عـزلـة المثــقف

  • 6/2/2018
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

مازلت تمسك بكتابك المحشو بكلمات فارغة لتقرأه في أوقات انتظارك البائس، وتقتبس ما يعجبك وتحتفظ بالعديد من النصوص الجميلة والرديئة لأنك ستعود لقراءتها مجددًا! مازلت تقرأ روايات نيكوس وميلان كونديرا، وتحفظ أعمال هاروكي موراكامي وتناقشها مع الأصدقاء؟ تحب قصائد هيموريس ولوركا. هل تعجبك كثيرًا كتب فيكتور هيجو وتجدها أعمالًا عظيمة تستحق أن تدرس؟ هل شعرت أنك ذقت مرارة الفقر والتشرد والجوع والرغبة في الانتقام لمجرد أنك قرأت "مذلون مهانون" لدوستوفيسكي؟ وأنت تشاهد مسرحيات شكسبير وغوتة وأنت تقرأ كوخ العم توم أو الحارس في حقل الشوفان، وتتخيل كيف لقدرة كاتب أن تصنع كل هذا التغيير فقط من خلال الكلمات. وأنت تتأمل لوحات رفائيل سانيزو ومايكل أنجلو ومونيه، وتحب الفن والقصائد والمسرح والكتب الفكرية، وتظن أن كل ما تقوم به يغذي عقلك ويصنع منك شخصًا مختلفًا، وتبذل جهدًا مضاعف لملء تفاصيل يومك بما – تعتقد - أنه سيجعلك غدًا شخصًا عظيمًا يستطيع التغيير، عقلك المنهك بكل هذه الأفكار التي جعلت منك شخصًا غير تقليديًا يحب الفن والحياة لكنه دون أن يدرك حولك بائسًا وكئيبًا منطويًا. لم يكن عليك فعل كل هذا، كان يكفي أن تصبح تافهًا بما يكفي لتحول معاناة الآخرين إلى نكتة ساخرة، دون أدنى جهد منك سيجعلك المجتمع المثقف الأرقى في التاريخ. لم يكن عليك أن تتعلم بهدوئك الخاص وأن تتأثر بمشاهدة فيلم العم لساراماغو حينما رأيت كيف تتدنى مستويات الأخلاق الإنسانية عند أول معضلة بشرية، وتشعر أن على شخص ما بالغ التأثير إصلاح كل هذه الفوضى، ولم يكن هناك داعٍ لمناقشة روايات جورج أورويل في ظل تأثير الأحداث السياسية. كان عليك لكي تصبح سعيدًا أن تفرغ عقلك من كل ما يمت للمعرفة بصلة وأن تدير ظهرك لهموم الآخرين لأنها لا تعنيك، ليس عليك أن تدافع عن القضايا الإنسانية. كلما فرغ عقلك اتسعت شفتاك ضحكًا وتفاؤلًا بالحياة. حين تتبنى آلام الآخرين، ستفقد الكثير بما فيهم من أحببت ستكون وحيدًا سيتقلص عدد من يستطيع فهمك، ستكون أنت الهامش.

مشاركة :