ارتبط اسم صوت العرب باسم أحمد سعيد (مواليد 29 آب/ أغسطس 1925م)، المذيع المصري الذي اشتهر في حقبة الخمسينات والستينات من القرن الماضي، ورأس إذاعة صوت العرب في عهد الرئيس عبد الناصر من سنة 1953 إلى 1967، اعتبرت خلالها من أهم الإذاعات العربية في تلك الحقبة. عمل أحمد سعيد كمذيع رئيسي منذ انطلاق "برنامج صوت العرب" عبر إذاعة القاهرة. ثم مديراً لإذاعة صوت العرب عند تأسيسها. وعمل بها مدة 14 عاماً، حتى قدم استقالته في أيلول/ سبتمبر عام 1967. صوت العرب والأداء الإذاعيّ إذاعة صوت العرب التي تم إنشاؤها في 4 تمو/يوليو، 1953، وكانت من أول وأشهر الاذاعات المصرية التي بثت لجميع أقطار العالم العربي باللغة العربية. اشتهرت الإذاعة كوسيلة أساسية استخدمها عبد الناصر لبث خطاباته حول الوحدة العربية ومناهضة الاستعمار الأجنبي للبلدان العربية، وتركز فحوى بث صوت العرب أثناء حقبة حكم عبد الناصر حول مفهوم الوحدة العربية والأفكار الثورية ومناهضة الاستعمار. ومنها عرف أحمد سعيد بأسلوبه في الأداء الإذاعي، جماهيرياً في مصر والعالم العربي. وفي ذروة شهرته طلبت الحكومة البريطانية من الرئيس جمال عبد الناصر عام 1965، رفع اسم أحمد سعيد من قائمة الوفد المصري المسافر إلى لندن، بعد اعتراض مجلس العموم البريطاني عليه، بتهمة تحريضه على قتل الجنود البريطانيين في عدن. رفض الرئيس عبد الناصر الطلب البريطاني. وكادت أن تحدث أزمة بين البلدين حتى تدخل رئيس الوزراء البريطاني هارولد ويلسون وألقى خطاباً في مجلس العموم لاحتواء الموضوع. أحمد سعيد والثورة الجزائرية علّق الإعلامي أحمد سعيد أنّ أروع حدثين مرتبطين بتاريخ الثورة الجزائرية عاشهما خلال حياته المهنية هما إذاعة بيان الثورة الجزائرية بصوته في أول تشرين الثاني (نوفمبر) 1954، والثاني حضوره شحن أول دفعة أسلحة للثورة الجزائرية في صيف نفس العام. واعتبر أحمد سعيد أن احتفاظه ببيان الثورة في مكتبه لمدة ثلاثة أيام قبل إذاعته بصوته ليلة الفاتح من تشرين الثاني (نوفمبر) 1954 كان أهم حدث عاشه في حياته المهنية، وأشار إلى أن إذاعة "صوت العرب" قطعت إرسالها تلك الليلة وشرعت في بث الأناشيد الوطنية الجزائرية واعادة بث البيان ونقل أخبار العمليات الفدائية في الجزائر على مدى 24 ساعة متتالية. كانت صوت العرب تتبنى خطّاً مقاوماً للاستعمار في بقاع شتى، وكان الراحل أحمد سعيد، أيقونة الإذاعة المصرية، وأول من تولى منصب رئيس إذاعة "صوت العرب"، رحل بعد مسيرة عطاء امتدت نحو 70 عاماً.برامج جديدة ومسلسلات وطنية وتعاون فنيّ شهدت حياة سعيد العديد من المحطات المهمة، حيث التحق للعمل بالإذاعة 1950 وشارك في العمل الفدائي في قناة السويس عام 1952، ونقل بثاً مباشراً من منطقة القناة أثناء العمليات الفدائية ضد الإنجليز. وللإذاعي الراحل إنجازات في المجال الإعلامي، حيث أدخل خلال فترة عمله بصوت العرب الكثير من التجديدات على أساليب الكتابة الإذاعية، والخرائط البرامجية، وأساليب العمل الإذاعي، وله في مكتبات الإذاعات العربية والإسلامية العديد من المؤلفات. من أشهر برامجه في صوت العرب: "أكاذيب تكشف حقائق" بدأ عام 1959. كما أنّه دعا عدداً كبيراً من الفنانين العرب إلى زيارة مصر لأول مرة مثل: (فيروز والأخوان رحباني) لتسجيل ألحان عن فلسطين، كما أقنع عبد الحليم حافظ وكمال الطويل وأحمد شفيق كامل بالتعاون مع صوت العرب لتقديم صورة غنائية تحكي قصة الاستعمار من واقع تعليق كان قد أذاعه. كما قام بتقديم الشاعر "نزار قباني" للموسيقار محمد عبدالوهاب، وكان التعاون بينهما حدثاّ عظيماً آنذاك. كان سعيد أول من فكّر في تقديم المسلسلات الوطنية بالإذاعة، مثل: "في بيتنا رجل" ليكون أول مسلسل وطني تقدمه إذاعة عربية. وفي عام 1959 وضع الصياغة النهائية لكتابة القومية العربية، وفي عام 1965 اختاره مجلس الأمة المصري ليكون عضواً في الوفد الذي يمثله باحتفالات بريطانيا بمناسبة مرور 700 عام على بدء الحياة الديمقراطية في الجزر البريطانية. كتب برنامجاً لإذاعة عربية عن هجرة "نبي الإسلام" أوضح من خلاله فكرة سياسية، هي: "هكذا كان أجدادنا في الماضي، وهكذا يجب أن يكون العرب في المستقبل".أحمد سعيد وعبد الناصر التقى الرئيس جمال عبد الناصر عشرات المرات، منها مرتان قبل الثورة، ولم يتحدث إليه، وكان أول لقاء معه بعد الثورة، بصوت العرب سنة 1953، وكان عبدالناصر وقتها مدير مكتب اللواء محمد نجيب. هناك لقاء لا ينساه أحمد سعيد مع جمال عبد الناصر، استمر ثلاث ساعات متواصلة، وكان ذلك بعد واقعة إذاعة برنامج خطأ، أثار حفيظة بريطانيا؛ لأنه تحدَّث عن البترول العربي، الذي تسرقه بريطانيا من الخليج. وجاءت إذاعة هذا البرنامج في الوقت الذي بدأت فيه مصر تخفيف الحملة ضد بريطانيا، بعد توقيع اتفاقية الجلاء سنة 1954. ويقول أحمد سعيد عن هذا اللقاء: والغريب أن عبد الناصر لم يتطرق إلى هذا الموضوع خلال اللقاء، لكن تحدَّث معه في الشؤون العربية، والمطلوب من إذاعة صوت العرب. وعندما دخل عليهما المشير عبد الحكيم عامر، قال عبد الناصر لأحمد سعيد: صوت العرب جيش مثل جيش المشير عامر. ويضيف أحمد سعيد: وعندما تطرقت إلى موضوع البرنامج الخطأ، الذي أثار حفيظة بريطانيا، وقلت أريد أن أبدي أسفي، قال لي عبد الناصر: وضع طبيعي أن تحدث أخطاء، لا تشغل بالك، المهم أن نسبة أخطائك تكون أقل بكثير من نسبة نجاحاتك". وعندما اختارته إدارة الشؤون المعنوية للقوات المسلحة، سنة 1957 للعمل بها، استقال من إدارة صوت العرب، رغم استمراره معلقاً سياسيّاً. وأصدر عبد الناصر قراراً بعودته للعمل، مديراً لصوت العرب في يونيو 1959.أقوال جاهزة شاركغرد"صوت العرب جيش مثل جيش المشير عامر (ثورة يوليو)" هكذا عبّر عبد الناصر عن دور إذاعة صوت العرب خلال حكمه شاركغردسمع العرب خبر "انتصار ساحق" في حرب يونيو 1976 من إذاعة صوت العرب بصوت أحمد سعيد، هنا قصة ما حدث بصوت سعيد، أعلن للشعب العربي انتصار ساحق في حرب 1967 يتهم أحمد سعيد بأنه نقل عبر إذاعة صوت العرب بيانات تفيد بانتصار الجيش المصري في حرب 1967. لم ينكر أنه، وهو مدير لإذاعة صوت العرب، حذر محمد فائق، وزير الإعلام، وسامي شرف، سكرتير الرئيس جمال عبدالناصر، من خطة إعلام ما قبل الحرب والهزيمة، التي تتحدث عن انتصار، وقال إن سامي شرف حسم الموقف بعبارة قائلاً (أنت لست صانع سياسة). ويقول سعيد: لا أبرّئ نفسي مما حدث، ولكن ما دور الإذاعة؟ هل هي جزء منفصل من الدولة، يستطيع أن يقوم المسؤول فيه بما يراه صحيحاً وما يشاء، أم هي جزء من نسيج متكامل؟ ضربت إسرائيل سلاح الطيران، واحتلت جزءاً من التراب المصري، لتكن هذه قضية الجيش، ولكن مهمة الإعلام هي الحفاظ على نوع من أنواع التماسك للجماهير، داخل مصر وخارجها. ويستطرد أحمد سعيد، متسائلاً: هل كنت أستطيع رفض إذاعة البيانات العسكرية؟ أو أن أقول إنها بيانات كاذبة؟ ليس خوفاً، أنا كنت جنديّاً، ينفذ أوامر القيادة. ويبدو أنه بعدها، اعتبر شعبياً سبب اللغط حول إعلان حقيقة ما حدث دون بقية الصحف التي نشرت أخباراً خاطئة بدورها، حيث يقول: لا يزعجني ما قلته من بيانات، أو ما قلت للزملاء الإذاعيين أن يعلنوه من بيانات عسكرية، لكن ما يزعجني أكثر، وما آلمني أكثر، الهزيمة التي بقيت، فلو وازنتها بحرب 1956 فقد كانت أيضاً هزيمة عسكرية، ولكن أعقبها نصر سياسي. قضيتي الشخصية لا تهمني، فنحن جميعاً إلى زوال، خاصة أن جميع الصحف كذبت معي، ولم أكذب بمفردي، ولا أعرف لماذا ينسب إليّ وحدي الكذب. أكمل القراءة الواقع أن سعيد قدم استقالته في حزيران/ يونيو 1967، رغم أن الرئيس جمال عبدالناصر قال له: ستعيش وتموت مديراً لصوت العرب. ولم ينف وصف استقالته بأنها إقالة، استقالة، إجبار. وبرر ذلك بقوله: "إنني قلت الحقائق بصوتي، عن هزيمة حزيران/ يونيو 1967 للجماهير العربية، في 13 حزيران/ يونيو 1967. وكان هذا بداية الصدام أو الخلاف مع الرئيس عبد الناصر، لأنه بعد ذلك فرضت عليَّ رقابة، بحيث لا أذيع شيئاً دون مراجعته. ويضيف: "كانت وجهة نظري مفادها أن الهزيمة ليست هزيمة جيش، ولكن هزيمة نظام، وهذه الرؤية أزعجت الرئيس عبد الناصر، ووقعت عدة تداعيات، وصلت إلى أن صورة البطل في عيني لم تبق كاملة، وفهم الرئيس عبد الناصر ذلك، فكانت هناك استحالة، فكتبت استقالتي". أحمد سعيد يؤكد أن النظام لم يتخلص منه بعد هزيمة حزيران/ يونيو 1967، بقوله: "لأنني لو كنت أريد الاستمرار، كنت أستطيع لو قبلت بعض العروض، التي قبلها بعض الوزراء أصدقاء الرئيس، ولكن حدث داخلي انفصال بين تفكير الرئيس وتفكيري، أسلوبه في العمل وأسلوبي، قناعتي به توقفت، وصورته اهتزت". اقرأ أيضاًقصص أناشيد وطنية عربية لحنها ملحنون من دول أخرى"عمو جمال"... قصص أبناء الضباط الأحرار مع جمال عبد الناصربعيداً عن الحرب والإعلانات والتوك شو: "ماسبيرو زمان" رحلة إلى جَنَبَاتِ "الزمنِ السعيد" محمد عبدالرحمن عريف كاتب وباحث في تاريخ العلاقات الدولية والسياسة الخارجية لدى الحياة اللندنية والقدس العربي. كلمات مفتاحية الاستقلال الثورة الثورة الجزائرية النكسة صوت العرب التعليقات
مشاركة :