لو اخترنا أن نكون إيجابيين ونغلب الروح التفاؤلية في نظرتنا تجاه المؤسسة المعنية بالنشاط الثقافي المحلي، فسنجد أن هناك منجزا لابأس به خلال العقود الماضية. فالمؤسسة الثقافية رغم كونها في البداية كانت إدارة مغمورة تلوذ تحت جناح رعاية الشباب، إلا أنها استطاعت أن تؤسس بعض البنى التحتية التي رسمت الملامح الأولى للعمل الثقافي المحلي كالأندية الأدبية، وجمعيات الثقافة والفنون 1973، ومولت مجموعة من الإصدارات المحلية، ونظمت بعض الأسابيع الثقافية، وقبل هذا كله مررت هوية مستقلة للمثقف المحلي تلك الهوية التي كانت ضائعة. وعندما توسعت تلك الإدارة وتطورت وباتت وكالة داخل وزارة الإعلام سنجدها في عهد الوزير إياد مدني أيضا قد خطت خطوات تصاعدية واسعة، عبر تأسيس كم من الجمعيات الثقافية المنتخبة، كجمعية المسرحيين، وجمعية التشكيليين، وجمعية الناشرين، ومجالس الأندية الأدبية، حيث أوعزت للمثقف نفسه إدارة شؤونه، مع إفساح حيز للمثقفة في جميع ما سبق، إضافة إلى إعادة إحياء معرض الكتاب، والأسابيع الثقافية، وهي الأنشطة التي كانت ثمانينيات وتسعينيات التطرف قد حجبتها عن الفضاء الاجتماعي، وأهم منجز لتلك المرحلة عندما تمخض مؤتمرالمثقفين آنذاك عن استراتيجية متكاملة للعمل الثقافي ما برحت –مع الأسف – إلى الآن حبيسة الأدراج. في عهد د. عبدالعزيز خوجة استمر المنجز على مسارين ما بين التأسيس والتوسع، حيث صدرت الموافقة على تحويل مرفق الإذاعة والتلفزيون إلى هيئة عامة للإذاعة والتلفزيون، أي إلى مؤسسة عامة يديرها مجلس إدارة مستقل بعيداً عن هيمنة وزارة الثقافة والإعلام تماما كالصحف. ومع هذا المنجز المهم يأخذ الإعلام مساره المستقل الطبيعي، ويستمر في شق طريقه كسلطة حيادية مستقلة عن الحكومة وليست وزارة علاقات عامة لترويج منجزاتها. ومن خلال جميع ما سبق أعتقد أن البنية التحتية باتت جاهزة الآن لوزارة مستقلة تعنى بالشأن الثقافي، كما هو الأمر في غالبية دول العالم، حيث للثقافة وزارة مستقلة تشرف وتدعم وتفعل العديد من المشاريع الثقافية، وايضا يصب داخل مسارها ويثريه جهات مدنية مساندة وداعمة. ويبدو أن أهم تحد ينتظر وزارة الثقافة القادمة، هو تفعيل الاستراتيجية الثقافية الوطنية حبيسة الإدراج، حتى لايصبح العمل الثقافي المحلي لدينا قائما على المجهودات الفردية التي تزول بزوال أصحابها، وتبدأ كل قيادة من الصفر، دون تكوين ركام يستثمر في الكثير من الخطط المتتابعة. سبق أن كتبت هنا أن الثقافة هي مطلب حيوي ومهم للمرحلة، والفعل الثقافي هو تشجير للفضاء المدني لمواجهة هجمات الرمال والتصحر والهمجية، المتمثلة في التيارات المتطرفة التي تريد أن تتقهقر بالمكان إلى بدائية الغاب والناب. فالثقافة قيمة حضارية تقاس بها ومن خلالها مدنية وتحضر الشعوب، والمملكة تنتظر منا فعلا ثقافيا يليق باسمها ودورها ومكانتها العالمية. لمراسلة الكاتب: oalkhamis@alriyadh.net
مشاركة :