مازلنا مع المستشرق الألماني كارستن نيبور في رحلته للجزيرة العربية ضمن مجموعة من العلماء الدنماركيين الذين أرسلوا من ملك الدنمارك فردريك الخامس عام 1762م ومكثوا فيها عدة سنوات قبل أن يتساقطوا واحداً تلو الآخر حتى كان نيبور الناجي الوحيد. ويستمر الحديث عن علم التنجيم الذي كان جزءاً من تراثهم الشعبي العقائدي المتوارث وما يرتبط به من خرافات أكد نيبور أنها تستغل في بعض بلاد العرب للضحك على الناس واستغلال عقول السذج منهم للحصول على المال أو الترويج لمذاهب باطلة كما يفعل جماعة الشيخ بدر الدين فيقول إنه قد أخبر عالم فلك عربي شهير في بلاده بأن أحداً في أوروبا لا يولي علم التنجيم أي اهتمام فاعترف له بأنه هو لا يستطيع الاعتماد عليه بيد أن هذه المهنة تدر عليه أموالاً طائلة وظن أنه يبرر نفسه حين قال: لا يبغي الناس إلا أن تتوافق حساباتي مع رغباتهم إذ إن كثيراً من المسلمين للأسف يؤمنون بمثل هذه الخرافات التي تشيع عند بعض المذاهب شمال جزيرة العرب وعلمت أن هؤلاء لا يقدمون على أي خطوة مهمة ولا يبرمون عقداً قبل أن يعدوا أزرار ثيابهم أو حبات مسبحتهم ما يجعلهم طريدة سهلة للتجار المحتالين ( عد أزرار الثوب وخرز المسبحة طريقة يبدأ فيها العد ويكرر قائلاً لنفسه مثلاً: اقدم .. امتنع .. والكلمة التي يتوقف عندها العد بانتهاء عدد الأزرار أو الخرز يعتبرها أمراً ويلتزم به). ولإقناع السذج من العرب فإن قديساً في بغداد وآخر في شمال اليمن كانا يدعيان أنهما كانا يصليان صلاة الظهر يومياً عند الكعبة من دون أن يغادرا منزليهما بقية النهار وادعى تاجر من الحجاز أنه تعرض لخطر الغرق فربط ورقة بشراع السفينة وفقاً للطقوس المتبعة فهدأت السفينة. وفي هذا السياق يصل نيبور إلى «القرة» التي يظنها جزءاً من علم السيميا التي تحدثنا عنها في الحلقتين الماضيتين والقرة يعتقدون بأنها تعلم كيفية صنع الأوراق التي تحمي من الحسد ومن الحوادث وإصابات الرصاص ويحمل بعض ضحايا هؤلاء القديسين من العرب هذه الأوراق في أكياس جلدية تربط على قلنسواتهم أو أذرعتهم أو صدورهم أو يجعلون منها عقداً يربطونها حول أعناق الجياد والبغال والحمير ومنها ما يدعون بأنه يهدي الحيوان وأخرى تزيد شهيته ورأى أحدهم يعلق كيساً ضد الحسد في أغصان شجرة عند مدخل حديقة مسجد ورأى آخر في القلعة عُلق ضد نقيق الضفادع وحاولوا إقناع نيبور بأن النقيق قد اختفى منذ علق الكيس. وقد اختار أحد زعماء العائلات في بلد عربي يوماً محدداً في السنة وبحسب نيبور لتوزيع عدد من هذه الأوراق مجاناً لطرد الذباب من الغرف. لكن كي تحافظ هذه الأوراق والتعاويذ على فاعليتها يجب أن تؤخذ في يوم محدد قبل شروق الشمس وأن يبقى الرسول صائماً عن الطعام ولا يفتح فمه إلا حين عودته. مع هذا فيندر أن يسمع بأن هذه الغرف لا تعرف الذباب والبعوض. مؤكداً أن غالبية من يطلب هذا العلاج هن النساء المسنات اللواتي يظنن أنهن من تغاضين عن بعض الشروط المطلوبة ولم يلتزمن بها حين يفشل العلاج. لذا يكثر الطلب على هذه التعاويذ في اليوم المحدد من كل عام وليس شرطاً أن يكتبها مسلم كما يقول فالناس يتهافتون أيضاً على الأوراق التي يكتبها المسيحيون واليهود. وصادف نيبور فلاحة تحمل قطعة نقدية صغيرة من الفضة حفرت عليها بعض الحروف العبرية وكانت تعتبرها كنزاً لأنها تحميها بحسب اعتقادها من الكراهية والحسد. ينتقل بعد ذلك إلى ما يسمى علم الرمل وهو كما يقول جزء من علم السيميا والذي وجده يمارس بكثرة ويدّعون فيه معرفة مستقبل المرء ومصيره وإذا ما أصاب المرء مرض يتصفح الشيخ كتابه ليعرف إن كان المريض سيشفى ويتقاضى على ذلك أجراً على شكل ديك أو نعجة. وتعتبر مثل هذه الممارسات جريمة بالنسبة للمدارس السنية لأنها وسيلة تكرس حيل سرقة الناس والاستيلاء على أموالهم بالباطل وبلا نفع. في الختام يذكر ضمن كتابه وصف أقاليم شبه الجزيرة العربية عادة جاهلية لا تزال باقية في أوساط العرب والبدو الذين يتحدثون كثيراً عن ما يسمى بأيام السعد وأيام النحس ويعتبرون أيام الاثنين والخميس والسبت أياماً مواتية للسفر.
مشاركة :