نقيق الضفادع وتغريد البلابل

  • 5/30/2018
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

هل صراع البشر لعنة أبدية؟ منذ فجر الخليقة حتى اليوم وهم يتصارعون فوق الكوكب الملعون. وغداً سيتصارعون للهيمنة على مناطق نفوذ الجغرافيا الفضائية وثرواتها الكونية! هل هذا استشراف لصراع حضارات فضائية مستقبلية ؟ الحضارات لا تتصارع. المتصارعون هم أعداء الحضارات. المصالح تتصارع. الجهالات بكل أشكالها تتصارع. الجغرافيا تتصارع. كذلك التاريخ كما يدوِّنه مؤرخو السلطان، والأديان كما يوجّهها ويُمذهبها فقهاء الحكام. الكل يدعو إلى حوار الحضارات. تُؤَسَّس له المراكز والمعاهد والندوات والمؤتمرات للتقارب والتصالح والإخاء... لكن يبقى هناك في الخفاء من يُلقي بحطب الفتنة في المواقد ليبقى سعيرها متأجّجاً. هؤلاء هم ورثةُ «نيرون» عاشق الحرائق. هناك من يحاول مخلصاً أن يطفئ نيران نيرون، ولكن يأبى بعضهم إلا أن تبقى متأججة؛ فلأول مرة يزور كبار رجال الإكليروس المسيحيين مهد الإسلام بهدف تأسيس حوار حضاري جديد وحقيقي بين الإسلام والمسيحية لمحاربة التطرف والإرهاب بأشكاله كافة. اليهودية فجر شريعة التوحيد الأولى، رغم أن إخناتون، وهو ليس بنبي، كان الصوت التوحيدي الصارخ في وادي النيل. ولم تأت المسيحية إلا لتكمّل الناموس. وجاء الإسلام متمماً مكارم الأخلاق قبله.فلنقرأ ما رواه المؤرخون عن نصارى الجزيرة العربية. ولنتأمل في لقاءات نبينا صلى الله عليه وسلم بالقس ورقة بن نوفل في مكة. ولنقرأ صور التسامح الإسلامي الحضاري مع اليهود في وثيقة المدينة «إن من تبعنا من يهود فله النصر والأسوة غيرَ مظلومين ولا متناصَرٍ عليهم...». ومع النصارى في وصية أبي بكر رضي الله عنه إلى أسامة بن منقذ حين توجه إلى فتح الشام، وهي من أروع الأمثلة على فروسية أخلاق الحروب ونُبل مقاصدها الإنسانية، وتسامح المسلمين مع الشعوب التي سيفتحونها وبخاصة النصارى؛ «فلا غدرَ، ولا قطعَ لنخلة أو شجرة مثمرة، ولا ذبحَ لشاة أو بعير أو بقرة، إلا لمأكَلَةٍ، ولا قتْلَ لطفل أو شيخ أو امرأة (اسمعوا يا طغاة العصر!) ولا تعرُّضَ للرهبان والقساوسة في صوامعهم ( تذكّروا دينكم أيها الإرهابيون الظلاميون)!» ولنا في العهدة العمرية لأهل إيلياء (بيت المقدس) أروع مثل على التسامح الحضاري الإنساني. وكذلك سياسة عمرو بن العاص ومعاهداته مع أقباط مصر. ومن يقرأ عنها رأي مؤرخ حضاري كبير: غوستاف لوبون في كتابه «حضارة العرب» يقف على جوهر التسامح الإسلامي في بلاد الفتوحات. إرهابيو العصر دمروا أهم روائع تراث تدمر في سورية، وآثار الآشوريين في العراق. نهبوا كنوز حضارتنا وباعوها في سوق تجار الحروب. قطعوا رأس تمثال المعري في بلدته معرة النعمان وخرّبوا متحفه. والحمد لله أنهم لم يصلوا إلى كنوز مصر العريقة التي حافظ عليها العرب المسلمون بعد الفتح... هل أنتم مسلمون، أو حتى بشر أيها الإرهابيون؟في السعودية اليوم رؤية إسلامية حضارية متنورة جريئة: حركة إصلاحية جذرية على المستويات كافة... ومع ذلك تنعق الغربان في غاباتها، وتنعب البوم في خرائبها، وتنق الضفادع في مستنقعاتها، نادبة مرةً الجمود والتحجر والتزمت والتخلف، ومرة أخرى التطور والتحديث!  فليكن حوار الحضارات بدل صراع الجهالات. والتسامح بدل التعصب. والإنسانية بدل العنصرية. والنور بدل الظلام! وتغريد البلابل بدل النعيب والنعيق والنقيق.* شاعر وناقد سوري

مشاركة :