مضى القرن المنصرم بخيره وشره بعد أن شهد حربين كونيتين أهلكت ملايين البشر، كان اندلاع الحرب العالمية الأولى (1914 - 1918) بسبب إقدام متطرف صربي على اغتيال ولي عهد النمسا لتشتعل أوربا عن بكرة أبيها ويبلغ التدمير مرحلة غير مسبوقة في التاريخ الإنساني وليهلك ملايين من البشر، وما أن حطت الحرب أوزارها حتى واجه العالم كسادا اقتصاديا عالميا عظيما عام (1929 - 1933) وشهد العالم بروز نجم النازي هتلر، الذي تسلح بمكانة إعلامية ضخمة في ذلك التاريخ. الرجل بلغ في غرور السلطة والعظمة في ظل جيش ذا سطوة قوية في زمانه، شجعه على غزو جيرانه ممثلا بالقوة، لتندلع نيران الحرب المدمرة الثانية (1939 - 1945) بنازيتها وبلشفيتها لتهلك عشرات الملايين من البشر وعم التدمير شرقا وغربا وعرف العالم الانتحاريين من اليابانيين والصينيين في ذلك الزمان لدحر الخصوم، وبذا فإن بدعة الإرهاب الحديث إنما عرفه التاريخ من قبل. تلك الحربين البغيضتين أولاها لم تعرف السلاح النووي والثانية عرفته في أواخر عمرها سلاحا أمريكيا فتاكا لتعلن انتهاء تلك الحرب الضروس لكن العالم لم يتوقف عن الإسراع في امتلاك ذلك السلاح السحري فانضم الاتحاد السوفييتي (السابق) إلى النادي النووي ليصبح العضو الثاني وتتابع الانضمام لتدخله فرنسا، بريطانيا، الصين، إسرائيل، الهند، باكستان، كوريا الشمالية، وإيران على الطريق. المشهد العالمي اليوم بعد أن مر العالم بنزاعات وصراعات وحروب عسكرية وسياسية واقتصادية..الخ، في القرن المنصرم منها حرب الكوريتين، والفيتنامية، العدوان الثلاثي على مصر 1956، حرب الأيام الستة 1967، 1973، منازلة إيران والعراق لثمان سنوات، وسقوط الاتحاد السوفيتي السابق عام 1991 بعد حرب باردة بين الدب الروسي والغول الأمريكي لتغرب شمس ذلك القرن دون أن يشهد المجتمع الدولي حربا وقودها السلاح النووي. لكن في هذا الزمن ومع بزوق شمس الألفية الثالثة تغيرت موازين تسيير دفة العالم أجمع، الولايات المتحدة والاتحاد الروسي بدآ صراع النفوذ، الذي كتب أول سطر في تاريخه السيد بوش الابن باحتلال العراق 2003 باحتياطيه النفطي المؤكد (143) مليار برميل وبقي بوتن يراقب الموقف حتى حانت الفرصة على أرض بلاد الشام ليصبح اللاعب الأكبر على أرض ذلك البلد العربي، فأمريكا احتلت العراق وأودعته رهينة لملالي طهران، والسيد بوتن تضامن مع إيران وتركيا في بلاد الشام، وبقيت أمريكا في الشمال الشرقي من ذلك البلد (الضحية) ولم يتأخر الأتراك عن الركب في تقطيع أوصال الضحية. المشهد العالمي اليوم مع قضية كوريا الشمالية وإيران الذي انسحبت الإدارة الأمريكية من اتفاقية ملفه النووي، يرسل إشارات واضحة لكل ذي عقل سليم، والتاريخ يلقي دروسه بلغة واضحة لكل دولة تملك السلاح النووي، وبالطبع أمريكا وروسيا وإسرائيل في المقدمة وهذه الدول تتصارع على أرض سوريا وأي خطأ غير محسوب قد يكون الشرارة الحمراء لاندلاع حرب كونية ثالثة وإذا كانت روسيا وأمريكا بينهما تفاهما لإبعاد إيران من على الأرض السورية القريبة من الدولة العبرية (مؤقتا) حتى لا تحدث حربا مباشرة بين إسرائيل وإيران، فإن هذا ما هو إلا علاج (موضعي) لا يقضي على المرض. ثم إن السيدين ترامب وبوتن يعلمان علم اليقين أن إيران في جعبتها مشروع خطير مؤداه السيطرة على العراق وسوريا ولبنان واليمن، وهذا هو واقع الحال، ففي العراق أكثر من (44) منظمة تابعة لخامينئي وسوريا وطاغيتها إبن إيران والعلويين ونسبتهم لاتزيد عن (10) في المئة من السكان يدينون لإيران وحزب الله في لبنان مثله مثل بلاد الشام سلاحه وماله من إيران، والحوثيين في اليمن أسلحتهم وأموالهم أيضا من إيران. أليس هذا كافيا لنقول إن منطقة الشرق الأوسط عامة ومنطقة الخليج العربي خاصة هي على فوهة بركان وصانعه قادة إيران ومغذيهم القطبين روسيا وأمريكا وبمقدورهما بالتعاون مع دول الخليج العربي نزع فتيل حرب كونية قادمة، كما أنه بتخاذلهم قد تكون النتائج مخيبة لأمل الجميع، فإيران بمشروعها الذي أعلنته عام 1979 تصدير الثورة لدول الجوار لن تتراجع عنه، وهاهي تتعامل مع جيرانها على هذا الأساس، وتتعامل مع أوربا وغيرها مثلا بأسلوب الدولة، فهي إيران الثورة مع العرب.. وإيران الدولة مع الآخرين. أتذكر أنني قلت في آخر الأسطر من مؤلفي (زلزال الخليج .. نظرة تأمل) الذي صدر بعد تحرير دولة الكويت الشقيقة (إذا كان العدوان على الكويت عراقيا صرفا فقد يكون عدوانا تديره دولة واحدة وقد يكون عدوانا مشتركا تقوم به أكثر من دولة لتحقيق هدف أو أهداف واحدة والمستقبل قد يخبأ بجعبته الكثير فالثروة دافع قوي للعدوان). وها نحن في الألفية الثالثة نشهد تدخلات إيران في بعض دولنا العربية، العراق، سوريا، لبنان، اليمن، البحرين، وحتى دولة الكويت لم تسلم من الخبث الإيراني وهي الجارة التي تحتل الجزر الإماراتية الثلاث. ويبرز موضوع المشهد الكئيب لاندلاع حرب مدمرة لا تبقي ولا تذر عندما نقرأ الواقع الحقيقي على أرض الشام وكيف تتصارع الدول من أجل الإستراتيجية والنفط، ويصبح المشهد أكثر وضوحا عندما نستحضر واقع العرب العراق إلى فدرالية تتغلغل داخله إيران، وأمريكا لها مصالح هناك والأتراك لا يتأخرون، وليبيا بنفطها واحتياطيها (48) مليار برميل تتجاذبها الأطماع وتتصارع عليها الدول وليس اليمن بأحسن حالا. هذه الدول كلها دول نفط وبالأمس كان الصراع إبان الإمبراطورية البريطانية وغيرها في الخليج العربي على الإستراتيجية، واليوم الصراع على الأمرين الأكثر أهمية بل أن النفط أغلى وأهم سلعة في التاريخ الإنساني وسيبقى مركزه الأساسي الخليج العربي باحتياطيه أكثر من (800) مليار برميل وهذا مربط الفرس كما يقولون. وإذا أخذنا بعين الاعتبار وضع الأمن القومي العربي بعد خروج كل من العراق وسوريا ولبنان واليمن وليبيا منه، فكيف لنا أن نتصور مستقبل أمن الدول العربية في ظل عالم تحكمه (القوة). والقانون الدولي قاعدتاه (القوة والمصلحة) ومجلس الأمن يحكمه الخمسة الكبار والدولة التي لا تملك القوة بكل عناصرها (العسكرية والبشرية والاقتصادية والاستثمارية والحدود والسيادة ..الخ) ليس بمقدورها أن تدافع عن كيانها وسيادتها وشعبها ومقدراتها. إسرائيل دولة نووية ترسانتها تستضيف أكثر من (200) قنبلة نووية وتصدر السلاح لدول عدة والترسانة الأمريكية العسكرية مشروعة الأبواب لها، فحتى الشبح اف 35 تمتلكها إسرائيل وهي (إسرائيل) تنفق (4.7) في المئة من إجمالي ناتجها القومي على البحث العلمي، وميزانيتها أكبر من ميزانية الدول العربية جيرانها. على الجانب الآخر العرب لاينفقون سوى (0.01) في المئة، وطهران غالبية شعبها تحت خط الفقر، لكنها خصصت معظم دخلها من النفط لآلتها العسكرية وأنتجت صواريخها البالستية وغيرها، وحتى الـ (20) في المئة (الخُمس) المخصص لخامينئي يصل معظمه إلى حزب الله والحوثيين وبعض المنظمات في العراق ضمن مشروع إيران لزعزعة الأمن الوطني للدول العربية ونشر الثورة. إن العارفين بأهمية الذهب الأسود والإستراتيجية والمتأملين بحقائق الصراعات الدائرة على بعض أرض ديارنا العربية، يدرك أن (وراء الأكمة ما وراءها) فالقادم قد يكون الأسوأ، فالعرب أصحاب النفط والإستراتيجية محسودون على هذه النعمة التي منحها الله لهم دون بقاع الأرض الأخرى، وأستذكر كلمة صديقنا السيد ترامب بأن دول الخليج العربية ثرية جدا، واستطرد إذا ملكت إيران سلاحا نوويا فإنهم سيسعون لامتلاكه وفي هذا مجازفة كبيرة فعلم السلاح النووي الغزير يحتاج إلى سنوات إذا لم يكن لعقود، إسرائيل بدون فرنسا لم يكن لها أن تبلغ ما بلغت في هذا الميدان العلمي المعقد. وأتذكر مقولة الجنرال تشرشل رئيس وزراء بريطانيا الذي غير باعترافه بأهمية النفط اعتماد سفن بلاده الحربية يوم كانت لا تغيب عنها الشمس من الفحم إلى النفط إبان زمن الحرب الكونية الأولى، وهو من قال (من يملك نفط الشرق الأوسط يملك العالم)، اليوم الصراع حول النفط ورديفته الإستراتيجية، والنفط ملك العرب واحتياطيهم منه أكثر من 55 في المئة من إجمالي الاحتياطي العالمي، ونسبة احتياطي دول المجلس (46) في المئة من إجمالي الاحتياطي العالمي أكثر من (500) مليار برميل واحتياطي دول الخليج العربي أكثر من (800) مليار برميل 62 في المئة من إجمالي الاحتياطي العالمي. هذه هي المعادلة الأخطر، كيف ندافع عن ثرواتنا وأمننا واستقرارنا ورفاه شعوبنا وحدودنا وسيادتنا حتى لا يتطاول علينا حاقد أو حاسد، هذا يكون بالقوة، فهي التي تحد القوة وترغم الأعداء وما أكثرهم على احترام (القوة) وهي التي تجعل الأسد الهصور إذا تحققت يبتعد خوفا من الموت المحقق، وهي التي إذا غابت تشجع الثعلب على الاقتراب طمعا في الغنيمة. والعالم يشهد العد التنازلي نحو حرب كونية ثالثة، هنا تصبح القوة إذا تحققت سيفا ماضيا تردع الطامعين، تضمن للدول العربية ولمواطنيها معاني البقاء والتكامل الإقليمي والتماسك الاجتماعي وحماية المصالح والقيم ضد التهديدات الخارجية وفي مقدمتها إيران صاحبة المشروع الخبيث والدولة العبرية التي احتلت الأراضي الفلسطينية وتقيم الأفراح بإعلان السيد ترامب القدس عاصمة لها. وحتى لا نصبح بين مطرقة طهران وسندان إسرائيل ومن ورائهم.. علينا امتلاك القوة.. التي أمرنا الله بالنص القطعي امتلاك ناصيتها، قال تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآَخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ} الأنفال 60 . والله ولي التوفيق
مشاركة :