ألا تستدعي التراخيص النفطية المقارنة بين عراقي حافظ على مصلحة بلاده وآخر فرط فيها، وإن كان ذلك يهوديا وهذا مسلما، فالمواطنة والشعور بالانتماء إلى الوطن يجعلان الفرد يفضل مصلحة بلده على ما سواها من المصالح. الثلاثاء 2018/05/29 من يحافظ على ثروة العراق استذكر العراقيون، وهم يقرأون الطلب الذي قدمه خبراء نفطيون عراقيون إلى الرئاسات الثلاث العراقية يعارضون فيه نتائج جولة التراخيص النفطية وعقودها الأخيرة ويرفضونها، أول وزير للمالية في العراق واستمر كذلك لحكومات عدة، وهو الوزير اليهودي العراقي حسقيل ساسون. الطلب المذكور استدعى إلى أذهان العراقيين مقارنة موضوعية بين عراقي يهودي جلب الخير لاقتصاد بلده، ووزير آخر مسلم هو حسين الشهرستاني الذي ارتبطت باسمه جولات التراخيص هذه، والذي جلب الأذى لاقتصاد العراق بها. يروى عن حسقيل ساسون أنه أصر على شركة النفط البريطانية المسجلة، يومها، باسم “شركة النفط العراقية التركية” بدفع حصة العراق بالذهب (الشلن الذهبي) بدلاً من الباوند الإنكليزي الورقي، فاستخفوا طلبه، إذ كان الباوند الإنكليزي (السترلنغ) أقوى عملة في العالم، وسخروا منه واتهموه بأنه رجل قديم. لكن حسقيل هز رأسه، وقال لهم “نعم هكذا أنا.. سامحوني، رجل مُتحجر الفكر ومن بقايا العهد العثماني، رجاء ادفعوا لنا بالذهب”. فضحكوا عليه ولكنهم طيبوا خاطره ووقّعوا على الدفع بالذهب، وسرعان ما ثبت أن حسقيل ساسون كان أعلم منهم جميعا، فبعد سنوات قليلة تدهور الباوند الإسترليني بالنسبة للذهب، ولم تجد شركة النفط مفرا من الدفع للعراق. كانت النتيجة أن ظل العراق يكسب ملايين إضافية بسبب تفوق الذهب على العملة الورقية الإنكليزية. وبالمقابل يبين طلب الخبراء النفطيين الذي وقعته أسماء كبيرة مهمة في القطاع النفطي، أنهم بعد اطلاعهم على نتائج جولة التراخيص النفطية الأخيرة (الخامسة) وتحليل العقود الخاصة بها، يعلنون رفضهم لنتائجها ويطالبون بعدم المصادقة على أي من عقود هذه الجولة وعلى العقد الخاص بحقل شرق بغداد، لأنهم قيموا، مهنيا وموضوعيا، العقود المذكورة والتصريحات المنشورة لمسؤولي وزارة النفط فكانت نتيجة التقييم سلبية للغاية، إذ وجدوا أن تلك العقود تمنح امتيازات مالية سخية للشركات النفطية الأجنبية ضد مصلحة العراق مما يكلفه المليارات من الدولارات كتنازل من عوائده الصافية للشركات. ورأى الخبراء أن وزارة النفط ارتكبت أكثر من خطأ ستترتب عليه نتائج مالية كبيرة لصالح الشركات الأجنبية ونتائج كارثية على العراق، ومن أكبر أخطاء الوزارة وأكثرها خدمة للشركات الأجنبية وإضراراً بمصلحة العراق، هي معادلة تحديد العائد الصافي وحصة الشركة الأجنبية منه، إذ اعتمدت الوزارة سعر 50 دولاراً للبرميل كأساس لسعر النفط، وذلك باعتماد معدل برنت خلال السنة الماضية وكان بحدود 57 إلى 58 دولاراً مطروح منه 7 دولارات. شدد الخبراء على أن هذه الطريقة تمثل أخطاء فادحة لا تغتفر للأسباب الآتية: إن مدة هذه العقود تتراوح بين 20 و25 عاماً بالنسبة لعقود التطوير والإنتاج و34 عاماً بالنسبة لعقود الاستكشاف والتطوير والإنتاج. فهل من المنطقي اعتماد معدل سعر النفط لسنة واحدة فقط أساساً لهذه العقود طويلة الأمد؟ بالتأكيد ليس منطقياً ولم نقرأ أو نسمع مطلقاً مثل هذه الطريقة لعقود نفطية تبلغ عوائدها مئات المليارات. وتشير المعلومات الرسمية للوزارة ذاتها أن معدل سعر تصدير النفط العراقي، منذ يوليو 2008 ولغاية أبريل 2018، كان 74 دولاراً للبرميل، أي 48 بالمئة أعلى من السعر الذي اعتمدته الوزارة، فلماذا أهملت هذه الإحصائيات الرسمية ولم يُسترشد بها؟ من أوليات علم الإحصاء والتحليل الاقتصادي وممارسات التقييس أن يتم اختيار سعر أو سنة الأساس بعناية فائقة وبعد إجراء اختبارات عديدة ولا بد من تجنّب الفترات غير الاعتيادية. وكان عام 2017 غير اعتيادي بدليل اتفاق الأوبك الذي وضع حدا لانهيار أسعار النفط التي بدأت بالتحسن منذ منتصف العام. فلماذا تم تجاهل هذه الأساسيات العلمية المعروفة؟ معظم التوقعات الخاصة بأسعار النفط التي تجريها المؤسسات الدولية المرموقة تشير إلى ارتفاع أسعار النفط من الآن فصاعداً وبالتأكيد فوق مستوى 50 دولاراً للبرميل سواء في المدى القصير أم المتوسط أم البعيد. فمعدل سعر النفط العراقي خلال الأربعة الأشهر الأخيرة من هذا العام كان 61.85 دولا، أي 23.7 بالمئة فوق سعر الأساس المستخدم في عقد جولة التراخيص. ألا يستدعي ذلك كله إلى أذهان العراقيين المقارنة بين عراقي حافظ على مصلحة بلاده، وآخر فرط فيها، وإن كان ذلك يهوديا وهذا مسلما، فالمواطنة والشعور بالانتماء إلى الوطن يجعلان الفرد يفضّل مصلحة شعبه وبلده على ما سواها من المصالح.
مشاركة :