كثيرا ما نردد مقولات تدين حركة النقل التي تأسست في التراث الإسلامي، وهناك من يذهب الى ان الحضارة الاسلامية ما هي الا حضارة نقل رافضا ان يعترف باسهامات هذه الحضارة في تطور العلوم، وكذلك رافضا لأهمية النقل التي قام بها العرب فلولاها ما عرفنا أبحاث أرسطو وجالينوس وبطليموس وغيرهم، وقد اثبت العرب أنهم لم يكتفوا باقتباس تراث فارس القديم وتراث اليونان العلمي وهضمه، بل حولوا هذين التراثين الى حاجاتهم وطرق تفكيرهم الخاصة، واضافوا اليهما ما استطاعوا ان يستنبطوه، وقد ظهرت مآثرهم في الطب والفلسفة والكيمياء وغيرها من العلوم، ونقدم اليوم لواحد من هؤلاء العلماء العرب الذين اهتموا بفرع شتى من فروع العلم النظري والتطبيقي وهو خالد بن يزيد بن معاوية المتوفي سنة 90 هجرية، وكان من أوائل من اشتغلوا بالكيمياء والطب والنجوم، فأتقنها وألف فيها رسائل، قال عنه البيروني: كان خالد أول فلاسفة الاسلام. وفي سبائك الذهب ومعجم قبائل العرب أن الحمداني ذكر أقواما في ناحية تندة وما حولها من بلاد الأشمونيين من الديار المصرية يسمون بني خالد نسبة إلى خالد بن يزيد. كان محبا للكيمياء فأمر باحضار جماعة من فلاسفة اليونانيين ممن كان ينزل مصر، وأمرهم بنقل الكتب من اللسان اليوناني والقبطي إلى العربي، وكان هذا أول نقل في الاسلام من لغة للغة، وقال عنه الجاحظ: خالد بن يزيد خطيب وشاعر وفصيح وجامع، جيد الرأي كثير الأدب، وهو أول من ترجم كتب النجوم والطب والكيمياء. وعن كتب خالد بن يزيد قال ابن خلكان: "وله فيها ثلاث رسائل تضمنت إحداهن ما جرى له مع مريانس المذكور، وصورة تعلمه منه الرموز التي أشار اليها"، ثم هناك الكتب التي أشار اليها كارل بروكلمان وهي (ديوان النجوم، رسالة الكيمياء، فردوس الحكمة، رسائل لماريانس الراهب، رسالة ماريانس، اختيارات خالد وهو ديوان في الكيمياء مع مقدمة نثرية)، وتتحدث المصادر عن اهتمام خالد بن يزيد بالطب، فتروى لنا الكتب المتاخرة أنه درس الطب على يد يحيى النحوي الملقب بالبطريق، والذي عاش بالديلم بفارس على عهد علي بن أبي طالب رضي الله عنه. وذكر بعض المؤرخين ان خالد بن يزيد طلب مترجميه ان يترجموا كتب جالينوس في الطب ووضع بذلك أساس التعاليم الطبية، وسواء عرف خالد الطب على يد يحيى النحوي أو غيره، فانه لا شك ان خالد اهتم بالطب من جملة العلوم التي اهتم بها، ولقد اضاف اهتمامه بالعلوم وتأسيسه للترجمة ونقل العلوم اليونانية وغيرها الى العربية رصيدا كبيرا للمعرفة في عصرة حيث يعد ما فعله خالد هو حجر الأساس لبناء المعرفة العلمية للعرب والمسلمين، ومن أتى بعده قد توسع في البناء.