الوطني والطائفي في الانتخابات اللبنانية

  • 5/21/2018
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

تشهد الساحات العربية والمجتمعات العربية وأنظمتها ظاهرتين متنافرتين وغريبيتين من حيث طبيعتها، لكنها في الوقت ذاته تعكس الواقع العربي بكل تناقضاته وتعقيداته، ففي الوقت الذي نجد فيه اندفاع الشارع العراقي نحو صناديق الاقتراع بتاريخ 12 مايو، حيث يلعب البعد الوطني والطائفي في تلك الانتخابات والمحاصصات الطائفية المعلنة وغير المعلنة دورًا ملحوظًا التي تلاقي في هذه الانتخابات نوعًا من الاستنكار النسبي نتيجة ممارسات سيئة وعملية نهب وفساد واسع للحكومات العراقية السابقة. ومع ذلك، هناك بالمقابل لروحية الإحباط الأكثر انتشارًا وسط الفئات المهمشة وحثالة المجتمع والبسطاء وبعض النخب نجد اندفاعا عكسيا لقطاع كبير من الشعب لاختيار مجلس نيابي أفضل من السابق، انطلاقًا من تلمس الشعب العراقي لمحنته النابعة من سياسات حكومات مرتهنة إما لايران او غاطسة في مستنقعات الفساد المستشرية في النخب السياسية والكتل والمليشيات المتعددة الأوجه. نجد تلك الروح بدرجة مختلفة ومتباينة بملامحها اللبنانية قد غطت الشارع اللبناني وسط تهديدات وعنتريات عديدة بين جمهور المتنافسين من النواب وكتلهم الاساسية، وبحماس طائش ومحموم بالعصبيات الحزبية والطائفية، فقد كان لبنان حاضرًا في تلك المنافسات النيابية لكن للاسف بحلة تكتلات طائفية عميقة الجذور وبفخر غريب المظاهر بين الناخبين في الاحياء والمناطق «المتلونة» والمتميزة بسماتها الطائفية والجهوية، ما يدفع ويزج لبنان وشعبها مرة أخرى نحو غور الطائفية البغيضة لمجرد انتصارات عابرة قابلة للتبدل والتغيير كل اربع سنوات، لكن الجماهير المتحمسة لحزبها وطائفتها خرجت منتشية بتلك النتائج الانتخابية لنسمعها تهتف في الشوارع «هي هي هية زحلة صارت شيعية!» وكأنما يسود لبنان انتصارًا عظيمًا لطائفة ضد طائفة او حزب ضد حزب وكتلة ضد كتلة، بينما تلك القراءة النسبية الضيقة لم تكن إلا قراءة ساذجة لحقيقة الارقام التي سنتوقف امامها بين التغير المطلق والنسبي لدى كل فريق لبناني يعكس في حقيقته موزاييك التركيبة الانتخابية الغريبة في لبنان «الجديد» في القرن الواحد والعشرين، لما فيه من تحالفات عجيبة قابلة للانتكاسات السياسية في اي لحظة ممكنة. نستطيع أن نقول إن نصف الشعب اللبناني ممن يحق لهم التصويت ذهبوا إلى الإدلاء بأصواتهم، فكانت نسبة المشاركة تناهز الخمسين بالمائة 49.2% لاختيار 128 نائبًا هي مقاعد المجلس النيابي اللبناني، فكان بالمعيار المطلق طائفيًا هو حالة المناصفة 64 من المسلمين و64 من النواب المسيحيين، لكن تلك العملية لا تبدو منسجمة سياسيًا داخل البرلمان مثلما هي منسجمة دينيًا، فكتلة المسلمين منقسمة بين سنة وشيعة، وكذلك المسيحيون. ولا ينبغي أن يفرح دعاة الطائفية في لبنان من حالة الفوز بمقاعد هنا او هناك في دائرة ما، فالواقع يقول عكس ذلك، فالحريري وحده يمثل تيار المستقبل حصل على 21 مقعدًا، بينما حزب الله حصل على 13 مقعدًا، كما ان جعجع (حزب القوات اللبنانية المسيحي) حصل 14 مقعدًا اكثر من حزب الله بمقعد، كما ان تيار الوطني الحر (تيار عون المسيحي) حصل على 29 مقعدًا يقارب ضعف مقاعد حزب الله الذي تلعلع رشاشاته في الشوارع، ما حسن وضع الكتلة الشيعية في البرلمان هي مقاعد حركة أمل التي حصلت على 16 مقعدًا، ما يؤكد على تفضيل الشارع الشيعي اللبناني حركة أمل على حزب الله، إذ هناك نفور عام من أداء وتورط حزب الله خارج لبنان. ويراهن نيابيًا حزب الله وأمل داخل قبة البرلمان على مقاعد عون، مثلما يراهن الحريري على مقاعد جعجع (14 مقعدًا) و9 مقاعد للدروز الذين باتوا يميلون في أغلب الاوقات نحو كتلة الحريري - جعجع. تلك الاصطفافات المتقلبة والمتذبذبة حول مشاريع واستحقاقات عديدة في الساحة اللبنانية تخلق تحالفات مرنة ورخوة في أغلب الاوقات، غير ان تيار المستقبل وحزب القوات عيونهم على احزاب «الفراطة» الذين لديهم 3 وأربعة مقاعد تشكل قيمة نيابية من الناحية السياسية، دون ان يقطع عملية التواصل مع تيار عون لتقاسم السلطات الثلاث الرئيسة في الاعراف اللبنانية، كرئاسة الجمهورية للمسيحيين التي ينتظرها ان تكون من نصيب عون، ورئيس الوزراء وهي من نصيب الحريري (السنة)، فيما رئيس مجلس النواب من نصيب الشيعة ولن تبتعد عن كتلة أمل وبري. تبقى الكتلة الشيعية وتحالفها مع عون تسعى إلى انتزاع إحدى الحقائب الوزارية السيادية الأربع في لبنان. انتهت معركة التصويت خارج البرلمان وستبدأ حركة ومعركة الكواليس بين الكتل من اجل اقتسام الذبيحة داخل المجلس النيابي الخرافي في بلاد الارز الممزق. الورطة الكبرى ستكون مسألة مهمة هو موقف حزب الله من تدخلاته في الخارج، إذ يشكل حرجًا سياسيًا للدولة اللبنانية وعلاقاتها بالعالم الخارجي والعربي، فلا يمكن ان يتحرك حزب الله بمفرده «كوزارة خارجية !!» وعلى هواه وهوى الرشاشات والقوة وقفازات ايران الشوكية في المنطقة. لبنان ينتظره مصير مجهول، فالمنطقة كلها تفوح برائحة أدخنة الحرب القادمة في الشرق الأوسط.

مشاركة :