كيركجورد.. أبو الوجودية المصاب بالاكتئاب

  • 5/26/2018
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

القاهرة: «الخليج» إذا أراد مؤرخ الفلسفة أن يجد الأصول التاريخية لفكرة ما، أو مذهب معين، استبان له ما يقتضيه بحثه من طويل العناء، ذلك أنه يستطيع أن يرجع إلى الوراء ويجد مصادر أولى لرواد سابقين، وقد ظهرت هذه الصعوبة عند تناول كيركجورد الذي يلقب بأبي الوجودية، إذ يمكن تفسير فلسفته بعناصر متقدمة عليه.نعثر على تلك العناصر لدى الفلاسفة الذين انتمى إليهم كيركجورد صراحة، كما نجدها لدى أولئك الذين أغفلهم أو أهمل الحديث عنهم، فنعثر مثلاً عند أرسطو طاليس وابن سينا وكنت على تحليلات للوجود تدعم الفلسفة الوجودية، كما نجد في سقراط الذي قدمه لنا كيركجورد في تأويل خاص به كأول فيلسوف وجودي.في كتابها «سورين كيركجورد أبو الوجودية» تقول فوزية أسعد ميخائيل: «إذا قلنا عن سورين كيركجورد إنه منشئ الفلسفة الوجودية فلنعترف بأن هذا القول ينطوي على شيء من التعسف، ذلك بأن تاريخ الفلسفة، على اتصاله الوثيق، حافل بثورات فكرية تضرب بجذورها في الماضي، وتفتح للمستقبل آفاقاً جديدة وسورين كيركجورد يمثل في تاريخ الفكر إحدى هذه الثورات، فهو قد تأثر بماضي الفلسفة، لكنه ثار عليها، ثار على الرومانسية كما ثار على هيجل».في هذا الكتاب الذي تتصدره مقدمة أنور مغيث يستشهد مغيث بمقولة كيركجورد: «إذا كنت قد أصبحت كاتباً فهذا الخطأ يرجع أساساً إلى أنني مصاب بالاكتئاب ولدي أموال»، وهذه الكلمة توحي بروح السخرية التي تملأ كتابات كيركجورد، كما توحي أيضاً بالجدية المؤلمة للموضوعات الفلسفية التي يتطرق إليها، فهو يعني هنا بالفعل الكلام الذي يقوله، فكل فلسفته تدور حول ذاته المكتئبة.إن كيركجورد يجعل من فلسفته تعقباً لأحواله النفسية والوجودية، رافعاً إياها إلى مصاف الحقيقة المطلقة، وقد أتاحت له أمواله التي ورثها عن أبيه أن ينقطع للكتابة، فكان غزير الإنتاج، حيث تضم أعماله الكاملة أكثر من 20 ألف صفحة، كتبها جميعاً في نحو 15 عاماً، كان كيركجورد لا يعمل وكان يثمن وضعه هذا تثميناً كبيراً، العمل المهني يجعل حياة الإنسان تسير على وتيرة واحدة ويعوق عملية التحرر مما هو عام ويعفيه من جهد أن يحدد نفسه بلا توقف، كما يفعل الإنسان الذي بلا مهنة، هذا الموقف جعل انطباعاً ما يسود عن فلسفة كيركجورد وهو أنها تمثل أيديولوجيا شخص محافظ غير عقلاني، أو دفاعاً مذعوراً لنزعة ذاتية برجوازية صغيرة تطهرية مبالغ فيها.لقد أصبح عمل كيركجورد إذاً خاضعاً للعديد من ضروب سوء الفهم أو الأحكام المتعجلة والجزئية، ولعل من أكثر هذه الآراء شيوعاً تصوير فلسفة كيركجورد على أنها عملية رد اعتبار للدين بعد النقد الهائل الذي تعرض له الدين من فلاسفة التنوير الألمان.وفي الواقع، كما يقول مغيث في تقديمه للكتاب، فإن الفلاسفة الألمان لم يستبعدوا الدين، بل جعلوا مهمة التنوير الأساسية هي التوفيق بين الفلسفة والدين وقبول العقائد الدينية عن طريق العقل، وبالتالي إثبات أن العقل والإيمان لا يتعارضان.يعرض لنا هذا الكتاب أهم أفكار كيركجورد الفلسفية، فالمؤلفة تقدم لنا في الباب الأول جوانب حياته الواقعية التي لم تكن فلسفة كيركجورد إلا تأملاً فيها، ثم تعرض علينا في الباب الثاني فكرة الذاتية كامتداد للحركة الرومانسية في مواجهة العقل الموضوعي وهي الفكرة التي سوغت أن يطلق على كيركجورد «أبو الفلسفة الوجودية»، وفي الباب الثالث تبرز فلسفة المعلم هيجل السائدة في ألمانيا في النصف الأول من القرن التاسع عشر وأهمية الثورة التي قادها كيركجورد ضده، حيث تعامل مع الديالكيتك بمنظور خاص واستخدم مقولات الجدل بمضمون مختلف تماماً عما يراه هيجل، وفي الباب الرابع والأخير تقدم لنا بانوراما عامة عن فلسفة كيركجورد بأبعادها الثلاثة: الجمال والأخلاق والدين.وقد أشار الباحثون إلى كثير من نقاط التشابه بين فلسفة كيركجورد وفلسفة نيتشه، وقد التفتت مؤلفة هذا الكتاب إلى مثل هذا التشابه، وأشارت إليه، حيث لاحظت توصل نيتشه وكيركجورد من خلال تجارب مختلفة إلى فكرة فلسفية واحدة على ما يبدو، وقد تركز هذا التشابه في المقارنة بين فكرة التكرار عند كيركجورد و«العود الأبدي» عند نيتشه.

مشاركة :