في ظل التطورات العالمية المتسارعة في مجال الطب والقطاع الصحي ومع تنافس ذوي الخبرة والكفاءات العالية لرفع مستوى الجودة يواجه الأطباء السعوديون تحديات كبيرة لإثبات قدراتهم وإمكاناتهم، وأنهم امتداد للنماذج المشرفة التي حازت إعجاب الصحافة المحلية والعالمية في إسهاماتهم الطبية والعلمية، ولأن الأطباء الشباب ثروة وطنية اكتسبت ثقة المواطنين سريعاً، ولأنهم على درجة عالية من الوعي والدراية بآخر ما توصلت إليه الأبحاث العالمية ومختبرات الطب، فإن الطبيب الجديد يعي كذلك افتقاده للخبرة التي قد تقلل من فرصه أمام الأطباء القدامى أو الوافدين. ويُعد مواكبة الأبحاث والدراسات الطبية والتطورات التقنية والأجهزة الحديثة مطلباً مهنياً في مواجهة كافة التحديات التي يواجهها الأطباء الجُدد، كذلك قراءة كل جديد وعدم الاستناد على التعليم الجامعي يعد الطبيب إعداداً جيداً لمزاولة المهنة بكل كفاءة واقتدار. تحديات مختلفة وقال بدر محمد الأسمري -خريج طب-: إن المجال الصحي يتَّسم بتحديات مختلفة عن تلك التي قد يواجهها الخريج من أي قطاع آخر، والقطاع الصحي في مملكتنا الغالية يمر بتطوّرات محوريّة تستهدف ترميم البنية التحتيِّة لهذا القطاع الهام، وأعتقد أن أحد أهم التغييرات هي تلك التي تستهدف تدريب وتأهيل الأطباء المقيمين، حيث إن الهيئة السعوديِّة للتخصصات الصحيِّة قد تبوأت هذا الثغر، فحرصت أيمَّا حرصٍ على أن ترتقي بمستوى نظام القبول ليشابه في ذلك نظام NRMP المعمول به في الولايات المتحدة الأميركية، هكذا خطوات تبعث على الفخر وتدعو إلى الثقة في مخرجات برامج التدريب السعودية للأطباء المقيمين، إلاّ أن التطبيق لهذا النظام مازال في مستوى دون المأمول، حيث إن الشكاوى حوله كثيرة، ومازالت آلية تقييم المتقدمين موضع لغطٍ كبير، لا مرجع هنا يمكن أن يستفاد منه، مبيناً أن هيئة التخصصات مازالت وثَّابةً نحو التغيير، حتى أن الطلبة أصبحوا لا يعلمون لأي حدٍ سوف تتغير متطلبات التقديم للعام المقبل، وهذا يبعث قلقاً كبيراً في أنفس الطلبة والخريجين على حدٍ سواء، كما أنه لا يوجد آلية واضحة مستدامة في الأفق تكون مرجعاً للمستقبل. وأضاف أن وزارة الصحة كانت ومازالت المرجع الأساسي لكافة الشؤون الصحية في هذا الوطن مترامي الأطراف، وهذا يحملها مسؤولية كبرى في مواجهة التحديات التي تواجه الخريجين، إلاّ أنّ دور هيئة التخصصات قد همَّش وظيفة الوزارة في السنوات الأخيرة، فأصبحت تركز جهودها على تطوير المنظومة الصحيّة في سياق الصورة الأكبر للأمور، وتوظف مواردها في سبيل تطوير القطاع الصحي كمنظومة عامة. مطلب مهني وأوضحت نوف حسن الزهراني -طب طوارئ- أن التعليم الجيد الذي تلقته من الجامعة بالإضافة إلى تعاون كبار الأطباء الذين نقلوا سنوات خبراتهم عبر التعليم والمساعدة الدائمة كان داعماً لها في مسيرتها المهنية وتحديداً في المستشفى الذي تلقت من خلاله تدريباتها، مؤكدةً على أن القراءة المتواصلة ومتابعة آخر المستجدات الطبية تزيد من تراكم الخبرات التي لا يجب أن تتوقف عند زمن معين، فالأبحاث والدراسات الطبية والتطورات التقنية والأجهزة الحديثة مستمرة ومواكبة هذه التحديثات مطلب مهني في مواجهة كل التحديات، منوّهةً على رزمة المبادرات والمؤتمرات السنوية المستمرة طوال العام سواء كانت من الجامعة أم الوزارة والتي تعمل كداعم للأطباء الجدد الذين يفتقرون الخبرة أو الفرصة لتطوير مهاراتهم، مثل مؤتمر الجمعية السعودية لطب الطوارئ The Saudi Emergency Medicine Assembly Conference ومؤتمر التخصصات الصحية، إضافةً إلى عدد من الحملات التوعوية مثل حملة أطفالنا أمانة، من إعداد طالبات قسم الخدمات الطبية الطارئة الدفعة الثانية بكلية العلوم الطبية التطبيقية، وبدعم ومشاركة جمعية الأطفال المعوقين الراعي الرسمي للحملة، كما أن هناك ملتقى شهرياً تناقش فيه مستجدات عالم الخدمات الطبية الطارئة في جامعة الملك سعود بن عبدالعزيز للعلوم الصحية. دافع للتقدم وذكرت سارا السويس –أخصائية خدمات طبية طارئة– أن من أكثر الصعوبات التي واجهتها في مهنتها هي الوصول إلى ثقة المرضى، إنما تجد تلك الصعوبات بعد أن تمكنت من اجتيازها كانت دافعاً للتقدم والبحث وتذليل كل التحديات اللاحقة، وكذلك فإن للأطباء الكبار والاستشاريين دور داعم جداً منذ السنة الدراسية الأولى وحتى نهاية سنة الامتياز، مضيفةً: "إننا وللأمانة نستشعر لطفهم ودعمهم وحرصهم في كل سنواتنا الدراسية، ورغم أن افتقار الخبرة يُعد من أكبر التحديات التي يواجهها المقبل على العمل، بل وتزداد صعوبة وتعقيداً في المجال الطبي، خاصةً مع التحديثات المستمرة للدراسات والإثباتات العلمية، إلاّ أن المواكبة وقراءة كل جديد وعدم الاستناد على التعليم الجامعي وحده، كل ذلك يعد الطبيب إعداداً جيداً لمزاولة المهنة". توعية مهنية وتحدث محمد الحواس –أخصائي اجتماعي طبي- قائلاً: إن من المسلمات الاجتماعية التي يراها المختصون الاجتماعون والتي ذكرها كثير من العلماء الاجتماعيين منهم ابن خلدون أن الفرد في المجتمع عند دخوله في مجتمع جديد أو نشاط اجتماعي مختلف أو انتسابه لجماعة معينة يمر بثلاث مراحل؛ الأولى وهي مرحلة الصدمة، وتعد من أصعب المراحل حيث يكون الفرد في حالة عدم توازن ذهني، وترقب للأحداث التي تدور حوله، ثم بعد ذلك ينتقل للمرحلة الثانية وهي مرحلة التقبل بمعنى أنه يبدأ يألف المكان والأشخاص والنمط الاجتماعي السائد سواءً في السلوك أو في الأفكار، ثم بعد ذلك ينتقل للمرحلة الثالثة المهمة وهي مرحلة التكيف وفيها يرى الفرد نفسه أنه جزء من هذه المنظومة الاجتماعية ويمارس نشاطاته بكل حرية واحترافية، وكذلك يتعدى ذلك إلى محاولة الإبداع والابتكار والتميز، مضيفاً أنه إذا أردنا أن نسقط هذا المنظور الاجتماعي على الأطباء الجدد نجد أنه من المهم بمكان لكي يبدع الطبيب ويصبح عضواً فاعلاً في هذه المنظومة أن يتقبلها ويتكيف معها، وإذا تجاوز هذه المرحلة المهمة نستطيع بعدها أن نفكر في المرحلة التالية وهي مرحلة التطوير والاحترافية المهنية كونه أصبح أحد الأعضاء الفاعلين في هذه الجماعة، مبيناً أنه من الطرق التي تجعل الأطباء يملكون هذه التكنيكات لتجاوز المراحل الصعبة المذكورة آنفاً هي إعطاؤهم جرعات من التوعية الفكرية والمهنية للظروف التي قد تمر بهم والتحديات التي قد تواجههم والإجراءات التي من المفترض القيام بها حال حدوث ذلك الأمر، هذا الإجراء الوقائي قد يساعد كثيراً في تخفيف الأعباء التي يتحملها الطبيب، سواءً كانت أعباء مهنية أو ذهنية أو أسباباً أخرى قد تعيقه من التكيف في بيئة العمل. الوصول إلى ثقة المريض تُعد من أكبر التحديات
مشاركة :