تحكى قصة «حى بن يقظان» أن أم الطفل حين ألقت به فى البحر كانت تحاول إنقاذه من ملك جبار وغشيم، وساعتها تضرعت لله قائلة: «اللهم إنك خلقت هذا الطفل ولم يكن شيئا مذكورًا، ورزقته فى ظلمة الاحشاء وتكفلت به حتى تم واستوى، وأنا قد سلمته إلى لطفك، ورجوت له فضلك خوفا من هذا الملك الغشوم الجبار العنيد فكن له ولا تسلمه يا أرحم الراحمين».وفى هذه الحكاية تشابه كبير مع قصة أم موسى التى نصحها الوحى أن ترضعه وتضعه فى التابوت لينجو من أذى فرعون، وفى الحدث دلالات متعددة منها استناد المؤلف على القصة الدينية ليهرب من أسئلة المنطق والواقعية أو ليجعل القصة تدور فى الأجواء الدينية، حيث يتناول الرجل العلاقة بين الدين والفلسفة، ودلالة أخرى تشبه فقد الأب والأم، فهى قد أسلمته إلى الطبيعة والبيئة المتجردة من أى عبث إنسانى قد يصل إليها، تنجيه من هذا الملك الغشوم الذى يسيطر على العقول منذ الولادة ألا وهو ملك التقليد والتبعية الفكرية والوراثة.ومن أهم القضايا التى تعرضت لها الرسالة، قضية التوفيق بين الدين والفلسفة، ولعل أشهر مثال فى تلك القضية كتاب ابن رشد «فصل المقال وتقرير ما بين الحكمة والشريعة من اتصال» ثم يأتى كتاب ابن طفيل، ويبتعد الفيلسوف عن الكتابة الفلسفية المباشرة ويلجأ للشكل القصصى الذى يراه أن قادر على بقاء النص بالاضافة إلى تأثيره فى المتلقى بصورة سريعة، وفيه نرى تلك المحاولة التوفقية ما بين الفلسفة التى تعتمد على تحليلات العقل وتأملاته ومن ثم تحسينه للأمور وتقبيحه للأفعال وما بين الدين الذى يعتمد على الأوامر الإلهية التى يخفى حكمتها فى بعض الأحيان.ألهمت قصة حى بن يقظان العديد من الكتابات الأدبية التى اتكأت عليها، وقد ألهمت الكتابات الأوربية أولا، فظهرت «عقيدة من جبل سافوا» لجان جاك رسو، ورواية « روبنسون كروزو» لدانيال ديفو، وحكاية طرزان ومواكلى، ثم انتبهت الرواية العربية والقصص القصيرة لذلك التراث العربى الثرى والفلسفى فسارعوا إلى قراءته والاستناد إليه، ومن ذلك النص المسرحى «حادثة خط الاستواء» للدكتور محمد حسن عبدالله والذى افترض أن جدلا ونزاعا وقع بين الفلاسفة الثلاثة الذين تناولوا القصة فقرروا أن يذهبوا للجزيرة التى وضعوا فيها حى ليتعرفوا على حقيقة الشخصية كما هى فى الواقع لا كما صورتها كتابتهم وهناك ينتصر النص المسرحى لفكرة حسن الطهر الذى يأتى بمقاومة الهوى ورغبات النفس السيئة وليس الطهر الذى يأتى من اعتزال الناس.
مشاركة :