أبهرتنا التكنولوجيا بتقنياتها الغريبة وطفراتها التي تذهل العقول وتسرق الأنظار دون وعي بأن تلك المغريات لها ثمن! ثمن يقودنا إلى مستقبل يرسمه الآخرون لنا، وتخط تفاصيله أنامل غريبة ربما لا تتمنى لنا الخير! فهل تعلم أيها القارئ العزيز أنك تعيش في عالم مراقب بكاميرات تتتبع خطواتك وبأدق التفاصيل، نعم فهذا أحد الأثمان التي أجبرتنا التكنولوجيا على دفعه من خلال وسائل مختلفة مجانية بأسماء متباينة، فتارة أطلق عليها تحسين الخدمة، وأخرى لإيجاد جهازك الضائع، أو لإعطاء خدمات الطقس، أو لميزة في سيارتك تضيف عليها فخامة، أو للعبة أذهلت العقول وأمتعتها (من أشهرها لعبة البوكيمون–جو)، وأخرى المساعدة للوصول بأمان ومعرفة أماكن الزحام، وأخرى وأخرى، كلها تهدف إلى جمع معلومات أكثر وتحصيل بيانات أدق منك ومن غيرك كي تكتمل الخريطة المستقبلية لتلك الشعوب، فلا يوجد شيء مجاني في عالم التقنية، ودوما المستخدم هو السلعة الأكثر كفاءة والأرخص سعرا. فقد اختلفت طرق جلب البيانات ووسائلها، ومن أشهرها تقنيات رصد المواقع الجغرافية التي تحدد موقعك الحالي والمواقع التي تتردد عليها في التاريخ والوقت، ورصد الصور أحيانا وبيانات أخرى، فتنوعت تقنياتها لتشمل الأجهزة التي تحتوي على الـGPS مثل الهواتف مثل الـiPhone وAndroid والسيارات الحديثة والكاميرات الرقمية، إضافة إلى تقنيات A-GPS وGPS Ping وPing SMS وإشارات الأبراج والشبكات اللاسلكية وأجهزة التوجيه (Routers) وغيرها. تقوم هذه التقنيات بالكشف عن بيانات المستخدم على غرار التاريخ والتوقيت والموقع الجغرافي، وهذا ما يسهل عملية التعرف إلى تحركات مُستخدمه، إذ تُعرف مثل هذه البيانات بـ"البيانات الوصفية" metadata، التي يمكن الربط بينها لاستنباط هوية المُستخدم والتعرف إلى نشاطه. كما أن معظم التطبيقات وخصوصا تطبيقات الشبكات الاجتماعية مثل "الفيسبوك والإنستغرام والتويتر" تحتوي على خاصية التتبع الجغرافي، وهو يكشف عن مكان وجود الأشخاص في الوقت الذي يعتقدون أنهم في مأمن من المتابعة. فتلك البيانات والمعلومات تجمع في أنظمة قاعدة بيانات ضخمة على مر سنوات لتستغل في مجالات سياسية قد تكون أو تجارية، ففي النهاية أنت سلعة توجه حيث كانت المصلحة، فكلنا شاهد على فضيحة شركة "فيسبوك" عندما سربت بيانات شخصية لمستخدميها بصورة غير شرعية للتأثير على الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة عام 2016، ودعم حملة دونالد ترامب وغيرها الكثير من الشواهد. إن المستقبل يتحرك بناء على أنظمة دقيقة تعتمد على البيانات الضخمة (BIG DATA) والتي تدخل في أنظمة ذكاء اصطناعي معقدة لتحليل السلوك وغير ذلك من أدوات وبرامج تذهل التوقع، فمن يصدق أن ما يحدث للشعوب العربية قد تنبأ به قادة اليهود منذ مئات الأعوام ومازال المسلسل مستمراً والشعوب في سبات طويل، فأجهزة الأمن والاستخبارات مثل NSA وشركات الدعاية والإعلان وشركات تحليل السلوك وغيرها هي الرابحة الوحيدة من تجارة التكنولوجيا والشعوب النائمة! * عضو هيئة تدريس في جامعة الكويت
مشاركة :