فاتن حمامة... الحب الكبير (10- 31)

  • 5/25/2018
  • 00:00
  • 15
  • 0
  • 0
news-picture

لم ييأس عز الدين ذو الفقار من رفض أحمد حمامة طلبه، غير أن حياته توقفت تماماً، لم يعد يفعل شيئاً سوى البحث عن وسيلة يحقق بها أمنية حياته في الارتباط بفاتن حمامة. اقترح عليه صديقه الكاتب الصحافي جليل البنداري اللجوء إلى الصديق المشترك بينه وبين أحمد حمامة، يوسف بك وهبي. وما إن سمع الأخير قصة حب ذو الفقار حتى وعده بألا يخرج من بيت حمامة إلا ومعه الموافقة، باعتباره صديقاً مقرباً إليه، ويعتبر فاتن ابنته، منذ أن مثلت معه دور ابنته فعلاً في فيلم «ملاك الرحمة». ذهب عز الدين ذو الفقار إلى منزل فاتن مجدداً بصحبة يوسف وهبي، وبعد جدل كبير وأخذ ورد، خرج الاثنان وهما يجران أذيال الخيبة، بعدما رفض طلبهما مجدداً بحجة أن ابنته على أبواب شهادة الثانوية، ولا يريد أن يشغلها خلال هذه الفترة، ومن الممكن أن يفكر في الأمر بعد حصولها على الشهادة. أثار رفض أحمد حمامة في قلب عز الدين حباً أكبر لفاتن، وأكد لنفسه، وهو يعود مهزوماً للمرة الثانية، أنه لن يتخلى عن حبه، ولا بد من أن يتزوجها، وراح يفكر في سبب الإصرار على رفضه، واهتدى إلى وسيلة جديدة، ربما تساعده في ما يخطط له. بدأ يمارس حمية قاسية لإنقاص وزنه، فقد كان سميناً بعض الشيء، وخلال زمن قياسي فقد أكثر من 10 كيلوغرامات، كي يبدو جسمه متناسباً مع جسم فاتن الرقيق النحيل. وفعلاً، بات رشيقاً خلال مدة قياسية. فربما رفضه أحمد حمامة خطيباً لابنته لكنه لن يرفض أن تقف معه بطلة في فيلم جديد يخرجه، ويشاركها بطولته في الوقت نفسه. أصبحت ابنة السادسة عشرة عروساً تُطلب يدها للزواج، وأصبح لها «فارس أحلام» رسمي. ورغم عدم موافقة والدها عليه، فإن حكايات كثيرة تجمعها معه يمكن أن تحكيها لصديقاتها في المدرسة. ولكنها لم تعد تحكي لصديقاتها تفاصيل أو حكايات تجمعها بفارس أحلامها، على عكس ما كانت تفعل سابقاً، عندما لم يكن هذا الفارس موجوداً، إذ كانت تنسج قصصاً من خيالها الخصب تسعد صديقاتها بسماعها، ويطربن لها، ويصغين إليها باهتمام بالغ. ربما عاد ذلك إلى اهتمام فاتن الكبير بقراءة الروايات العاطفية، إذ جمعت من هذا اللون ما يكفي لتكوين مكتبة ضخمة، تضمّ تراجم عالمية عن أشهر العشاق، وأشهر الروايات الغرامية العالمية. وهي كانت تقرأ ما لا يقل عن خمس ساعات يومياً، قراءة متواصلة، وفي الاتجاهات كافة. وكثيراً ما كانت تعود من المدرسة إلى الأستوديو ليستمر عملها فيه طوال ساعات النهار، وبعض ساعات الليل، ورغم ذلك كانت ما إن ترجع إلى البيت حتى تبدأ بالقراءة. ولم تكن تشرع في قراءة كتاب حتى تأتي على آخر سطر فيه، حتى ضعف نظرها، واضطر والدها إلى اصطحابها إلى طبيب العيون، ليصنع لها أول نظارة طبية للقراءة. رومانسية واقعية لم تتوقف فاتن عن التردّد إلى «بيت الفن» بصحبة والدها، ورجع عز الدين يزوره أيضاً. وما إن رآهما حتى استأذن في الجلوس معهما، فسمح والدها بذلك. حاول أن يبدو أنه نسي طلبه السابق الزواج من فاتن، وراح يتحدث بشكل رسمي عن مشروعاته الفنية المقبلة، وأنه يبحث عن رواية جديدة ليقدمها خلال الفترة المقبلة، فانتهزت الممثلة الفرصة وقصت عليه تفاصيل إحدى الروايات العالمية التي قرأتها أخيراً، وما إن سمعها حتى أعجب وقرر أن يكتبها للسينما، وبادرها: = وانت هاتكوني البطلة. * أنا؟ = أيوا انت. طول ما انت بتحكي وأنا شايفك قدامي بطلة الرواية. * أيوا بس دول بطلتين مش بطلة واحدة. الأم وابنتها هابقى أنهي واحدة فيهم؟ = ها تعملي الاتنين. * إزاي؟! = ازاي... دي بتاعتي أنا. المهم إيه رأي حضرتك يا أستاذ أحمد؟ - رأيي في إيه؟ دي مجرد دردشة في موضوع. لما يبقى في سيناريو قدامي أقدر أحكم. عكف عز الدين ذو الفقار على كتابة سيناريو الفيلم وحواره، وتحويل تفاصيل القصة إلى أحداث مصرية، وتدور في إحدى العزب في الريف المصري. تربط قصة حب بين ليلى ومحمود منذ طفولتهما، لكن في الوقت نفسه يقع حسن ابن عم محمود في حب الفتاة، رغم أنه متزوج وله ابن من زوجته. لذلك يبدأ الحقد يملأ قلبه على محمود، ويحاول في الزفاف قتله، لكن ليلى تنقذه وتموت. يعيش محمود حزيناً على فراق ليلى، وعندما تأتي شقيقتها لتزوره، يرى ابنتها التي يصادف أنها تشبه حبيبته تماماً، فيقرر أن تبقى وأسرتها في المنزل، ويتولى تربيتها. يموت حسن أيضاً حزناً على فراق ليلى، وتمرّ السنوات، ويكبر الطفلان، آمال ابنة شقيقة ليلى، والتي تشبهها إلى حد التطابق، ونبيل ابن حسن، الذي يشبهه أيضاً إلى حد التطابق. يقع نبيل في حب آمال، ويطلبها للزواج، فيرفض محمود بشدة، ويحاول أن ينتقم من والده في شخصه، حتى يأتي له طيف ليلى في منامه، ويطلب منه أن يوافق على هذه الزيجة. وعندما يوافق يقع حادث لنبيل، ويصاب بعجز في إحدى ساقيه، ويحاول أن يبعد آمال عنه، ويوهمها بأنه سيتزوج غيرها، فتعيش حزينة لخيانته. ثم يكشف محمود لها الحقيقة، وفي اللحظة التي يعود فيها الحبيبان إلى بعضهما ليتزوجا، يرحل محمود لتلتقي روحه مع روح حبيبته ليلى. كتب عز الدين ذو الفقار سيناريو الفيلم واختار له اسم «خلود» تعبيراً عن الحب الخالد، الذي يتوارثه جيلان. وما إن انتهى الكاتب جليل البنداري من الحوار، حتى راح عز الدين يبحث له عن سبل النجاح في اختيار فريق عمل جيد، وقرر أن تقوم فاتن بدوري «ليلى وآمال» فيما يؤدي الممثل الشاب كمال الشناوي شخصيتي «حسن ونبيل»، وقرر أن يشارك عز بالتمثيل ليجسد دور محمود وبشارة واكيم، في دور الدكتور إبراهيم. ولضمان النجاح الجماهيري للفيلم ضمّ إليه الفنان الكوميدي الصاعد بسرعة الصاروخ إسماعيل ياسين، الذي أصبح «تميمة الحظ» آنذاك في غالبية الأعمال. بقيت موافقة أحمد حمامة على مشاركة فاتن في الفيلم، وقد تكون كارثة حقيقية إن رفض بعد ذلك كله، فاهتدى السينمائي إلى فكرة تضمن الموافقة. في اليوم التالي، ذهب عز الدين ذو الفقار بصحبة المصور السينمائي مصطفى حسن، ومهندس الديكور حبيب خوري، إلى بيت أحمد حمامة، لا ليتقدم مجدداً لخطبة فاتن، بل ليعرضوا عليه مشروعاً. عرض عز الدين ومصطفى وحبيب على أحمد حمامة أن يدخل شريكاً معهم في إنتاج فيلم «خلود» لقاء أن يدفع ألف جنيه مصري، وأن يسهم بعقد ابنته فاتن التي قرروا أن يرفعوا أجرها إلى ألف وخمسمئة جنيه بدلاً من ألف جنيه، وأن يأخذ الربع من الأرباح. وافق أحمد حمامة فوراً، ووقّع العقد الذي جعله شريكاً لعز الدين ذو الفقار ومصطفى حسن وحبيب خوري في «شركة أفلام العالم الجديد»، ليكون باكورة إنتاجها فيلم «خلود» وما يتبعه من أفلام أخرى تنتجها الشركة التي تقرر أن يكون مكتبها الرئيس في بيت أحمد حمامة. وكان أكثر الناس تصميماً على هذا المكتب عز الدين ذو الفقار لأن ذلك سيتيح له أن يرى فاتن يومياً، وهو ما حدث فعلاً، إذ بدأ يتردد على البيت، لتمرينات «ترابيزة» لقراءة دوري فاتن، والتدريب عليهما. خلال تلك الاجتماعات الهادئة بدأت فاتن تعرف عز الدين بشكل أفضل، وبات هو يدرك تماماً عاداتها وتصرفاتها وطريقة حياتها في البيت، أي أنهما درسا بعضهما بعضاً عن قرب، وكانت فاتن خلال ذلك تجد فرصة كي تبوح له أيضاً بما في قلبها وترى أنه يعاملها كأنثى ناضحة لا كما يعاملها أهلها على أنها طفلة. كانت فاتن سعيدة بذلك لأنها كانت تريد أن تشعر بشخصيتها المستقلة، ولمس أحمد حمامة رغبة ابنته في الارتباط بعز الدين، فوافق مبدئياً على طلب الأخير، غير أنه اشترط ألا يتم الزواج إلا بعد أن تنتهي دراستها الثانوية وتلتحق بالجامعة. فوافق عز الدين على ذلك، وهو يكاد يطير فرحاً. خطة سينمائية بدأ عز الدين ذو الفقار تصوير فيلم «خلود» مخرجاً وممثلاً، مع كل من فاتن حمامة، وكمال الشناوي، وبشارة واكيم، وإسماعيل ياسين، ليستمر التصوير أكثر من أربعة أشهر. كانت هذه الفترة كافية ليصيرا أكثر تفاهماً، ولم يفترقا طوال التصوير، كانا يمضيان معاً أكثر من عشر ساعات يومياً. لم يكن يفارقها والدها خلالها، يظل جالساً في البلاتوه طوال ساعات التصوير. وهو إن كان يتركها بضع الساعات في أي فيلم سابق، فإنه في هذا العمل تحديداً قرر ألا يتركها لحظة! خلال تصوير الفيلم ارتبطت فاتن بعز الدين بشكل كبير، كذلك لم يكن هو قادراً على تحمل الابتعاد عنها أكثر من ذلك. لكن والدها كان يتمسك بشرط انتهائها من دراستها والالتحاق بالجامعة لإتمام الزواج. ومن خلال اللقاءات الجانبية، وبطريقة استخدام السيناريو، لإرسال خطابات يقولان فيها ما يريدانه، استطاع عز الدين أن يقنع فاتن بضرورة إتمام الزواج الآن، ووضع الأسرة إزاء الأمر الواقع، فما داما سيتزوجان بعد عام، فما الذي يمنع إتمام الزواج الآن؟ وفي الوقت نفسه يمكنها أن تستكمل دراستها في بيت الزوجية. كانت فاتن في مرحلة مهيأة نفسياً لإتمام الزواج وخوض هذه المغامرة، فقد كانت لديها رغبة قوية في التحرّر من «أسر الأسرة»، والانطلاق في الحياة، ترتدي ما تريده من فساتين نسائية، وليس فساتين طالبة في المرحلة الثانوية، وتذهب إلى مصفف الشعر للتباهي بأحدث التسريحات، على غرار النجمات العالميات، وترتدي أحذية ذات «كعب عال»، وتظهر في الأماكن العامة بصحبة زوجها. من ثم، اقتنعت برأي عز الدين، وراحا يرسمان الخطة التي سينفذانها من دون علم الأسرة. وضع عز الدين الخطة، وتقضي بأن تطلب فاتن من والدها أن يسمح لها بالذهاب مع كاتب الحوار الصحافي جليل البنداري إلى محطة مصر، بالقرب من «شارع الفجالة»، حيث يقع بلاتوه «ناصبيان» باعتبار أن جليل يملك سيارة، كي تشترى بعض أدوات التجميل الخاصة بماكياج الفيلم، ولأن أحمد حمامة يعرف صديقه جيداً لم يمانع. غادرت فاتن البلاتوه في هدوء وثبات، واستقلت مع جليل البنداري السيارة متجهين إلى ميدان محطة مصر، ليتوقف بالقرب من الميدان. وبعد لحظات وصلت سيارة تقل عز الدين وأنيس حامد و«المأذون»، وانطلقت سيارة عز الدين تتبعها سيارة جليل إلى شارع الهرم. لما كانت فاتن فهمت من عز الدين أن الزواج سيتم في بيت صديقه المخرج كامل التلمساني، في وسط القاهرة، بالقرب من ميدان محطة مصر، فإنها دُهشت وهي ترى السيارة التي يستقلها عز الدين تتجه إلى طريق آخر: * إيه ده؟ ده مش طريق بيت كامل التلمساني. = أيو ما احنا رايحين الأهرامات. * رايحين الأهرامات ليه وهانعمل إيه هناك. = رايحين بيت فؤاد الجزايرلي في شارع الأهرامات. * نعمل إيه في بيت فؤاد الجزايرلي؟ هو ده وقته! = أصل عز اتفق أنه كتب الكتاب يتم في بيت فؤاد لأنه بعيد عن وسط البلد وبعيد عن أي عيون ممكن تبلغ باباكي بالموضوع. وده أفضل. * برضه كان واجب يقوللي. ما يتصرفش كده من نفسه. كانت فاتن تبدو رابطة الجأش تماماً حين وصلت السيارة إلى بيت فؤاد الجزايرلي الذي فتح الباب وهو يقول: « أهلا أهلا.. اتفضلي يا عروسة». لم تكد فاتن تسمع كلمة «عروسة» حتى اضطربت تماماً، وبدأت تفقد سيطرتها على نفسها، بل أخذت تنظر خلفها وهي في حالة رعب وقلق شديدين. أحضر لها فؤاد الجزايرلي كوباً من الماء كي لا يلاحظ الخدم أن ثمة أمراً غير طبيعي، واقترب إليها عز الدين، وحاول أن يهدئ من روعها، بعدما انتابتها نوبة رعب حقيقي، وبدأ جسدها يرتجف: = إيه يا فاتن مالك؟ إيه اللي حصل؟ * أنا حاسة إن بابا ممكن يطب علينا في أي لحظة. = بابا إيه اللي هايجيبه هنا. احنا فين وبابا فين. بابا بعيد أوي. هناك في وسط البلد. * لالا. مش ممكن. أنا مش هاتجوز. أنا لازم امشي دلوقت حالا من هنا. = فاتن. انت بتقولي إيه؟ بعد كل اللي عملناه وكل التعب ده. وتقولي عايزة تمشي؟ * أيوا... أنا مش ممكن استنى هنا دقيقة واحدة. جاء كلام فاتن صادماً ومفاجئاً للجميع. كانوا يعرفون أنها موافقة وإلا لما أتت معهم. وكان أكثرهم ذهولاً عز الدين نفسه، وخشى فؤاد الجزايرلي أن تستمر هذه الحالة مع فاتن وأن يسمع المأذون ما تقوله فيرفض أن يعقد القران. عندئذ، أخذها إلى غرفة مجاورة وراح يهدئها ويسألها عن سبب رفضها الزواج، فإذا بها تقول وهي ترتجف: * احنا بنعمل حاجة غلط... وبابا لو جه دلوقت ممكن يموتني. = صحيح أحنا هانكتب الكتاب من غير وجود بابا. بس بابا موافق ضمنا على الجواز بدليل أنكم مخطوبين. * لالا بس بابا هايرفض. وممكن تحصل كارثة لو جه دلوقت. = يا ستي مش هاييجي. وبعدين كل الحكاية أننا قدمنا معاد الجواز مش أكتر. ظل فؤاد الجزايرلي في الغرفة يتحدّث إلى فاتن نحو الساعة، فيما يجلس كل من عز الدين، وجليل البنداري، ومصطفى حسن، وأنيس حامد، واثنان من ضباط الجيش من أصدقاء عز الدن، منذ أن كان ضابطاً في الجيش، جميعاً في الخارج، حتى هدأت تماماً، وأصبحت مهيأة لعقد القران. ما إن تمّ القران حتى راح الجميع يهنئون العروسين، واستقل الأخيران سيارة جليل البنداري، ومعهما السائق، فطلب منه عز الدين أن يتجه إلى الإسكندرية، فنظرت إليه فاتن وابتسمت وهزت رأسها بالموافقة، فقط لتأجيل المواجهة مع والدها، كانت تخشى كما زوجها مواجهة أحمد حمامة، الذي كان ينتظر ابنته في الاستوديو. ثورة غرامية اتجه العروسان إلى الإسكندرية لبدء «شهر العسل»، فيما اتفق عز الدين مع فؤاد الجزايرلي وأنيس حامد أن يبلغا أحمد حمامة بكل ما حدث. وبينما كان العروسان على طريق مصر إسكندرية الصحراوي، كان فؤاد الجزايرلي وأنيس حامد ومصطفى حسن في طريقهم إلى أستوديو «ناصبيان» لإبلاغ أحمد حمامة بما حدث، حيث وجداه وقد استبد به القلق ويقف إلى جانب هاتف الاستوديو وهو يتصل بكل من يعرفه كي يسأله عن ابنته، ثم سمعاه يقول لمن يتحدث له عبر الهاتف: « أنا كنت حاسس إن فيه حاجة بتتدبر. عملها عز الدين ذو الفقار... وخطف فاتن». كان ما يتحدث فيه أحمد حمامة عبر الهاتف مجرد هواجس، أكدها له كل من فؤاد الجزايرلي، ومصطفى حسن، وأنيس حامد. وما إن سمع منهم ذلك، حتى جن جنونه، هاج وماج وغضب بشدة، وراح يتوعّد عز الدين بالسجن. في هذه اللحظة، لم يتركه أنيس وفؤاد، وعادا معه إلى منزله، لتكون ليلة عصيبة عاصفة، لم تنم فيها الأسرة بأكملها ليلتها. لم يستطع والد فاتن أن يبتلع ما حدث، أو السبب الذي دعاهما إلى هذا التصرف غير المفهوم، فيما حاول فؤاد وأنيس أن يفهماه أنه لا بد مما ليس منه بد، وأن عليه ألا يحزن فهذا الزواج قد يكون خيراً وبركة، تزوج زميل من زميلة، وابنته أصبحت في عصمة رجل من أسرة كبيرة، يحبها ويقدرها، فلماذا الدخول معهما في عداء قد يخسر خلاله ابنته إلى الأبد؟ ولم يتركاه حتى هدأت ثورته، وبدأ يفكر في كيفية مواجهة الأمر الواقع. فيما أمضى أحمد حمامة ليلة لا يحسد عليها مع عائلته، كان عز الدين وفاتن وصلا إلى فندق وندرسور في الإسكندرية، حيث قررا أن يمضيا بضعة أيام تنتهي خلالها العاصفة. وكان الزوج يبدو في منتهى السعادة، كذلك الزوجة التي وجدت نفسها وقد تحررت، وأصبحت سيدة نفسها، ولم تعد الطفلة التي يصحبها والدها أو شقيقها إلى كل مكان. في صباح اليوم الثالث للزواج، أفاق العروسان على قرع باب غرفتهما في الساعة الثامنة رغم أن لافتة «عدم الإزعاج» كانت موجودة، وحين فتح عز الدين الباب وجد خادماً نوبياً صغيراً يحمل صينية فضية فوقها برقية. أمسك بها الزوج ونظر إلى فاتن وهو يتوجس من فتحها: = اللهم اجعله خيراً... تفتكري تكون من مين؟ * ماعرفش ربنا يستر. يا ترى حصل إيه؟ فتح عز الدين البرقية ليقرأ وهو يتوجس خيفة، وعيناه في عيني فاتن ليقرأ: «اسعدني خبر زواجكما وأتمنى لكما السعادة. لا تتأخرا في العودة. في انتظاركما... أحمد حمامة». أمسك عز الدين ذو الفقار بالبرقية في يده، ووقف ينظر إليها وإلى فاتن حمامة، وهو في دهشة من أمرها، ولسان حاله يقول: = ماذا يعني هذا الكلام؟ وهل هي مشاعر حقيقية من والدها، أم في الأمر خدعة؟ البقية في الحلقة المقبلة

مشاركة :