تونس – حركت إقالة وزير الداخلية التونسي، لطفي براهم ، الصراع بين مراكز القوى والنفوذ، وهو ما جعل الرؤى والمقاربات تتشابك وسط ارتباك على أعلى مستوى الحكم، وحيرة لافتة حول من بات يُحدد قواعد اللعبة السياسية في البلاد، ومن هو الذي يُمسك بخيوط معادلاتها المُعقدة. ولم تُبدد تأكيدات الناطق الرسمي باسم الحكومة، إياد الدهماني، التي أشار فيها إلى أن الرئيس الباجي قائد السبسي كان على علم بقرار إقالة لطفي براهم قبل الإعلان عنه، تلك الحيرة التي توسعت لتشمل ثمن الخروج من المأزق الراهن الذي أعاد البلاد إلى أجواء خريف العام 1987. وقال الدهماني في تصريحات إذاعية، إن الرئيس السبسي “كان على علم بإقالة وزير الداخلية لطفي براهم”، ولكنه رفض في المقابل تأكيد ما إذا كان الرئيس السبسي أعطى الضوء الأخضر للشاهد لإقالة لطفي براهم، قائلا “لست مخولا للتحدث باسم رئيس الجمهورية”. والتزمت الرئاسة التونسية الصمت، حيث لم يصدر عنها أي رد فعل رسمي إزاء قرار الإقالة، أو تأكيدات الناطق الرسمي باسم الحكومة التي تضمنت في جزء منها غموضا بدا مقصودا، ما عمق حيرة مختلف الأوساط السياسية التي أربكتها هذه التطورات التي تلاحقت بنسق سريع. ومن خلف ستار هذا الصمت، تكثفت الاتصالات والمشاورات السياسية على أعلى مستوى، حيث أكدت مصادر مُقربة من القصر الرئاسي أن الرئيس السبسي قام بعدة اتصالات في مسعى لاستئناف اجتماعات وثيقة قرطاج 2 التي كان قد علقها بسبب الخلافات حول النقطة 64 منها التي تنص على رحيل رئيس الحكومة يوسف الشاهد. عبدالله العبيدي: إقالة براهم مناورة خطيرة ليوسف الشاهد ستعمق الأزمة السياسية عبدالله العبيدي: إقالة براهم مناورة خطيرة ليوسف الشاهد ستعمق الأزمة السياسية وكشفت لـ”العرب”، أن الرئيس السبسي هاتف نورالدين الطبوبي، الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل، بعد نحو ساعة من إعلان قرار الإقالة، كما هاتف أيضا راشد الغنوشي، رئيس حركة النهضة الإسلامية الذي قرر قطع زيارته لماليزيا والعودة بسرعة إلى تونس. وأكدت أن السبسي يعتزم دعوة المعنيين بوثيقة قرطاج 2، إلى إجتماع عاجل لبحث الخلافات حول النقطة 64 من الوثيقة، وبالتالي حسم مسألة بقاء أو رحيل الشاهد، الذي “بات يُشكل عبئا على الإستقرار السياسي في البلاد بسبب مواقفه وقراراته التي تجاوزت عددا من الخطوط الحمراء”. ولم تستبعد في هذا السياق، إمكانية عقد هذا الإجتماع المُرتقب، اليوم الجمعة، أو الاثنين المقبل على أقصى تقدير، “لأن الوضع دخل في منعطف خطير بعد قرار الإقالة الذي أصاب الرئاسة بالذهول، وأربك حسابات حركة النهضة الإسلامية، باعتباره مناورة استهدفت نسف تفاهمات مؤقتة سابقة بين السبسي والغنوشي”. وبدت غالبية الأوساط السياسية في البلاد مُنشغلة بمحاولة تفكيك الرسائل المُتعددة التي تضمنها قرار إقالة لطفي براهم في هذا التوقيت بالذات، وسط تباين واضح في تقدير أبعاده السياسية. وبدا قرار الإقالة متوقعا بالنظر إلى الخلافات بين يوسف الشاهد ولطفي براهم حول الإجراءات الأمنية الواجب توفيرها في سياق الحرب على الفساد، والتي تراكمت بعد زيارة براهم للسعودية في شهر مارس الماضي. لكن توقيته الذي بدا ظاهريا شديد الارتباط بفاجعة غرق عشرات المهاجرين قبالة سواحل قرقنة، له أبعاد أخرى لصيقة بالتجاذبات السياسية حول بقاء أو رحيل الشاهد. وعلى هذا الأساس، تنظر تلك الأوساط بكثير من القلق إلى الإنعكاسات الميدانية لهذا القرار، خاصة بعد خروج العشرات إلى الشارع في مظاهرة ليلية دعما للوزير المُقال، وتنديدا برئيس الحكومة. ولا تُعرف الجهة التي تقف وراء تلك المظاهرة التي بدأت بتحرك على مستوى شبكات التواصل الإجتماعي، تضمن دعوة واضحة للاحتجاج على قرار إقالة براهم، ولدعم المؤسسة الأمنية وإخراجها من دائرة التجاذب السياسي، ومحاولات حركة النهضة الإسلامية السيطرة عليها. لكن الشعارات التي تخللتها، والتي قدمت يوسف الشاهد على أنه يُطبق أجندة حركة النهضة الإسلامية التي تدافع على بقاء حكومته، دقت ناقوس الخطر، الأمر الذي دفع الدبلوماسي التونسي السابق، عبدالله العبيدي، إلى التحذير من هذه التطورات التي تُبقي الباب مفتوحا أمام جميع الاحتمالات بما فيها المحظورة. وقال لـ”العرب”، إن الأزمة تتدحرج بسرعة، وهي تقترب من حافة الهاوية بسبب خطوة رئيس الحكومة التي وصفها بالمناورة الخطيرة التي تهدد الاستقرار السياسي في البلاد.
مشاركة :