تونس – تعكس التصريحات الصادرة عن القيادي في حزب العدالة والبناء، الذراع السياسية لحركة الإخوان المسلمين، ورئيس المجلس الأعلى للدولة، خالد المشري، عدم اقتناع الإسلاميين بمخرجات اجتماع باريس التي تنص على إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية في العاشر من ديسمبر المقبل، وتلقى دعما دوليا كبيرا. ويظهر هذا الموقف من خلال تمسك المشري ومن ورائه تيار الإسلام السياسي، بضرورة إصدار الدستور أولا، وهو ما يتضارب مع مخرجات اتفاق باريس التي تنص على إجراء الانتخابات وفقا لأي أساس دستوري وليس على مشروع الدستور بعد الاستفتاء عليه. وقال المشري في تصريحات تلفزيونية مساء الأربعاء، إنهم أصروا على إجراء تعديلات في البيان الختامي من بينها التأكيد على شرعية الاتفاق السياسي وضرورة إقرار الدستور أولا قبل الانتخابات، وكذلك حل الحكومات الموازية. وشدد على أنهم أبلغوا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال اجتماعهم معه، إصرارهم على إجراء الاستفتاء على الدستور أولا؛ لإنهاء المراحل الانتقالية، وأنه “إذا استمرت هذه العرقلة فلن نتمكن من الالتزام بالمواعيد”. ويعلل الرافضون لإجراء الانتخابات قبل صدور الدستور وذلك لتجنب التأسيس لمرحلة انتقالية جديدة. لكن متابعين للشأن السياسي الليبي يرون أن التشبث بإصدار الدستور سواء بالنسبة لتيار الإسلام السياسي أو للمجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، يندرج في إطار مناورة تهدف لعرقلة إجراء الانتخابات مقابل التوصل لتسوية توحد السلطة التنفيذية. ويتطلب الاستفتاء على الدستور زمنا لا يقل عن سنة وهو ما يضمن للإسلاميين والمجلس الرئاسي استمرارهم في المشهد السياسي. ويقول هؤلاء المتابعين إن تيار الإسلام السياسي مدرك تماما تراجع شعبيته بسبب ارتباط صورته طيلة السنوات الماضية بدعم الإرهاب والميليشيات التي تمنع قيام دولة قوية تنهي الفوضى العاصفة بالبلاد. ورغم صرف المبعوث الأممي إلى ليبيا غسان سلامة النظر بشأن تعديل اتفاق الصخيرات بهدف توحيد السلطة التنفيذية، بعد فشل مجلس الدولة والبرلمان في التوصل لصيغة توافقية، أعرب المشري في رسالة الخميس عن رغبته في لقاء رئيس مجلس النواب عقيلة صالح في طبرق. وكان غسان سلامة قدم في سبتمبر الماضي خطة لإنهاء الأزمة الليبية تتكون من ثلاث مراحل هي: تعديل الاتفاق السياسي لعقد مؤتمر للمصالحة وإصدار الدستور ثم الانتخابات. وبعث خالد المشري الخميس برسالة إلى عقيلة صالح بلّغه خلالها استعداده لزيارة مدينة طبرق (مقر البرلمان) على رأس وفد مشكل من 30 عضوا يمثلون كل الدوائر الانتخابية. ولم توضح الرسالة المحاور التي ستتم مناقشتها خلال الزيارة لكن المشري قال “إننا على ثقة كاملة بأن هذا اللقاء سيكون أكثر نجاحا من سابقاته في تقريب وجهات النظر بين المجلسين، ونترك لكم حرية اختيار الموعد الذي ترونه مناسبًا”. وكان أخر لقاء جمع الرئيسين في المغرب منتصف أبريل الماضي، عندما تحرك الإسلاميون لاستغلال فرصة غياب القائد العام للجيش المشير خليفة حفتر بسبب سفره إلى باريس للعلاج. وخرج عقيلة صالح عقب اللقاء ليعلن أن توحيد السلطة التنفيذية سيكون في ديسمبر، ما يعني أن الانتخابات لن تتم خلال العام الجاري. ولا يستبعد مراقبون أن يعرض المشري خلال الاجتماع المرتقب على عقيلة صالح مقترحا يستهدف تأجيل إجراء الانتخابات إلى ما بعد صدور الدستور، لكن مراقبين يستبعدون نجاحهم في إقناعه عقب تسوية خلافاته مع خليفة حفتر. وكانت وسائل إعلام محلية نشرت منذ نحو أسبوعين صورة لعقيلة صالح وحفتر عقب تناولهما للإفطار معا، ما يشير إلى إنهاء التوتر الذي برز الأشهر الماضية بين الطرفين. وفي اللقاء الذي بثته قناة “الجزيرة” القطرية مساء الأربعاء قال المشري إن هناك سيناريوهين جرى مناقشتهما في باريس، الأول إجراء انتخابات برلمانية فقط يليها الاستفتاء على مشروع الدستور ثم إجراء الانتخابات الرئاسية، والسيناريو الآخر إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية بعد الاستفتاء على مشروع الدستور. وتؤكد هذه التصريحات خشية الإسلاميين من وصول أحد أبرز خصومهم إلى رئاسة ليبيا، إذ أن مشروع مسودة الدستور تمنع عدة شخصيات سياسية ليبية من الترشح بما في ذلك خليفة حفتر وعلي زيدان الذي يحمل الجنسية الفرنسية وسبق أن أعلن نيته الترشح. وتمنع مسودة الدستور الحالية ترشح العسكريين لمنصب سياسي قبل سنتين من التنازل عن المنصب العسكري. كما تمنع أيضا ترشح الحامل لجنسية أجنبية ما لم يتنازل عنها قبل سنة من ترشحه. ويتوقع مراقبون أن يكون مصير مناورات الإخوان الفشل خاصة مع ما برز مؤخرا من توافق دولي على ضرورة إجراء الانتخابات كحل أخير لإنهاء الانقسام السياسي الذي عجزت المفاوضات عن إيجاد حل له. وتبنى مجلس الأمن الدولي الأربعاء نصا يؤيد إعلان باريس الصادر في مايو بشأن ليبيا والذي ينص على تنظيم انتخابات تشريعية ورئاسية في هذا البلد قبل نهاية السنة.
مشاركة :