مشاركة :