باريس - وكالات: أكدت صحيفة لوموند أن الاقتصاد القطري قد تمكن من تجاوز الحصار الذي فرضته كل من السعودية والإمارات والبحرين ومصر، وإن آثار هذا الحصار لم تندمل بالنسبة لعائلات وجدت نفسها ممزقة دون سابق إنذار. وقالت الصحيفة أنه في وقت فرض الحصار على قطر في الخامس من يونيو 2017، كانت تؤوي 13 ألف مواطن من دول الخليج التي حاصرتها وكان 2000 مواطن قطري يقيمون في هذه البلدان، ولكن بين عشية وضحاها وبناء على أوامر دول الحصار، اضطر معظم هؤلاء الأشخاص إلى حزم أمتعتهم والعودة إلى بلدانهم الأصلية، مما عرضهم، في بعض الأحيان، لعواقب وخيمة، على حد تعبير الصحيفة. وقالت إن من المتضررين الرئيس التنفيذي لبورصة قطر علي بن راشد المنصوري الذي يؤكد في تصريح لمراسل الصحيفة الخاص بالدوحة بنيامين بارت أن قطر تغلبت على تداعيات الحصار قبل أن يستدرك قائلًا «المؤشرات كلها خضراء، لو لم تكن لدي ثلاث شقيقات يعشن في الإمارات العربية المتحدة، ولم أتمكن من زيارتهن منذ عام كامل». وأضافت الصحيفة أن حوالي 550 طالبًا قطريًا مسجلين في مؤسسات تعليمية بهذه الدول قد اضطروا إلى قطع دراساتهم بعد أن منعتهم جامعات بدول الحصار من الحصول على كشف درجاتهم كي يتمكنوا من استئناف دراستهم في قطر بشكل طبيعي، كما أحصت قطر، مع نهاية العام الماضي، 1900 قطري فقدوا وظيفة أو مصدر دخل نتيجة لترحيلهم. تمزيق النسيج الاجتماعي غير أن الوضع أكثر تعقيدًا بالنسبة للعائلات المختلطة، فها هو مثلا راشد الجلاهمة، وهو طالب يبلغ من العمر 23 عامًا، يعيش مع أمه القطرية بعد أن رفض المغادرة مع أبيه إلى البحرين. يقول راشد «عندما اندلعت الأزمة، رفضت الذهاب إلى البحرين، حيث يقيم والدي وحيث أتمتع بالجنسية»، ويضيف أن ضغوطًا كبيرة مورست عليه لكنه فضل البقاء في قطر حيث قضى معظم حياته، لكن ما يقض مضجعه هو أن جواز سفره سينتهي العام القادم «وأخشى ألا أتمكن من تجديده وأجد نفسي بلا وطن» على حد تعبيره. ووفقا لدراسة أجرتها جامعة قطر، فإن ثلاثة أرباع العائلات القطرية لديها على الأقل قريب سعودي أو إماراتي أو بحريني، وهو ما يعلق عليه المراسل قائلاً «لم يتم ترسيم حدود الدول الخليجية إلا أوائل سبعينيات القرن الماضي، وكانت قسوة الحياة قبل الثورة النفطية، اضطرت سكان المنطقة إلى الترحال الدائم، ما جعل القبائل الكبيرة تنتشر في جميع أنحاء شبه الجزيرة العربية». ويعلق الدكتور ماجد الأنصاري، أستاذ علم الاجتماع السياسي في جامعة قطر، على هذه الظاهرة بقوله «وشائج القربى بين هذه العائلات المنتشرة على جانبي الحدود ظلت لفترة طويلة مصدر فخر لدول الخليج، لكن مع الأزمة الحالية، وللأسف الشديد، تجد العديد من العائلات نفسها ممزقة، بل إن ما يجري هو تمزيق للنسيج الاجتماعي الخليجي» على حد تعبيره. وقالت صحيفة «لوموند» إن حصار قطر أفرز قطبين متصارعين ظلا طيلة الاثني عشر شهرًا الماضية يهاجمان بعضهما البعض بحدة على وسائل التواصل الاجتماعي وفي وسائل الإعلام، ما ينذر بطي صفحة مجلس التعاون الخليجي. وأضافت الصحيفة أن القرار الذي الرباعية بفرض حصار دبلوماسي واقتصادي على قطر، أدخل منظومة مجلس التعاون الخليجي في غيبوبة. ونقلت الصحيفة في هذا الإطار عن أستاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة قطر الدكتور ماجد الأنصاري قوله إن «الحصار المفروض على قطر وضع حدًا نهائيا لطموحات الوحدة بمجلس التعاون الخليجي». وأضاف الأنصاري أن «الإرادة السياسية لمثل هذا المشروع كانت ضعيفة أصلاً، لكنها الآن غائبة كلياً، إذ إن قطر وعُمان والكويت لا ترى أي مصلحة في الانضمام إلى مجلس تهيمن عليه المملكة العربية السعودية». واستطردت الصحيفة بعرض تاريخ مجلس التعاون الخليجي منذ إنشائه عام 1981 كتكتل مناهض للثورة الإيرانية التي انتصرت عام 1979، معرجة على المحنة التي تعرض لها على أثر احتلال العراق للكويت عام 1990، ولافتة إلى ما حققه هذا المجلس من نجاح بالذات على المستوى الاقتصادي. وذكرت في هذا الصدد أن المجلس بدأ عملية تحرير لحركة الناس والبضائع ورأس المال منذ العشرية الأولى من هذا القرن، فأصبح بإمكان مواطني الدول الأعضاء الإقامة والعمل والاستثمار أينما رغبوا في ذلك، ما كان له أثر جيد خصوصا على سلطنة عمان ومملكة البحرين، إذ استفادتا من مساعدة الدول الأخرى الغنية بالمجلس وموّلا بها العديد من مشاريع البنية التحتية. لكن كل ذلك ذهب أدراج الرياح بسبب الأزمة الحالية، غير أنه لا أحد من الأطراف الفاعلة في الأزمة مستعد لإصدار شهادة وفاة لمجلس التعاون، وفي الوقت نفسه لا أحد عبّر عن استعداده لنجدته، وكلما طالت المواجهة الحالية صعب أكثر إنعاش هذا المجلس الذي أصبح من الآن فصاعدا في حالة موت سريري، على حد تعبير «لوموند».
مشاركة :