شدد أستاذ القانون الرياضي الدولي في جامعة ميلان لاتشيو كولانتواين أن تدخل اللجنة الأولمبية لمعالجة أية مخالفات إدارية في الاتحادات الرياضية أمر قانوني ومشروع ومطلوب من أجل استكمال الاتحاد لمسيرته في خدمة اللعبة. جاء ذلك في حوار أجرته معه «الحياة» حول علاقة المنظمات الرياضية الدولية بالمؤسسات الرياضية المحلية من الناحية القانونية، إذ أكد فيه أن الأزمات الرياضية القانونية التي مرت بها إيطاليا أسهمت في تطوير اللوائح والأنظمة، مؤكداً أن كل القرارات التي تم اتخاذها سرى مفعولها ولم يتم نقضها بعد الاستئناف، ما يؤكد متانة الحيثيات وسلامة القرارات المتخذة، فإلى الحوار: > دائماً في كل مشكلة كروية تحدث في السعودية يطالب البعض بالرجوع إلى «فيفا»، سؤالي: كيف نعرف العلاقة بين الاتحاد المحلي والقاري و«فيفا»؟ - هناك علاقة مترابطة بين المستويات الثلاثة، عندما ندرس هذه العلاقة دوماً نشبهها بالهرم، هناك علاقة من ثلاث زوايا لهذه العلاقة، في الأعلى هناك الاتحاد الدولي، وفي الزاوية الثانية الاتحاد القاري، وفي الثالثة الاتحاد المحلي، والجميع يقع تحت مظلة الاتحاد الدولي الذي يعتمد الأنظمة واللوائح، الاتحاد المحلي يرجع إلى الاتحاد القاري، والقاري يرجع إلى الاتحاد الدولي. > إلى أي مدى يمكن للاتحاد المحلي إجراء التغييرات في الأنظمة واللوائح بعيداً عن «فيفا»؟ - هناك نوعان من المواد، فهناك مواد إلزامية تجب أن تكون موجودة في اللوائح في كل الاتحادات المحلية من دون استثناء، ويجب أن يتم اتباعها كلمة بكلمة، وهذه مواد رئيسة يجب ألا تتغير، وهناك النوع الثاني وهي المواد القابلة للتعديل والتغيير وفقاً لظروف الاتحاد المحلي، وهذه المواد موضوعة من «فيفا» باعتبارها معياراً اختيارياً ويحق للاتحاد المحلي كما قلنا تعديلها بما يتوافق مع متطلباته المحلية. وهذه المواد نطلق عليها مسمى المواد المرنة وللاتحاد المحلي الحق في التعديل فيها -كما قلنا-، و«فيفا» هنا يعطي للاتحادات قواعد إرشادية يمكن السير عليها أو تعديلها أو تغييرها. > في حال وجود خلافات ... متى يتم التحاكم تحت المظلة المحلية، ومتى من الممكن التوجه للمنظمة الدولية؟ - محكمة التحكيم هي هيكل بإمكانه حل الإشكالات التي تقوم بين الأطراف المتنازعة تحت إطار الاتحاد المحلي، مثل القضايا ذات الطبع المالي والتجاري، وهي قضايا من الممكن حلها تحت المظلة المحلية، أما إذا كان هناك قضايا ذات طابع دولي لوجود عناصر دولية فيها كأن يكون أحد اللاعبين ليس محلياً، فهنا تحول القضية إلى «فيفا»، وهو يقوم باتخاذ قراره وفقاً لنظام الاتحاد المحلي المعني بالقضية، خصوصاً إذا اتبعت القواعد الأساسية، ومُنحت الأطراف المتنازعة الحقوق كاملة مثل حق تقديم الأدلة والمناقشة والترافع. > هل يمكن أن يتم تقديم القضية إلى «فيفا» مباشرة أم يجب على الطرف المتضرر التوجه إلى الاتحاد المحلي؟ - إذا كانت القضية ذات طابع محلي يجب أن يتم التقاضي تحت مظلة الاتحاد المحلي، وكذلك الأمر ذاته إذا كانت ذا طابع دولي، وأعنى هنا أنه إذا كان أحد أطراف القضية من غير جنسية الاتحاد المحلي، فهذا الطرف غير المحلي لا يحق له التوجه مباشرة إلى المستوى الدولي، بل عليه أن يتقدم بشكواه على المستوى المحلي، ومن ثم في الخطوة الثانية يتجه نحو الاستئناف، ويقوم بنقل القضية إلى المستوى الدولي إذا لم يكن مقتنعاً بالحكم القضائي الصادر، وطبعاً هنا نحن نتحدث عن الحقوق التجارية والمالية للاعبين والمدربين والأندية ولا نتحدث عن قضايا الانضباط والتلاعب في المباريات أو الحقوق المدنية والجنائية. > هل من الممكن أن توضح لنا المقصود باللوائح الملزمة واللوائح المرنة؟ - «فيفا» مهتم بالمبادئ، فهناك مثلاً لائحة عقوبات لحالات وتصرفات ممنوعة، وتجب معاقبة من يتجاوزها، فهذا أمر ملزم، لكن تحديد العقوبة الانضباطية المالية أمر اختياري، وقد تكون العقوبة يورو واحد أو مليون يورو، أو تكون إلغاء نقطة أو 3 نقاط أو تهبيط النادي إلى درجة أدني، فهذا أمر مرن من حق الاتحاد المحلي تحديده، فتحديد الحد الأدنى والأعلى للعقوبة ضمن الأمور المرنة، وحتى هذا التحديد يتم وفق بعض الضوابط. > مثلاً الحد الأعلى للرواتب؟ - هناك أمور أساسية ملزمة يجب أن تكون موجودة في عقود اللاعبين واللوائح المتعلقة بهم، وهناك أمور أخرى مثل الرواتب فلكل اتحاد ولكل دوري الحق في أن يتحرك بشأنها بشكل مستقل، ففي الدوري الإيطالي مثلاً ليس هناك حد أعلى للرواتب في دوري الدرجة الأولى بينما في الدرجة الثانية هناك سقف محدد بسبب المشكلات المالية التي تواجهها الأندية في هذه الدرجة، هذا مثال حي عن المواد المرنة. > في الحالات الرياضية القانونية هناك اختلاف في وجهات النظر بين القانونيين، ما يوقع المتلقي أحياناً في لبس وتشكيك؟ كيف ترى ذلك؟ - عندما تتحدث عن أمور قانونية دائماً هناك وجهات نظر مختلفة، لأنه ليس كل القوانين والأنظمة واللوائح واضحة، هذا جزء من الثقافة القانونية على مستوى العالم، على أي حال من وجهة نظري يجب أن تكون الثقة دوماً في القانونيين الذي يمتلكون خبرات محلية ودولية لأن كل اللوائح كما قلت سابقاً تعود إلى النظام القانوني الرياضي الدولي، وكل القضايا سيتم النظر لها من وجهة نظر الاتحاد الدولي، فإذا ما كنت على اطلاع بما يجب القيام به أو تجنبه من وجهة النظر الدولية ستكون الأمور أوضح بالنسبة لك على الصعيد المحلي، ولذلك فأصحاب الخبرة الدولية بالنسبة لي سيكونون أكثر موثوقية من غيرهم، ربما يخطئون ربما يكونون على حق، لكنهم سيكونون أصحاب السيرة الذاتية المطلوبة بالنسبة للمتضرر في حال رغب في توكيل محام للترافع عنه. هناك فرق بين المحامي التجاري الجيد الذي لا علاقة له بالرياضة، وبين المحامي صاحب الخبرة الرياضية، وبين المحامي الذي يتحدث عن القضايا الرياضة من دون أية خبرة عملية، فعندما تكون لديك قضية تتطلب توكيل محامي فأنت عميل يجب أن تتوجه دائماً للمحامي الذي يمتلك خبرة قانونية عامة وفوق ذلك لديه خبرة في القانون الرياضي المحلي والدولي، لأن هناك محامين ليس لديهم أية خبرة رياضية، لكنهم يتحدثون في الشأن الرياضي باعتبارهم عشاقاً ومحبين للعبة. > في السعودية ليس هناك قانونيون متخصصون في الشأن الرياضي بعدد وافر.. من واقع خبراتك كأكاديمي وعضو فاعل في المجتمع القانوني، كيف يمكن سد النقص في هذا المجال؟ - لا أستطيع الحديث عن الوضع في السعودية من غير اطلاع واسع ودقيق يتيح لي وضع الحلول، لكن بالنسبة لي من خلال ما اطلعت عليه أعتقد أن السعودية قادرة على أن تكون دولة رائدة على صعيد المنطقة في مجال القانون الرياضي، لأنها تمتلك العناصر كافة التي تؤهلها لذلك. > علمت أنك تقوم حالياً على تنفيذ مشروع يتعلق بتدريس ماجستير القانون الرياضي بالتعاون مع «فيفا»؟ هلّا حدثتنا عنه؟ - هناك دورات تدريبية عدة في الإدارة والقانون الرياضي، على سبيل المثال أنا أقوم بتدريس القانون الرياضي منذ 10 أعوام في دول عدة، وأقوم بالتركيز على القانون الرياضي الدولي، وواحدة من التجارب الرائدة هو ماجستير «فيفا» والمخصص للمديرين الرياضيين في الاتحادات والأندية وما شابهها في النظام الرياضي الدولي، ويتم تدريسهم على ثلاثة أوجه: اقتصادي وسسيولوجي وقانوني، فهو خليط تعليمي تدريبي مخصص لهم، لكننا الآن سنعلن عن ماجستير مختلف ومميز على الصعيد الدولي في القانون الرياضي الدولي تحت مظلة جامعة بولونيا وهي من أقدم الجامعات التي قامت بتدريس القانون، وهذا البرنامج معتمد من الاتحاد الأوروبي والاتحادات المحلية، وسيدير هذا البرنامج خمس جامعات، وسيكون هناك اتفاقات مع دول عدة لتعميمه، ونريد أن يكون هناك برنامج مماثل في أميركا الجنوبية وروسيا وأستراليا، وعودة إلى سؤالك فإننا نود أيضاً أن يكون هناك برنامج مماثل في السعودية. وفي حال تطبيق هذا البرنامج سيكون بإمكاننا إنتاج جيل قانوني جديد متمكن في الشأن القانوني الرياضي، وبالتالي يتم تعزيز عدد القانونيين الرياضيين. > هل تعتقد أنه من المهم وجود محامٍ ضمن أعضاء مجالس إدارات الأندية؟ - من المهم أن يكون هناك محامين، ولكن متمكنين بعيداً عن مدى عشقهم للنادي من عدمه، وهو أمر من الممكن أن يؤثر في المحامي، وسأعطيك مثالاً على ذلك، رئيس تشلسي محامٍ، لكنه قام بالتعاقد مع مكتب محاماة شهير متخصص في المجال الرياضي في لندن، ولا يطرح وجهة نظره في القضايا القانونية. وحتى تكون وجهة نظري واضحة فالأمر أشبه بالطبيب الذي يجرى جراحة لابنه أو أحد أقربائه من الدرجة الأولى، فيده تهتز وهو يجريها. > إيطاليا لديها تاريخ عريق مع فضائح كرة القدم بما فيها تلك المصنفة تحت بند «الكبرى».. ومنها التلاعب بنتائج المباريات... - يبتسم ويقاطع -: دعني أقول لك شيئاً، الدول التي لديها فضائح كروية هي الأفضل، لأن هناك أمر تم اكتشافه بعد بحث وتحقيق وتدقيق ومن ثم تمت معاقبته، أما الدول التي لا يوجد لديها فضائح على هذا الوزن فهذا لا يعني أنه ليس هناك تلاعب أو تجاوزات، بل لأنها لم تقم باكتشافه بعد. > ما هي الإيجابيات القانونية التي خرجت بها إيطاليا بعد التجارب المريرة التي مرت بها؟ - أعتقد أن خبراتنا لافتة لأن النظام أصبح متابعاً على الصعيد الدولي، أيضاً هناك مشكلات عدة على المناحي كافة، وبالتالي هناك تطوير كبير يتم بشكل متواصل على النظام القانوني من خلال الخبرات المتراكمة، وهناك الآن نظام قانوني وضعته اللجنة الأولمبية الإيطالية أخيراً في آب (أغسطس) الماضي، وهناك نظم جديدة في الاتحادات الرياضية، وكذلك في اتحاد القدم، وأعتقد أن النظام الحالي نظام لافت. وأعتقد أن النظام القانوني الإيطالي نجح في التعامل مع الفضائح الكروية بشكل جيد، لأن كل القرارات التي صدرت لم يتم نقضها في مرحلة الاستئناف. > قلت إن البرنامج سينتج جيلاً جديداً من المحامين المتخصصين في المجال الرياضي؟ هل تعتقد أنهم سيجدون فرص وظيفية كافية لاستيعابهم؟ - في إيطاليا أقوم بتدريس 50 محامياً سنوياً وكلهم يجدون أعمالاً بشكل مباشر في الاتحادات واللجنة الأولمبية والأندية والرياضيين ووكلاء الأعمال وفي النهاية أتلقى دوماً جهات تطلب مني ترشيح محامٍ للعمل لديها. > نود الحديث عن الجوانب القانونية التي يجب الاهتمام بها في مجال حقوق النقل التلفزيوني على صعيد الأندية والاتحادية؟ - هذا موضوع مهم من الممكن أن يشهد مشكلات في العادة، فالرياضة مهمة لوسائل النقل التلفزيوني، ولذلك تصرف مبالغ طائلة للحصول على حقوق النقل، وفي الجهة الثانية الرياضة وكرة القدم -تحديداً- من الممكن أن تعتمد على وسائل النقل للوصول إلى الجماهير وطلب مبالغ مالية من المعلنين والرعاة وغيرهم، لكن إذا كان الاعتماد بشكل أكبر على هذه العوائد فلن تكون هناك حال توازن، دعنا نتحدث عن إيطاليا مثلاً، فأنت هنا تتحدث عن بليون يورو سنوياً للأندية، وهناك أندية تعتمد على عوائد النقل بما يمثل 80 في المئة من دخلها الإجمالي مما يعني أنها لا تمتلك أي أصول، واليوم إذا قالت وسائل الإعلام إنها لم تعد مهتمة بالنقل التلفزيوني ستعلن بعض الأندية إفلاسها، وهذا ما يجعلنا نقول على الأندية أن تطور عوائدها. سأتحدث الآن عن وجهة النظر القانونية، هذه الأندية يجب أن تكون دقيقة لأنك تتحدث عن الصورة الذهنية للنادي وإلى أي مدى يمكن أن تذهب بعيداً مع رغبات القنوات الفضائية، فهناك الآن كاميرات تلفزيونية في غرف تغيير ملابس اللاعبين قبل المباريات، والسؤال: هل هذا أمر مفيد للاعبين أن تكون هناك كاميرات أثناء تغيير ملابسهم؟ هناك حدود يجب أن يتم وضعها للأمور الأساسية حتى لا يكون تطور النقل التلفزيوني على حساب أمور أساسية، يجب أن يكون هناك علاقة تعاقدية مبنية على رؤية قانونية واضحة وسليمة تحفظ الحقوق لكلا الطرفين. > في السعودية هناك الرئاسة العامة لرعاية الشباب، وهي جهاز حكومي وهناك اللجنة الأولومبية، وهناك الاتحاد السعودي... في ظل هذا الوضع يتم التطرق إلى التدخل الحكومي في العمل الرياضي... ما وجهة النظر القانونية في هذا الشأن؟ - الرئاسة العامة لرعاية الشباب تمثل الجهاز الحكومي الذي يربط بين الدولة والأجهزة الحكومية وبين القطاع الرياضي، وهذه منها أدوار سياسية واجتماعية ومادية وحاجات الدولة في تنمية القطاع الشبابي والرياضي، كما هي بطولة الخليج معنية بالدولة، وتمثلها الرئاسة العامة لرعاية الشباب، وأيضاً مؤتمر المسؤولية الاجتماعية الذي ألقيت ورقة عملي فيه، ضمن فعاليات تتدخل فيها الدولة في الشأن الشبابي والرياضي، أما اللجنة الأولمبية فهي السلطة الرياضية الأعلى التي توجد فيها المحكمة الرياضية المحلية العليا، واللجنة الأولمبية هي المرجعية القضائية والقانونية والإدارية والرياضية لجميع الألعاب، وتدخلها مشروع في حال كان هناك أي اختلال قانوني أو إداري أو مالي خطر في أحد الاتحادات الرياضية، فإذا كانت هناك مشكلات مالية أو إدارية خطرة تؤثر في مسيرة الاتحاد وتسيير أعماله ونشاط اللعبة، فمن الملزم على اللجنة الأولمبية التدخل لمعالجة الوضع وتقديم العون الإداري أو المالي أو القانوني بحسب طبيعة النزاع والخلاف. هل علاقة من ثلاث زاويا كل طرف فيها يعد زاوية وتقوم على التكامل، ولكن ليست هناك علاقة وتأثير مباشر للجهات الحكومية في الاتحاد المحلي، لأنه ليس هناك رابط مباشر، فإذا كان الاتحاد يسير وفق النظام القائم في البلد، فليس للجهة الحكومية الحق في التدخل في أعماله بأي شكل من الأشكال، وكذلك بالنسبة إلى اللجنة الأولمبية، فإذا كانت تدير الرياضة في البلد بطريقة نظامية ففي هذه الحال أيضاً فليس للجهات الحكومية الحق في التدخل في أعمالها بأي شكل من الأشكال طالما هي التزمت بالنظام القائم في البلد. وبالطبع هذه العلاقة لا تمنع أن تكون هناك علاقة تعاون بين الطرفين، فاللجنة الأولمبية تمثل البلد وبالتالي هناك جانب سياسي في الأمر. > لدينا مشكلة قائمة حالياً في الاتحاد السعودي لكرة القدم بين الجمعية العمومية ومجلس إدارة الاتحاد حول انعقاد الجمعية العمومية العادية وغير العادية؟ - هذا نموذج من الأمثلة الطبيعية جداً، وفي مثل هذه الحالات يجب أن تتدخل اللجنة الأولمبية لمعالجة هذا الأمر لتأثيره في مسيرة الاتحاد أياً كان نشاطه، فهنا توجد خطورة على مسيرة الاتحاد من الناحية الإدارية والقانونية، وقد تؤدي إلى تدخل «فيفا» مثلاً في اتحاد كـــرة القدم، ولذلك فاللجنة الأولمبية في مثل هذه الحالات مطالبـــة بالتدخـــل وفــق الطرق القانونية لإيجاد الحلول اللازمة ليستكمل الاتحاد مسيرتــه ويواصــل خدمــة اللعبـة.
مشاركة :