صفحات من تاريخ العلوم في الحضارة العربية.. سيبويه وتأسيس النحو

  • 5/24/2018
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

تعني اللغة قنوات التواصل، ومن أبجديات العلم التدوين، ولأن ثقافة العرب كانت شفهية فلم نجد اهتماما لهم بالعلوم قبل الإسلام وتوسع الدولة الإسلامية. ومع بداية عصر التدوين كان لا بد للعرب من ضبط لغتهم بداية من الخليل بن أحمد وضبطه بحور الشعر العربي ثم أبو الأسود الدؤلي وتنقيط القرآن، وغيرهم ممن أسهموا في ضبط اللغة ووضع نظام لها "النحو" والذي تميز فيه "سيبويه"، وهو عمرو بن عثمان بن قنبر، كنيته أبو بشر، وعرف بـ"سيبويه". وُلد في البيضاء قرب شيراز – فارس – ثم انتقل الى البصرة ليدرس فيها، فاتصل بالمحدث المشهور، حماد بن سلمة، وبمشايخ اللغة والنحو أمثال: عيسى بن عمر، والأخفش الأكبر، وأبو زيد الأنصاري، وكان أكثر ما أخذه من الخليل بن احمد اذ لازمه ملازمة الظل، فكان أنبه تلاميذه وأكثرهم رواية عنه. نبغ سيبويه في علم النحو، فأخذ عنه جماعة، أشهرهم الأخفش الأوسط سعيد بن مسعدة وقطرب، ووضع سيبويه "الكتاب" فأكب عليه الدارسون في عصره وبعده، ينهلون منه ويفخرون به، وقال بن خلكان: "كان أعلم المتقدمين والمتأخرين بالنحو ولم يوضع مثل كتابه"، وقال الزجاج: "اذا تأملت الأمثلة من كتاب سيبويه تبينت انه اعلم الناس باللغة" ويعتبر الباعث الأول على تدوين اللغة وجمعها واستنباط قواعد النحو وتصنيفها، ابو الأسود الدؤلي الذي بدأ بتنقيط القرآن وكان أول من خطى خطوة حقيقية في النحو، وتبعه علماء آخرون، اما تعليل الظواهر اللغوية ودراستها، والتأليف في النحو، فكان خطوة متأخرة، ادت الى العناية بالتراث جمعا وتنقية ونقدا، اذا كانت الخطوات الأولى في علم النحو خدمة مقصورة على العناية بلغة القرآن ثم تفرعت. وكانت البصرة منشأ النحو، فكونها محطة تجارية، عرضها للاختلاط ووسع الجدل فيها، فعرفت الخليل بن أحمد وتلميذه سيبويه الذي كون مدرسة البصرة، أما علماء الكوفة وبغداد فقد تتلمذوا على ايدي علماء البصرة، ثم أسسوا لهم نهجا، وهذا ما حدث للمدرسة البغدادية في النحو والمدرسة الأندلسية. إن اختلاف المدرستين البصرية والكوفية ضمته كتب عديدة، سجلت للبصريين تشديدهم في القياس، واستبعادهم الاستشهاد بالقراءات، الا اذا كان هناك شعر أو كلام عربي يؤكدها، علما بان الاستشهاد بالقرآن وحده كان يمكن ان يكفي في مسائل نحوية عديدة، وكان على البصريين ترك أقيستهم معها، لأن اللغة عموما، لا يتحكم بها منطق قاس كاف لاستخلاص كل النتائج. ولسيبويه في "الكتاب" طابعه الخاص وشخصيته التي يحس بها قارئه، فقد عرض للأراء وناقشها، وحكم عليها، فكثيرا ما تجد في كتابه: قال فلان كذا والقياس كذا، قال النحاة كذا والصواب خلافه.. وقد نقل شواهد أفصح العرب، وأحصى في كتابه الف وخمسون شاهدا معروفا وخمسون فقط غير معروفين، لكن جرى العلماء على الثقة بهم، لأنه عرف عن سيبويه تحريه الدقة، فلم ينقل إلا ممن يحتج بلغته.

مشاركة :