رقابة مواقع التواصل لا تترك هفوة لصناع الدراما دون ملاحقتها

  • 6/1/2018
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

القاهرة - يظهر ممثل بشارب ولحية في لقطة، وفي المشهد التالي يكون دونهما. وآخر يطلق النار من مسدس وهو يمسك به من خلف الزناد. وثالث في امتحان وحوله زملاء تتغير ملابسهم في اللقطة التالية وهم في نفس الزمان والمكان. خلافا للشامات التي تظهر وتختفي عند نجم من لقطة إلى أخرى. جميعها عيّنة بسيطة من أخطاء جسيمة وقع فيها صناع الدراما الرمضانية هذا الموسم، وساهمت مواقع التواصل الاجتماعي في كشفها وانتشارها وأصبحت هذه الأخطاء حديث الصفحات الفنية ومصدرا للسخرية مرة، واستياء من استهتار القائمين على الأعمال الفنية وعدم احترام الجمهور، مرة أخرى . وتحّول الناشطون الشباب على الإنترنت إلى نقاد فنيين، يلتقطون الأخطاء والسقطات المهنية للأعمال الدرامية ويساهمون في نشرها، في ظاهرة تشبه “القارئ الصحافي”، بينما يعتقد خبراء في الإعلام أنها سمة العصر، وهي كفيلة بإجبار العاملين في هذا المجال على تحري الدقة والمزيد من الإتقان. فلم يعد ممكنا إعادة إنتاج أعمال سابقة على أنها جيدة. ولم يعد هناك مجال للسرقة، أو حتى الاقتباسات. ويرجع هؤلاء أسباب اهتمام الشباب بالأعمال الدرامية ومناقشة قضية مسلسل أو أزمة في التصوير أو الإخراج، إلى تحول مواقع الإنترنت إلى شاشة عرض أولى لتلك الأعمال، بعدما أصبح المشاهد يهرب من كثافة الإعلانات التجارية بالمشاهدة السهلة والمتواصلة على مواقع العرض الإلكتروني المتعددة . وأثارت مشاركة الشباب بآرائهم في المسلسلات، حماس قطاعات أخرى للنظر إلى جوانب أبعد من مجرد النقد السطحي أو التعليق على قضية أو حبكة ما، لتشمل زوايا إخراجية ولغة السيناريو وطريقة العرض والتقديم. ويقول محمود النجار، طالب جامعي، أتابع مسلسلات كثيرة في رمضان هذا العام من خلال يوتيوب، ولفت نظري غياب منطق في بعض الأحداث الدرامية، وأشعر بأن من أعدوا السيناريو والحوار تجاهلوا عقلية المشاهدين. وأضاف لـ”العرب” في مسلسل “كلبش 2” وجدت أن البطل سليم النصاري، الذي يقوم بدوره الفنان أمير كرارة، يتعرض إلى طلق ناري كثيف في جميع أنحاء جسده، ويتم نقله إلى المستشفى ثم يعود محافظا على لياقته السابقة. وتؤكد زينب حسن، مهندسة معمارية، أنها استفادت من الانتقادات للأعمال الفنية التي قرأتها على مواقع التواصل، وهو ما جعلها تعيد النظر في طريقة المشاهدة وتدقق في التفاصيل، وأصبحت قادرة على اكتشاف أخطاء دقيقة لم تكن مهتمة بها من قبل. وتوضح لـ”العرب”، أن الجمهور أصبح يتجاهل الأعمال التي لا تحترم عقله، فالأخطاء الساذجة ليست فقط دليل تسرع، لكنها كاشفة على مدى الإتقان في العمل بشكل عام. الجمهور أصبح يتجاهل الأعمال التي لا تحترم عقله، فالأخطاء الساذجة دليل تسرع وتدل على مدى الإتقان في العمل ولم يعد المنتجون والمخرجون أمام طريق ممهد للهروب من الأخطاء أو عدم إتقان العمل بسبب ضغط الموسم الرمضاني، الذي يقال إنه يتسبب في وقوع الكثير من الأخطاء، وأكثرها فداحة التاريخية. وأبرز الأمثلة عما فعله مجموعة من المؤرخين الذين كشفوا عن أخطاء جسيمة في مسلسل “سرايا عابدين” الذي عرض منذ عامين، ما تسبب في عدم استكمال الجزء الثاني منه. ويبرر بعض المخرجين السقطات المتكررة بضيق الوقت وضغط العمل وضرورة سرعة التنفيذ للحاق بمواعيد العرض، لأن الأعمال الرمضانية تلقى اهتماما مضاعفا من صناعها، لأنها تعرض على شريحة جماهيرية عريضة للغاية. وهو ما لا يراه المتابعون مقبولا إذا رغب صناع العمل الحصول على أكبر قدر من المشاهدة، وعليهم تقديم القدر الأكبر من الجودة والتركيز. ولا يتهاون مستخدمو الإنترنت مع أي عمل حاليا، ويسرع هؤلاء في نشر المقاطع التي تحتوي على الأخطاء والسقطات مصحوبة بنقد لاذع للمخرج أو الممثل. ويقول عبدالله حسن، خبير آثار، إن مسلسل “طايع” للفنان عمرو يوسف تعرض لوابل من النقد للبساطة والخفة اللتين تناول بهما قضية سرقة الآثار، وكأن العصابات تستطيع العثور كل يوم على مقبرة أثرية. ويشير لـ”العرب” حتى لو كان العمل يريد إزاحة الستار عن جانب مسكوت عنه، كان عليه تحري الدقة في شكل المقبرة وإلى أي عصر تعود، وطبيعة الآثار الكامنة تحت الأرض، فلا يعقل أن نصدق اللقطات التي تؤكد امتلاك عمدة القرية لمخزن أثري بمنزل كبير، يفوق ما تحتويه بعض المتاحف. وتضر مثل تلك الأخطاء بمصداقية العمل، مهما كانت جماهيريته وتسيء لصورة أبطاله. وإذا كانت وقعت أثناء التصوير، فلماذا لم تحذف في عملية “المونتاج” التي يتابعها المخرج والممثلين الحريصين على الصورة التي يظهرون بها في العمل؟ ويرى بعض النقاد أن ثقة المشاهدين في الصورة التي كان يبدو فيها الناقد صوت وعين الجمهور، أصبحت مفقودة بعد أن أثّرت المصالح الشخصية والمكاسب الخاصة والمجاملات على تقييم الأعمال بموضوعية. وأرخت علاقة الصداقة التي تربط بعض النقاد بالفنانين بظلالها السلبية على ثقتهم بهم. ومنهم من يكيل المديح بلا مبرر لفنان أو فنانة، ومنهم من يتفنن في الإطراء على أعمال غير جماهيرية لمحاولة منحها الأوكسجين الصناعي. وساهمت الفجوة بين النقاد والجمهور في زيادة تواصل متابعي الأعمال على مواقع التواصل، ويتناقشون حول ما يعنيهم فنيا بلا حرج أو مجاملات. وتحول الأمر إلى حالة مقلوبة وبدأت الصحافة تنقل عن الجمهور وتتابع ما يرصده. وأصبح المشاهدون هم النقاد الحقيقيون. وربما تستمر تلك الحالة خلال الأعوام المقبلة في ظل عدم حدوث تغير حقيقي داخل المنظومة النقدية للدراما. ويعتبر المتابعون أن الأعمال الكبيرة تصنعها التفاصيل الصغيرة. لذلك فالإهمال قد يضع صناع الدراما أمام حرج كبير. وما لم يتم الإتقان ستصبح مواقع التواصل سيفا مسلطا على رقاب الجميع. وبسبب انتشارها بات تأثيرها خطيرا، بعد نجاحها في رفع أو خفض بعض الأعمال الفنية.

مشاركة :