"أقول إن ما فعلته فى 1967 أهم من الناحية الحرفية مما فعلته فى مسيرتى الإعلامية كلها، لماذا؟ لأنه آنذاك كنت دولة منهزمة وشعبا منهزما ورئيس الدولة خرج على الناس وهو مشحون بالأسى ويعلن عن مسؤوليته وتنحيه، ثم صارت الدولة بلا رئيس ولم نتلقّ معلومات لأربعة أيام فى ظل هذا كله وأنت إعلامى تستطيع الحفاظ على الروح المعنوية للشعب ليس بالأمر الهين، لقد حافظنا على هذه الروح بأشياء كثيرة منها أغنية «بلدى أحببتك يا بلدى ".لم تكن تلك مجرد مقولة رد بها الإذاعي الكبير أحمد سعيد حينما سئل عن البيانات غير الصحيحة التي قالها وقت النكسة لكنها وثيقة حقيقية على موقف تختلف أو تتفق عليه لكنه كان ضرورة حفاظًا على الروح المعنوية لشعب لا يعرف ما الذي يحدث على وجه الدقة.وكما هي الصدفة دائما تلعب دورًا يأتي اليوم الذي يرحل فيه الإعلامي الكبير أحمد سعيد عن عالمنا قبل موعد نكسة يوليو بيوم، "سعيد" والذي كان صوته علامة مسجلة لسنوات طويلة تستحث العروبة وتلهب حماسهم.ولد أحمد سعيد الإذاعي القدير عام 1925، وحصل على ليسانس الحقوق من جامعة القاهرة عام 1946، وعين مذيعًا رئيسيًا منذ انطلاق برنامج صوت العرب عبر إذاعة القاهرة، ومديرًا لإذاعة صوت العرب عند تأسيسها عام 1953، وحتى عام 1967.عمل فترة في مجلة "آخر ساعة"، و"روز اليوسف"، و"الكواكب"، والتحق بالإذاعة سكرتيرًا فنيًا لمديرها، ثم تولى إدارة برنامج العلاقات الخارجية عام 1950.سافر إلي منطقة القناة، واشترك في عمليات الفدائيين ضد القوات البريطانية في بورسعيد والإسماعيلية والسويس والتل الكبير، وسجل هذه العمليات الحربية وأذاعها في الراديو.وأدخل خلال فترة عمله بصوت العرب، الكثير من التجديدات على أساليب الكتابة الإذاعية، والخرائط البرامجية، وأساليب العمل الإذاعي، كما استخدم الفكاهة في التعبير السياسي والسخرية في برنامجه الشهير "هذا عدوك"، واستخدم السيمفونيات العالمية المعبرة عن كفاح الشعوب مثل "البولوني" لشوبان.من أعماله الإبداعية مسرحية "الشبعانين" عام 1966، ومن أشهر برامجه في صوت العرب "أكاذيب تكشف حقائق" عام 1959.كان أول من فكر في تقديم المسلسلات الوطنية بالإذاعة، مثل "في بيتنا رجل" ليكون أول مسلسل وطني تقدمه إذاعة عربية.وفي عام 1959، وضع الصياغة النهائية لكتابة القومية العربية، وفي عام 1965 اختاره مجلس الأمة المصري ليكون عضوًا في الوفد الذي يمثله في احتفالات بريطانيا بمناسبة مرور 700 عام علي بدء الحياة الديمقراطية في الجزر البريطانية.كتب برنامجًا لإذاعة عربية عن هجرة "نبي الإسلام" أوضح من خلاله فكرة سياسية، هي "هكذا كان أجدادنا في الماضي، وهكذا يجب أن يكون العرب في المستقبل".لسنوات طويلة في فترة هامة من عمر الوطن والأمة العربية كان صوت أحمد سعيد هو "صوت العرب" وليس اسم الإذاعة فقط، تأسست على يديه وبذل فيها من الجهد الكثير، ليأتي اليوم الذي يرحل فيه عن عالمنا.
مشاركة :