حى بن يقظان أسطورة فلسفية مخترعة، كتبها ثلاثة من الفلاسفة المسلمين: ابن سينا، ابن طفيل، السهروردى، اتفقوا فى جوانب، واختلفوا فى جوانب حسب مواقفهم الفلسفية، واشتهرت رسالة «حى بن يقظان» للفيلسوف أبى بكر بن الطفيل الأندلسى الذى عمل وزيرا لدولة الموحدين فى الأندلس وأحد الذين دفعوا أبا الوليد بن رشد لكتابة شروحات أرسطو. والقصة تدور حول طفل فى صندوق ألقت به أمواج البحر فوق جزيرة معزولة عن البشر فتعتنى به ظبية وترضعه حتى يكبر، فيقول ابن طفيل فى قصته: «فلما أشتد الجوع بذلك الطفل، بكى واستغاث وعالج الحركة، فوقع صوته فى أذن ظبية فقدت طلاها، خرج من كناسه فحمله العقاب، فلما سمعت الصوت ظنته ولدها، فتتبعت الصوت وهى تتخيل طلاها حتى وصلت إلى التابوت، ففحصت عنه بأظلافها وهو ينوء ويئن من داخله، حتى طار عن التابوت لوح من أعلاه. فحنت الظبية وحنت عليه ورأفت به، وألقمته حلمتها وأروته لبناً سائغا. ومازالت تتعهده وتربيه وتدفع عنه الأذى». ويجد نفسه محاطا بكثير من المخاطر التى تجعله يستخدم عقله لمواجهة الحياة فيتوصل للحقائق الكبرى التى تشغل بال الإنسان عن طريق العقل والتأمل، وجاء اسم الشخصية الرئيسة فى العمل متناسبة بشكل كبير مع المضمون، فاسم الطفل «حى» وهو مشتق من الحياة، واسم الأب «يقظان» ومشتق من اليقظة والوعى، فربما قصد صانع الشخصية الأول أن الحياة بنت الوعى واليقظة، ولم يغير اسم الشخصية كل من تناولها من خلال فلسفته الخاصة. والقصة تفترض أن إنسانا نشأ فى جزيرة منعزلة ومن خلال تأملاته وربط العلل بمعلولاتها يتوصل لحقيقة القضايا الكونية الكبرى مثل قضية وجود الله، ومفارقة الروح للجسد، وخلو الجسد الإنسانى من سلاح للدفاع عن نفسه، فالحيوانات المحيطة به تتمتع بأنياب وسرعة الركض وقوة الحافر، والشعر والصوف والريش للطيور، بينما الإنسان يتحلى بالعقل والذى من خلاله يستطيع أن يفكر فى حيل الهروب من المخاطر وتفاديها وإشعال النار لإبعاد الحيوانات الضارية واستخدامها فى الطهو وغير ذلك كثير. ومن باب الدلالات اختيار جزيرة «حى» لتكون واقعة بخط الاستواء، وكأنه يقف موقفا محايدا منه أولا، فينشأ فى مكان يقسم الكرة الأرضية وفيه إيحاء باستوائية الجو، والنشأة الفطرية المستوية، وكونه مستوى مع كل الكائنات الموجودة فى الجزيرة فكيف يتميز عنهم ويظهر دونهم؟ ثم رُسمت شخصية «حى بن يقظان» بفقدان الأب والأم فضلا عن العزلة، فإذا ما فقد أحد أباه ناب مكانه آخر ليلقنه عقيدة ما يحيا يدافع عنها مهما كانت درجة الصواب والخطأ فيها، إن ابن يقظان فقد الأب والأم ليعلن من البداية أنه فقد الميراث الفكرى والعقدى ليبحث له منذ الآن عن جذور يمتد منها وهى الجذور الفكرية لدى الإنسان. إن الرسالة الفلسفية «حى بن يقظان» التى كتبها ابن طفيل ما زالت تطرح العديد من الأسئلة، مثل لجوء المؤلف للكتابة القصصية فضلا عن الكتابات التنظيرية المعروفة، وإشكالية التعارض بين الدين والفلسفة، والخلاص من سطوة الأفكار التقليدية، وغير ذلك كثير.. يتبع
مشاركة :