قال الدكتور علي جمعة، مفتي الجمهورية السابق، إن من أعظم نفحات الله وكرمه على الحضارة الإسلامية أن منحها شهرًا يحمل عبق الجنة وريحها، شهرًا فيه ليلة خير من ألف شهر، شهرًا اختصه سبحانه بفضائل وبركات لا توجد في غيره من الشهور، ليكون محلا للسبق ونيل أعلى الدرجات، وتدارك الفائت من الأعمال والأوقات، قال تعالى: "شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ".واستدل جمعة، في بيان له على صفحته الرسمية، بحديث رسول الله (صلى الله عليه وسلم): «إن لربكم في أيام دهركم نفحات، فتعرضوا لها لعل أحدكم أن يصيبه منها نفحة لا يشقى بعدها أبدًا» «أخرجه الطبراني».وأضاف: "من الفضائل التي اختص الله -عز وجل- بها شهر رمضان: إنزال القرآن الكريم فيه، وهو المعجزة الخالدة الدالة على نبوته (صلى الله عليه وسلم) على مر الزمان، الجامعة للقوانين المنظمة للكون، الصالحة للتطبيق في كل زمان ومكان، فكان حريًا بأن يشرف به الزمان الذي ميزه الله وخصه بإنزاله فيه".وتابع: "كما اختار الله تعالى هذا الشهر لإنزال القرآن فيه اختاره أيضًا لإنزال غيره من الكتب المقدسة السابقة عليه، فقد قال النبي (صلى الله عليه وسلم): «أُنزلت صحف إبراهيم عليه السلام في أول ليلة من رمضان، وأُنزلت التوراة لست مضين من رمضان، والإنجيل لثلاث عشرة خلت من رمضان، وأُنزل الفرقان لأربع وعشرين خلت من رمضان» (رواه أحمد)، قال الحافظ ابن حجر: «يحتمل أن تكون ليلة القدر في تلك السنة كانت تلك الليلة فأنزل فيها جملة إلى سماء الدنيا، ثم أنزل في اليوم الرابع والعشرين إلى الأرض أول سورة العلق» (فتح الباري).واستطرد: "فضل شهر رمضان بين سائر الشهور كفضل سيدنا يوسف، عليه السلام، بين إخوته، فكما كان يوسف أحب الأولاد إلى يعقوب، عليه السلام، كذلك رمضان أحب الشهور إلى علام الغيوب، وإن كان في يوسف من الحلم والعفو ما غمر به جفاء إخوته فقال: "لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ الله لَكُمْ"، فكذلك شهر رمضان فيه من الرأفة والبركات والنعم والخيرات والعتق من النيران والغفران ما يربو على بقية شهور العام".وقال: "ونظرًا لما اختص الله -تعالى- به هذا الشهر الجليل من الكرامات والبركات والنفحات وتنزل الرحمات وكثرة التجليات، فقد حث فيه على فعل كثير من المستحبات، التي يتأكد فعلها في رمضان، ويعظم أجرها فيه أكثر مما لو أديت في غيره، وأول هذه المستحبات: المداومة على ملازمة القرآن وكثرة تلاوته خاصة في الليل، قال تعالى: (إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا) وناشئة الليل هي تلك النفوس التي يربيها الليل وينشئها على قرآنه، وهي تلك الواردات الروحية والخواطر النورانية، التي تنكشف في ظلمة الليل، فتلك النفوس الصادقة التي تربت على أنوار القرآن الليلية هي أعظم ثباتا وتأثيرا، وأكثر إدراكًا في وعيها، وأكبر نجاحا في سعيها، وأشد اتساقًا وانسجامًا مع صاحبها، وهذا الانسجام يحصل بين القلب واللسان والجوارح عند قراءة القرآن، كما يحصل أيضا التوافق بين الأمر الشرعي بالقراءة ليلًا، وبين الأمر الكوني في نزول القرآن ليلًا، فكلما كانت قراءة المسلم للقرآن بالليل زاد اتساقه مع الكون، ويتضاعف هذا الاتساق بالقراءة في رمضان".
مشاركة :