«تنوع الأديان والتعايش السلمي في البحرين» في إطار الجولات التي يقوم بها «مركز الملك حمد العالمي للحوار بين الأديان»، بهدف التعريف بأنشطة المركز وأهدافه ودوره في تعزيز التعايش السلمي والتسامح المجتمعي، ومجابهة الأفكار المتطرفة، ليس فقط على مستوى المملكة، ولكن على مستوى العالم؛ رعت سفارة مملكة البحرين في العاصمة البريطانية لندن يوم 8 مايو 2018. حلقة نقاشية بعنوان «تنوع الأديان والتعايش السلمي»، ترأسها سفير البحرين لدى المملكة المتحدة، الشيخ فواز بن محمد آل خليفة، بمشاركة أعضاء من «مركز الملك حمد العالمي للحوار بين الأديان»، وبحضور العديد من الأكاديميين، والسياسيين والدبلوماسيين، والإعلاميين، وأعضاء من جمعية الصداقة البحرينية – البريطانية، وعدد من أعضاء البرلمان البريطاني، فضلا عن مجموعة من الزعماء الدينيين البريطانيين والبحرينيين، وكبير الباحثين في مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية. وكان الملك حمد بن عيسى، قد أطلق مبادرة لتدشين «المركز العالمي للحوار بين الأديان» بهدف الحفاظ على الثقافة التقليدية للبحرين وتعزيزها، والمتمثلة في تقدير التنوع الديني والتعايش مع الآخر، وهو ما انعكس من خلال وفد المركز، الذي تألف من ممثلين لجميع الأديان. افتتح الحلقة النقاشية الشيخ فواز بن محمد آل خليفة بالقول، إن المركز يعكس فكر وفلسفة ورؤى عاهل البلاد في تعريفه لقيم التسامح والتعايش والسلام بين مختلف فئات المجتمع، ويعد مصدر إلهام لبقية الأمم والشعوب عبر إيصال نموذج البحرين إلى العالم في تجسيد مبادئ الصداقة والاحترام والتقارب الإنساني. مشيرًا إلى أن أهمية المركز ترتكز إلى أنه «يترجم الواقع المميز في مملكة البحرين المتمثل في التمازج والتعايش السلمي المتسامح بين مختلف الطوائف والأعراق والثقافات»، والذي يعتبر مثالا يستوجب إيصاله إلى العالم كقدوة تحفز قابلية العيش في مجتمع إنساني واحد في ظل الاختلافات التي نعدها ميزة للحياة البشرية، وهو النموذج المستوحى من تاريخ البحرين منذ تأسيس الآباء والأجداد، حيث تعززت هذه القيم أثناء صعود البحرين كمركز تجاري إقليمي في القرن التاسع عشر؛ نظرًا إلى موقعها الاستراتيجي المهم في منطقة الخليج العربي، حين بدأ التجار والمستثمرون الاستقرار في المملكة من كل أنحاء العالم، والذين كان من بينهم مسيحيون من الغرب ومن الشرق، ويهود من العراق وإيران، والهندوس والسيخ من الهند وجنوب شرق آسيا. وقد انعكس هذا الطابع، في البحرين من خلال تنوع دور العبادة المتاحة في أنحاء البلاد، فعلى مدار 200 عام،، كان في المملكة متنفسا لكل طائفة لكي تمارس عقيدتها، حيث تم تأسيس عدد من المعابد، ودور عبادة للسيخ والهندوس، فضلا عن تلبية احتياجات الطوائف داخل الديانة الواحدة، مثل الكنائس التي بنيت لمعتنقي الديانة المسيحية؛ (الإنجيلية، الأرثوذكسية، الكاثوليكية)، كما خُصصت كنيسة كورية للطائفة الكورية الصغيرة في المملكة. علاوة على ذلك، أشار سفير البحرين، إلى وجود شخصيات من مُختلف الأديان في مختلف الدوائر الحكومية وممثلون عنهم في مجلس الشورى، وفي سفارات المملكة في عدد من الدول الأجنبية، مضيفا أن ما يعكس هذا التعايش السلمي هو الإطار التشريعي الذي أقره جلالة الملك؛ من أجل حماية مبادئ التعايش السلمي. وفي هذا السياق، قالت النائبة البحرينية المسيحية في مجلس الشورى، «هالة رمزي قريصة»، إنها كامرأة مسيحية تعتبر نفسها «نتاج دولة تتخذ من التسامح والتعايش الديني منهاجًا معياريًا في الحياة اليومية»، مشيرة إلى حزنها لرؤية نساء في بعض دول العالم، ومنها دول الشرق الأوسط يعانين من غياب الفرص، في الوقت الذي قطعت فيه البحرين شوطًا طويلا في هذه الفترة القصيرة بشأن حقوق المرأة، حيث يبلغ تمثيلها في مجلس الشورى حاليًا 22.5%، و8% في مجلس النواب، وفي مجال الاقتصاد تمثل النساء 51 % من موظفي القطاع العام، مؤكدة أن هذا هو السبب في تنظيم حدث مثل هذا، لما له من أهمية في نشر مبادئ التقدم والمساواة خارج حدود البحرين لتحسين حياة الآخرين. وتناولت «قريصة»، الخطط التي تم تطويرها لتأسيس الكاتدرائية الكاثوليكية الوحيدة في شبه الجزيرة العربية، المعروفة باسم «كاتدرائية سيدة شبه الجزيرة العربية»، وهو ما اعتبرته تطورا إضافيا إزاء ترسيخ التعايش السلمي داخل المملكة. وتحدث إبراهيم داود نونو، عضو مجلس الشورى السابق، من الجالية اليهودية في البحرين، عن الطبيعة التعددية للمجتمع البحريني، متناولا أصول الجالية اليهودية، بدءًا من عام 1880 وما بعده، وكيف أنه مع التطور السريع في البلاد كموقع تجاري إقليمي، بدأ اليهود يشكلون مجتمعا صغيرا، لكنه مزدهر في المملكة، مضيفا أن الجالية اليهودية أضحت جزءا لا يتجزأ من الأمة؛ بفضل حرية العبادة والتعبير التي تحظى بها كل الطوائف الأخرى. هذا التوجه كان واضحا، فيما قالته السيدة «بيتسي ماثيسون»، وهي مسيحية مولودة في اسكتلندا، وتعيش معظم حياتها في المملكة، وهي رئيس للأمانة العامة لاتحاد الجاليات الأجنبية في البحرين (بي اف اي ايه)، حيث أشارت إلى إعجابها منذ صغرها بأسلوب الحياة السلمي في المملكة وتفرده، مؤكدة أن البحرين دولة يُمكن أن يشعر المرء فيها بالراحة والقبول في كونه أقلية سواء في معتنقه أو ممارسة طقوسه، وخاصة أن التعايش السلمي المترسخ داخل المملكة، والذي يُعد استمرارًا لتاريخ التسامح الطويل في البلاد؛ مضمون ومحمي بموجب دستور عام 2002. والذي تنص المادة «18» منه على أن «الناس سواسية في الكرامة الإنسانية ويتساوى المواطنون لدى القانون في الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة»، في حين أن المادتين «22» و«23» تؤكدان «أن حرية القيام بالشعائر وكذلك حرية الرأي مكفولة ولكل إنسان حق التعبير». وأشارت «ماثيسون»، بشكل خاص إلى إعلان مملكة البحرين في يوليو 2017، والذي يقدم وثيقة للملك والتزام الحكومة بالمحافظة على التنوع والتعايش الديني داخل المملكة، وقد تم توقيعها من قبل القادة في جميع أنحاء العالم في محاولة لإضفاء الطابع الدولي على النهج البحريني للحفاظ على التناغم في التنوع الديني. وكما قالت، فإن الوثيقة تقر بأن «الإيمان ينير طريقنا نحو السلام»، وهو ما يسلط الضوء على النهج الأساسي للبحرين وتحديدًا فلسفة جلالة الملك بشأن التسامح الديني. وأشارت إلى أن سياسة حكام البحرين قامت على تشجيع المودة فيما بين البحرينيين وبين الطوائف الأخرى، فضلاً عن تعزيز الحوار والتفاهم بين هذه الطوائف ذاتها، كما تم تعزيز حرية المُعتقد والتعبير ومُمارسة الطقوس كحق أساسي للأفراد من مختلف الأديان. وتحدثت «ماثيسون» عن جهود المركز والمملكة ككل لنقل هذه الرسالة القوية إلى الخارج، وتسجيل إنجازاته في السنوات الأخيرة، حيث يعتبر محور العمل الخارجي والدولي من أهم محاور نشاط المركز لتحقيق رسالته العالمية، في احترام التنوع العرقي والثقافي والفكري، وتحقيق السلم المجتمعي، الذي هو جزء من السلم العالمي، مشيدة بعمل مركز جلالة الملك للحوار بين الأديان والتعايش السلمي في المساعدة في تنفيذ هذه المهام. ورعاية كرسي (الملك حمد للتعايش السلمي) في جامعة «سابينزا» الإيطالية الذي تم تدشينه في نوفمبر 2016، ويعد مشروعا أكاديميا للطلاب لدراسة الفلسفة السياسية للملك حمد فيما يتعلق بالقضايا الدينية، وسعيه إلى نشر الفهم بأن «التسامح الديني أمر أساسي لإرساء السلام السياسي والاجتماعي». أعقب كلمات الحضور الرد على عدد من الأسئلة، وكان الاستفسار الأول يتعلق بدور العلماء في المساعدة على نشر وترسيخ التسامح الديني والقبول. وقد أجاب الممثلون الدينيون المشاركون بأنهم يلعبون دورا كبيرا في القيام بذلك عبر كل الأديان، وفي تجنب التعاليم التي تشجع الطائفية والعنف وبدلاً من ذلك تشجيع رسائل السلام والتعايش. وبدلاً من التركيز على البحرين، أشاروا أيضًا إلى كيفية إدارة عاهل البحرين لعملية نشر هذه الرسالة في أنحاء العالم، من خلال رعايته للإعلان الرسمي للتوقيع على (إعلان مملكة البحرين) للتسامح الديني، والتي تعد وثيقة عالمية تلتزم بتعزيز الحرية الدينية للجميع بروح من الاحترام والمحبة المتبادلة المؤدية إلى التعايش السلمي والقضاء على التطرف، بالإضافة إلى التبرع بقطعة أرض لتدشين مركز (الملك حمد العالمي للحوار بين الأديان والتعايش السلمي) في مدينة «لوس أنجلوس» الأمريكية، والذي يضم متحفا لعرض نماذج تاريخية وحديثة عن الحرية الدينية في البحرين ومظاهر التعايش السلمي بها. وبعد سؤال لأحد الحضور حول الجالية المسيحية القبطية في البحرين، طلبت السيدة «ماثيسون» الرد من قس قبطي كان موجودا ضمن الحضور كجزء من وفد مركز الملك حمد، حتى يتم التعرف على واحدة من المجتمعات الدينية الصغيرة في البحرين، والذي أشار إلى أنه منذ أكثر من 40 عامًا، ازدهر المجتمع القبطي في البحرين، حيث يتوزع أعضاؤه عبر جميع التقسيمات المجتمعية من حيث التوظيف والأدوار الأخرى. ووصف فخره بأنه هو ومُجتمعه يتمتعون بالسلامة والأمن وحرية الممارسة في البحرين وأنه يقيم في بلد بمثل هذا النهج من المتناغم للتنوع العرقي والديني. واختُتمت المناقشات بفيلم قصير يحتفي بإنجازات المملكة في تعزيز الهوية الوطنية التي تتميز بالتسامح والتعايش وخطواتها نحو تأمين ذلك في المستقبل. إجمالا، استطاعت المناقشات التي تم تنظيمها، بهدف عرض نهج البحرين الراسخ والفريد من نوعه حول قضية التنوع الثقافي والتعايش الديني؛ تأكيد دور المملكة في تعزيز آليات وأدوات التواصل بين الشعوب، وإرساء دعائم التعايش السلمي بين البشر، والتحاور بين أصحاب الثقافات والأديان المختلفة، كمبدأ أساسي من مبادئ سياسة المملكة الخارجية، ومقوما أساسيا لعلاقاتها بالمجتمع الدولي، ولا سيما في ظل حضور ممثلين عن جميع الجاليات الدينية المختلفة في البحرين، والذين قدموا عرضا أمام الجمهور الدولي، يعطي مظهرًا للمبادئ السمحة التي حكمت نهج المملكة حيال الدين طوال تاريخها، ويؤكد الموقع الفريد للبحرين كمعقل للتسامح وقبول الآخر في منطقة يغلب عليها التقلب والتوتر. ولاشك أن هذا الأمر يتم استشعار روحه من خلال الإنجازات التي طرأت على عمليات التنمية والتوافق الاجتماعي والديني التي تم تنفيذها تحت رعاية جلالة الملك .
مشاركة :