الترغيب في العمل الصالح عند فساد الزمن عن أبي أُمية الشعباني قال: سألت أبا ثعلبة الخشني قال: قلت: يا أبا ثعلبة كيف تقول في هذه الآية: {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ} قال: «أما والله لقد سألت عنها خبيراً، سألت عنها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: «ائتمروا بالمعروف»، وانتهوا عن المنكر، حتى إذا رأيت شحّاً مطاعاً، وهوى متبعاً، ودنيا مؤثرة، وإعجاب كل ذي رأي برأيه، فعليك بنفسك، ودع عنك العوام، فإن من ورائكم أيام الصبر، الصبر فيهن مثل القبض على الجمر، للعامل فيهن مثل أجر خمسين رجلاً يعملون مثل عمله». رواه ابن ماجه، والترمذي، وقال: حديث حسن غريب، وأبو داود، وزاد: «قيل يا رسول الله: أجر خمسين رجلاً منا أو منهم؟ قال: «بل أجر خمسين منكم». وهذه الزيادة عند الترمذي أيضاً، والخطاب في الحديث لا يشمل السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، من أهل بدر، وأهل بيعة الرضوان، وأمثالهم، فهؤلاء لا يطمع أحد بعدهم في بلوغ منزلتهم، ولكنه يستثير همم العاملين للإسلام اليوم في أجواء الفتن المتلاحقة، بما وعدهم الله على لسان رسوله من الأجر المضاعف.. أجر خمسين في عصور النصر والازدهار. وقد تحقق ما نبّأ به الرسول الكريم، فأصبح العامل لدينه الصابر عليه كالقابض على الجمر، فهو يضطهد في الداخل ويحارَب من أعداء الله من الخارج، وتجتمع كل قوى الكفر على عداوته والكيد له، وإن اختلفت فيما بينها، والله من ورائهم محيط. الترغيب في القليل الدائم خير من الكثير المتقطع عن عائشة رضي الله عنها قالت: «كان لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- حصيرٌ، وكان يحجره بالليل فيصلي عليه، ويبسطه بالنهار فيجلس عليه، فجعل الناس يثُوبون إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فيصلون بصلاته حتى كثروا، فأقبل عليهم فقال: «يا أيها الناس خذوا من الأعمال ما تطيقون؛ فإن الله لا يملّ حتى تملوا، وإن أحب الأعمال إلى الله ما دام وإن قلّ». وفي رواية: «وكان آل محمد إذا عملوا عملاً أَثْبَتُوه». وفي رواية قالت: «إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سُئل: أي الأعمال أحب إلى الله؟ قال: أدومه وإن قل». وفي رواية: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «سددوا وقاربوا، واعلموا أنه لن يدخل أحدكم عمله الجنة، وإن أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قلّ». رواه البخاري ومسلم. وعن أم سلمة قالت: «ما مات رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى كان أكثر صلاته وهو جالس، وكان أحب العمل إليه ما داوم عليه العبد، وإن كان شيئاً يسيراً- رواه ابن حبان في صحيحه. ومن ينظر في هذا الحديث يجد نساء النبي هنّ أكثر الراويات لهذه الزيادات، التي يجد الرسول فيها نفسه في بيته، يضرع إلى ربه يصلي ما شاء الله. الترغيب في اجتياز العقبة الكؤود التي لا يقطعها إلا المخفون من الفقراء والمستضعفين عن أبي الدّرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن بين أيديكم عقبة كؤوداً لا ينجو منها إلَّا كل مخفٍّ»، رواه البزار بإسناد حسن(). وعن أم الدّرداء عن أبي الدّرداء رضي الله عنهما، قال: قلت له: «ما لك لا تطلب ما يطلب فلان وفلان؟» قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن وراءكم عقبة كؤوداً لا يجوزها المثقلون»، فأنا أحب أن أتخفف لتلك العقبة. رواه الطبراني بإسناد صحيح. «الكؤود»: هي العقبة الصعبة وعن أبي أسماء أنه دخل على أبي ذر، وهو بالرَّبذة، وعنده امرأة سوداء مشنعة (متفرقة الشعر) ليس عليها أثر المحاسن، ولا الخلوق. فقال: ألا تنظرون إلى ما تأمرني هذه السويداء؟ تأمرني أن آتي العراق، فإذا أتيت العراق مالوا عليّ بدنياهم، وإن خليلي -صلى الله عليه وسلم- عهد إلى أن دون جسر جهنم طريقاً ذا دحض ومزلة، وإنا إن نأتي عليه وفي أحمالنا اقتدار واضطمار، أحرى أن ننجو من أن نأتي عليه ونحن مواقير» رواه أحمد، ورواته رواة الصحيح.;
مشاركة :