تردد سجال قريب بين الاتحاد السعودي لكرة القدم ووسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي حول حكاية السماح للعائلات السعودية بدخول الملاعب وحضور المباريات. فقيل إن الأمر مقصور فقط على دخول العائلات الأجنبية لحضور منتخبات بلادها، فما كان من عدسة مصور «العربية نت» إلا أن التقطت صورة لسيدة «مبرقعة» برفقة فتاتين محجبتين تجلسان معها في مدرجات الملعب لمتابعة المباراة، فهل وقف الأمر عند حدَّي النفي والإثبات؟ الموضوع أكبر وأهم من تسجيل المواقف ويستحق المناقشة والحوار، فالتركيبة العامة للشخصية السعودية لم تعد هي نفسها في تفكيرها وتعاطيها مع شؤون الحياة وإن كنا مصرّين -طبعاً- على أننا لم نتغيّر، وكأن التغيير لعنة يجب أن ننكرها لنتطهر. ولكن نعم، نحن تغيّرنا، ولا تستطيع أن تدّعي -وأنت لست جماداً- أنك وبكل التقنيات التواصلية من حولك وبين يديك لم يختلف فيك شيء. هذا التغيير من المنطقي أن يطاول أيضاً المرأة، لكونها كائناً حياً يسمع ويرى ويتفاعل مع تعاقب الظروف واختلافها. فكيف نتوقع أن تتعاطى المرأة -ولا يستثنى الطفل معها- بأسلوب الزمان الأول وثقافته نفسيهما؟ المرأة اليوم تئن إلى مجتمع يحتوي تغييرها وقوانين تحمي سد حاجاتها، فهل خطر على بالنا أن التمتّع بالحياة في قائمة هذه الحاجات؟ وهو ليست وقفاً على امتلاك الأموال والسفر إلى خارج الوطن للبحث عن السعادة بساعات مسروقة من حياة مجتمعات أخرى، فمن حقي كمواطنة لها الأهلية أن أتمتع بكامل الأحقية في أبسط المتع البريئة على أرضي، وفي مقدمها الرياضة، خصوصاً أنها موجودة ولن أختلقها. تمحورت حياة السعوديين حول هواية كرة القدم ومنافسة فرقها ومبارياتها، فلِمَ تستثنَى المرأة من هذا الجو؟ أليست هي جزءاً منه، وتعيش فيه؟ فلِمَ نصرُّ على منعها مما يسعدها وبالإمكان بشيء من التنازل والرحمة أن يتسع المكان لها ولأطفالها معها؟ فهذه الملاعب التي امتلأت بالشبان والرجال، لِمَ لا يعاد تشكيلها مع إمكاناتنا المادية الهائلة بحيث تصبح فرصة ينتظرها الجميع ومهيأة للجميع؟ فخذ عندك مثلاً ملعب «يانكي» في نيويورك، وقد أعد بتصميم غاية في العملية، بحيث تتوافر في المكان الذي يقبع خلف المدرجات مطعم مجهز على أعلى المستويات لألذ «بوفيهات» الطعام التي تتجدد بتشكيلة أصنافها ومشروباتها وحلوياتها على مدار الساعة، بشاشات عرض كبيرة منتشرة في المكان لمتابعة ما يجري على أرض الملعب، بأبواب ومخارج تؤدي إلى المدرجات، بصحون مخصصة لحفظ الأكل -فلا يسقط ويتناثر منها- تتيح للمتفرج حملها إلى مقعده في المدرج أو الاكتفاء بهواء المكيف البارد في صالة الطعام الخلفية. فيكون لك الخيار بالجمع بين الاثنين، وبخاصة في استراحة الشوطين، وهي مناسبة لاجتماع العائلات تحت مظلة قوانين تَحفظ لها تجمُّعَها وتحاسب المعتدي على تخطي حقوقها. فماذا عن رياضة كرة المضرب (التنس) وهي من أرقى أنواع الرياضات؟ فإن اعتبرنا كرة القدم للرجال، فبالإمكان أن يخصص التنس للسيدات. وكما أن هناك الدورة المفتوحة للتنس باسم «الدوحة أوبن»، و «دبي أوبن»، يكون لدينا «جدة أوبن» بجوائزها على ساحل البحر الأحمر، ويجوز أن نقسّمها إلى دورات مخصصة للنساء، وأخرى للرجال تسمح بدخول العائلات ومتابعة المباريات. ولنأخذ «يو إس أوبن» وكيف تحرص اللجنة المنظمة باختيار المتطوعين المسجلين على موقعها في الإنترنت بعد فحص سيرتهم الذاتية، والمتاحة لكل الأعمار ولأفراد المجتمع كافة للمشاركة في التقاط كرات اللاعبين الأساسيين وتدريب الأطفال (من يأتي بهم والداهم) على رمي كرة المضرب والقفز فرحاً في الهواء لالتقاطها في ملاعب معدة للتمرين، ثم الجلوس لاحقاً مع أهاليهم على المقاعد لمتابعة اللاعبين في مبارياتهم. هذه المتعة بحد ذاتها لها ضرورتها القصوى في تشكيل ذهنية الطفل على الارتباط العائلي (بأمه وأبيه) وأهمية وجود الرياضة في حياته، والتي كان له معها أجمل الذكريات منذ صغره، وهذا مجرد مثل. وباستطاعة الرئيس العام لرعاية الشباب -وهو الشاب- الخروج بأمثلة عدة لمشاريع لو طبقت فستجيّر لتاريخه الرياضي بلا شك. ولنبدأ بمحاكاة «يو أس أوبن» لكرة المضرب واستضافة المصنفين العالميين على أرضنا، وليُسمح لجمهور العائلات بمتابعة المباريات، فلربما يرتقي ذوقنا الرياضي عندها، ونفهم كيف يكون احترام الصمت في الملعب. suraya@alhayat.com
مشاركة :