انطلقت إذاعة «صوت العرب» في 4 تموز (يوليو) 1953، واستخدمها جمال عبدالناصر لبث خطاباته حول الوحدة العربية ومناهضة الاستعمار. في البداية، شنّت «صوت العرب» حملة ضد الاستعمار الفرنسي، فساعدت في رفع الحماية الفرنسية عن المغرب وعودة الملك محمد الخامس الذي أشاد بدورها قائلاً: «لقد كانت إذاعة صوت العرب من القاهرة البشير لي في المنفى بأننا سننتصر كما وقفت بجانب شعبنا تهيب به أن يثور حتى ثار ونال حريته واستقلاله». وقفت «صوت العرب» مع الجزائر ضد الاحتلال الفرنسي منذ عام 1954 بعد ورود أنباء عن إنشاء «جبهة التحرير الوطني الجزائرية». وصدر من «صوت العرب» أول بيان عن الثورة الجزائرية وعملياتها الحربية، حتى إن الرئيس الجزائري الراحل أحمد بن بلة قال: «إن صوت العرب هو صوت الثورة الجزائرية». وخصّصت الإذاعة الكثير من برامجها للقضية الجزائرية وفي مقدمها «إذاعة الجزائر من القاهرة». وساعدت هذه الإذاعة على التعبئة ضد الاستعمار الفرنسي، ما جعل السلطات الفرنسية تهاجمها وتشوش على إرسالها. الإعلامي أحمد سعيد الذي رحل عن عالمنا بحلول الذكرى 51 لهزيمة 1967 سبق أن قال إن أروع حدثين مرتبطين بتاريخ الثورة الجزائرية عاشهما خلال حياته المهنية هما إذاعة بيان تلك الثورة بصوته في أول تشرين الثاني (نوفمبر) 1954، والثاني حضوره شحن أول دفعة أسلحة للثوار في صيف العام نفسه. واعتبر أحمد سعيد أن احتفاظه ببيان الثورة في مكتبه لمدة ثلاثة أيام قبل إذاعته بصوته ليلة الفاتح من تشرين الثاني 1954 كان أهم حدث عاشه في حياته المهنية، وأشار إلى أن إذاعة «صوت العرب» قطعت إرسالها تلك الليلة وشرعت في بث الأناشيد الوطنية الجزائرية وإعادة بث البيان ونقل أخبار العمليات الفدائية في الجزائر على مدى 24 ساعة متتالية. على الجانب الآخر، وجد الطلاب الجزائريون في الجامعات المصرية منبراً لإذاعة أحاديث وبيانات وقصائد إلى «الشعب الجزائري المجاهد» و «ثوار أول نوفمبر الأبطال». خصصت «صوت العرب» منذ الشهور الأولى لاندلاع الثورة الجزائرية حصة إذاعية عرفت ضمن برامجها الإذاعية بـ «كلمة الجزائر» وكانت تُبث لمدة 10 دقائق، وابتداء من 1960 أصبحت المدة المخصصة لها ساعة كاملة وساهمت في تحريرها وقراءتها ثُلّة من الطلاب الجزائريين منهم: محمد فضوري، تركي رابح عمامرة، عبدالقادر بن قاسي، يحيى بوعزيز، عبود عليوش، محمد مفتاحي، نور عبدالقادر، وغيرهم من الطلاب ذوي الأصوات المعبرة الرنانة. وأسس المسؤولون في «صوت العرب» منذ السنوات الأولى لنشأتها «ركن المغرب العربي» ليذاع بعد الساعة العاشرة مساء بإشراف مجموعة من الإعلاميين المصريين، بينهم محمد أبو الفتوح ومحمد عروق وأمين بسيوني. وكان بعض أعضاء الوفد في الخارج لجبهة التحرير الوطني في القاهرة مثل: أحمد توفيق المدني وعبدالرحمن كيوان (المحامي) الذي كلفه عبان رمضان السفر إلى القاهرة في نيسان (أبريل) 1956 للالتحاق بوفد جبهة التحرير الوطني، فيما كانا يذيعان منه أحاديث عن الثورة الجزائرية باللغتين العربية والفرنسية. طلب المسؤولون في وفد جبهة التحرير الوطني في القاهرة من تركي رابح عمامرة الذي أنهى دراسته الجامعية في جامعة القاهرة وهو عضو بعثة جمعية العلماء المسلمين الجزائر في جامعات مصر ومعاهدها 1956، أن ينضم إلى الوفد الخارجي (جبهة التحرير الوطني) ليقوم تحت إشراف أحمد توفيق المدني بكتابة الحديث اليومي باسم وفد جبهة التحرير الوطني في القاهرة وتسجيله بنفسه في إذاعة «صوت العرب» حيث يذاع ركن المغرب العربي. يذكر تركي رابح عمامرة أنه «عند إعداد الحديث اليومي في «صوت العرب» سواء في عهد أحمد توفيق المدني أو في عهد الطيب الثعالبي أو في عهد سعد دحلب، نجتمع كل يوم حوالى ساعتين نناقش فيهما أهم القضايا التي ينبغي تداولها في حديثنا اليومي بالعربية وكذلك بالفرنسية. عندما لا تتوافر لنا معلومات أو توجيهات من جبهة التحرير الوطني في الداخل أو أخبار عن عمليات عسكرية مهمة بين جيش التحرير الوطني وقوات الاحتلال الفرنسي، وبعد الاتفاق النهائي عليه، يحال الموضوع على الكتابة، وكان الحديث باللغة العربية يذاع ضمن ركن المغرب العربي الذي يعده ويشرف عليه محمد أبو الفتوح. * كاتب مصري
مشاركة :