قال الناطق الرسمي باسم الكنيسة الإنجيلية بمصر أستاذ الأديان المقارنة القس، د.أكرام لمعي، إن دعم اليمين المسيحي الأميركي لرئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، وسياساته المتطرفة، الذي تصدر مشهد نقل السفارة الأميركية للقدس، أخيراً، هو مشهد إعلامي بامتياز، يعبر عن موقف أقلية سياسية عالية الصوت، ولا يعبر عن موقف الإنجيليين المسيحيين، لا في الولايات المتحدة الأميركية ولا في العالم، وأقر لمعي بتطور ظاهرة الاختراق الصهيوني للمسيحية، التي طالما حذر منها في كتاباته، مشيراً إلى دور مهم يمكن أن يلعبه مسيحيو الشرق، الذين تسببت أجواء التعصب والطائفية في تراجع الدور الذي كانوا يلعبونه خلال سنوات المد القومي العربي، في الستينات ومطلع السبعينات من القرن الماضي. تناقضات المسيحية الصهيونية وُلد تيار «المسيحية الصهيونية» في مؤتمر تأسيسي عقد عام 1988 بالقدس المحتلة، حيث افتتحه رئيس الوزراء الإسرائيلي الراحل، إسحق شامير، وركز على فكرتين، الترويج وسط المسيحيين لما سماه علاقة إسرائيل الخاصة بالله، والترويج لفكرة أن عودة اليهود تعجّل بالمجيء الثاني للمسيح، ليحكم العالم لمدة 1000 عام من أورشليم. ويتساءل القس، أكرم لمعي، إذا كان هذا الكلام صحيحاً فما رأي الناموس والأنبياء اليهود في طرد الفلسطينيين بالعنف وقتلهم وتشريدهم من دون محاكمة؟ لماذا لا يرتفع صوت أنبياء اليهود ضد الظلم كما ارتفع طوال التاريخ؟ أم أن صوت أنبياء إسرائيل صمت أمام جبروت الدولة الإسرائيلية العلمانية اليوم! جنرالات في مؤتمر ديني لم يكن نجوم المؤتمر الصهيوني المسيحي الأول لاهوتيين، أو رجال دين مسيحي معروفين في العالم، أو ممثلين لكنائس لها ثقلها، وإنما كانوا ساسة وقادة جيش إسرائيليين. ولقد كان لهؤلاء حضور ولمعان اكثر من الروحانيين الحاضرين، وكان الخط السياسي أبرز من الخط الكتابي أو الروحي. لا تضم قائداً مسيحياً عربياً واحداً يقول القس، اكرام لمعي، إن «هيئة السفارة المسيحية»، راعية مؤتمر الصهيونية المسيحية، تأسست عام 1980 كإرسالية مسيحية في الأراضي المقدسة عام 1980، لكنها منذ ذلك التاريخ وحتى اليوم لم تضم قائداً مسيحياً عربياً واحداً، ولم توجّه كلمة تشجيع واحدة للكنائس العربية من أي طائفة، وحركة المسيحية الصهيونية، التي تتبناها هذه السفارة، من حقها أن تتحدث عن أقلية من المسيحيين الأصوليين المتطرفين في الغرب، لكن ليس لها الحق أن تتحدث عن نفسها كممثلة للمسيحية الكتابية الحقيقية. الكنائس الإنجيلية تدين قرار ترامب نقل الإعلام الغربي صورة لتأييد وتبني قادة اليمين المسيحي الأميركي لقرار نقل السفارة الأميركية إلى القدس، وأظهر حضورهم اللافت في احتفال النقل، لكنه تغاضى عن مواقف الكنائس الإنجيلية في العالم التي دانت القرار. ففي مصر أكد رئيس الطائفة الإنجيلية الدكتور القس، أندريه زكي، في بيان، رفضه لقرار النقل، ودعا إلى «ضرورة تكاتف كل الشعوب والدول الداعية للسلام للحفاظ على الهوية العربية للقدس، كونها ملتقى الديانات الإبراهيمية الثلاث اليهودية والمسيحية والإسلام»، مشيراً إلى أن «قرار ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل يشكل انتهاكاً فعلياً لميثاق الأمم المتحدة وقرارات الشرعية الدولية، وإنه لن يغير في حقيقة أن القدس المحتلة عربية فلسطينية، وهي حق من حقوق الشعب العربي الفلسطيني». وقال إن القرار «أساء إلي مشاعر ملايين العرب المسلمين والمسيحيين»، وإنها «يجب أن تعود إلى سيادة أصحابها الفلسطينيين مهما طال الزمن»، مؤكداً أنه «سيتواصل مع كل المؤسسات الكنسية الدولية، بما فيها مجلس الكنائس العالمي والكنيسة المشيخية الأميركية، للوقوف مع الشعب الفلسطيني في هذه اللحظة الفارقة، والتأكيد على عروبة القدس». كذلك استنكر أمين مجلس الكنائس العالمي، القس الدكتور اولاف فيكس تفانيت، قرار ترامب وقال إنه «لن يؤدي إلا لخيبة الأمل وزيادة التوتر، وتضاؤل الأمل في الحل السلمي للقضية»، وإن «مجلس الكنائس يعترف بالقدس كمدينة مكونة من ثلاث ديانات وشعبين». ودانت رئيسة أساقفة الكنيسة اللوثرية بالولايات المتحدة، إليزابيث ايتون، القرار، وقالت إن «كنيستها أكدت، منذ وقت طويل، أنه يجب التوصل إلى اتفاق بشأن الوضع النهائي للمدينة عن طريق التفاوض، وإن هذا الإجراء الأحادي لن يدعم قضية السلام وحل الدولتين، وسيخلق مزيداً من التوتر والعنف»، ودان «المجلس الوطني لكنائس المسيح في أميركا قرار ترامب، وقال إن «المجلس أصدر قراراً عام 1980 أكد فيه رفضه للإجراءات الأحادية من قبل أي جانب بشأن القدس، ونكرر اليوم التأكيد ذاته»، ودان أمين الكنيسة المشيخية، هربرت نيلسون، قرار ترامب، وقال إنه يعمّق التوترات الدينية بين المسلمين واليهود والمسيحيين». وقال د. اكرام لمعي في حوار مع «الإمارات اليوم» بالمقر الإداري للكنيسة الإنجيلية بوسط القاهرة، إن «قرار نقل السفارة الأميركية في إسرائيل للقدس كان معروفاً، لأن هذا من وعود ترامب الانتخابية، لكن المجهول كان موعد التنفيذ، وإن كانت الآلة الصهيونية على ما يبدو قد تخطت مرحلة تنفيذ مضمون سياساتها، لتضيف إليها في ظل حالة التراجع العربي عنصر الاستفادة والاستثمار في الشكل، فقررت إدارة ترامب إصدار القرار في نوفمبر 2017 ليوافق مرور 100 عام على وعد بلفور، بحيث يمكن تحويله في الداخل الإسرائيلي والخارج الصهيوني اليهودي كإنجاز ومناسبة تفوق، كذلك علينا أن نلاحظ أن التحرك الصهيوني شبه مرتبط بجدول زمني، إذ لم تكن عبثاً عبارة مؤسس الدولة العبرية، بن غوريون، إنهم بحاجة إلى (دولة وعاصمة وهيكل)، ولذا تم توجيه الجهد في البداية إلى إعلان الدولة العبرية عام 1948، ثم توج ذلك بإعلان العاصمة 2018، وسيتم التوجه في المستقبل إلى بناء الهيكل اليهودي». واستدرك لمعي أن «هذا لا يعني أن القضية دينية، وإنما هو استغلال سياسي للدين، فمعظم القادة اليهود للمشروع الصهيوني هم علمانيون ولا علاقة لهم بالدين، لكنهم يستثمرون في هذه الروحانية الدينية، ليتسنى لهم الاستيلاء على أرض فلسطين، وتنفيذ مشروعهم الاستعماري». أما عن موقف اليمين المسيحي الأميركي تجاه إسرائيل، فقال أكرام لمعي إن «هذا الاستثمار السياسي ليس بجديد، وقد حذر منه في توقيت مبكر في كتابه (الاختراق الصهيوني للمسيحية)، لكن الجديد هو تصاعده إلى الحد الذي تصدّر مشهد نقل السفارة الأميركية، وإلى تعاظم دور اليمين المسيحي ليتخطى دور اللوبي اليهودي في أميركا، الذي خرجت منه أصوات كبيرة ترفض الخطوة، كما تقول روايات وسائل الإعلام». ونوه لمعي إلى أن «معظم المسيحيين الإنجيليين، بمن فيهم الموجودون في الولايات المتحدة الأميركية، يرفضون نقل السفارة، ويرفضون سياسات الاحتلال الإسرائيلية، بل إن اليهودي العادي غير الصهيوني يرفض فكرة إعادة بناء الهيكل». وقال لمعي إنه «لا يقصد بالاختراق الصهيوني للمسيحية اختراق الدين أو الروحانيات المسيحية، وإنما يقصد اختراق منطقة فهم الدين، أو تطبيقه، أو مفاهيم المعتقدين فيه واستغلاله سياسياً، وهو استغلال عانت منه كل الديانات والمذاهب، وقد جاءت حالة الاختراق الصهيوني للمسيحية من محاولة البعض في أميركا وأوربا التخلص من عقدة اضطهادهم هم لليهود، محاولين إضفاء طابع ديني على هذه المحاولة، ناسين أن المشروع الصهيوني بالأساس علماني، وإحدى خططه كانت إقامة دولة في الأرجنتين أو أوغندا». واستطرد أن «الصهيونية المسيحية تحاول أن تروج لفكرة خاطئة مفادها أن وجود إسرائيل هو تطبيق نبوءات الكتاب المقدس، وعلامة على قرب عودة المسيح، أو ما يسمى لاهوتياً بالمجيء الثاني للمسيح، وهذا الاختراق شديد الذكاء، ويستهدف في نهاية المطاف تحويل المسيحيين إلى طائفة يهودية، مثل الطوائف التي ظهرت في القرن الأول، وقد قوبل هذا الطرح بالرفض من المسيحيين الإنجيليين منذ انعقاد مؤتمر الصهيونية المسيحية الأول، رغم أن الذي دعا إليه هو هيئة السفارة المسيحية، إلا أنه كان مؤتمراً سياسياً إسرائيلياً بامتياز، حضره إسحق شامير ووزير حربه وقتها إسحق رابين، وقادة الجيش الإسرائيلي ووزارة الخارجية الإسرائيلية»، وبالتالي كان طبيعياً ان يرفضه كل رؤساء الكنائس في القدس من الأرثوذكس والإنجيليين والكاثوليك والإنجليكان، وكل الكنائس والهيئات الإنجيلية في الشرق الأوسط، وكل الكنائس الغربية، وظلت المشكلة محصورة في بعض الإنجيليين بالولايات المتحدة الذين لا تزيد نسبتهم على 7% من مجموع الإنجيليين». وقال إن «هذا الطرح متهافت دينياً، والتناقضات بين فكر اليمين المسيحي وفكر المشروع الصهيوني كثيرة، وفي المؤتمر الصهيوني المسيحي الأول، كان واضحاً أن هذا الفكر يسخّر الكتاب المقدس لخدمة السياسة الإسرائيلية والغربية، ومن الملاحظ أن المتحدثين لم يشيروا أبداً إلى يسوع المسيح وإنما إلى المسيا، ولم يكن واضحاً أنهم يقصدون التفسير المسيحي للمسيا رسول الحب والسلام، أم التفسير اليهودي الصهيوني للمسيا العسكري الذي يحرر اليهود، أصبحت إسرائيل هي مركز الكتاب المقدس وليس الكنيسة أو الإيمان المسيحي، وأصبح اللاهوت خادماً لاستراتيجية إسرائيل السياسية في الأرض والدولة والجيش والاستيطان، وكان هذا واضحاً، لكن الأمر يسير بمنطق «ما تغلب به العب به» من قبل الطرفين، فإسرائيل تستفيد من هذا الطرح، واللوبي اليميني المسيحي يستفيد، والمشروع هو تبادل نفع سياسي». ونوه لمعي بأنه «ليس لديه مخاوف من عولمة المسيحية الصهيونية، كما تردد في وسائل الإعلام التي نقلت أن قادة إسرائيليين ناقشوا مع قادة اليمين المسيحي تعميق نقاش كل الكنائس الإنجيلية في العالم، لأن 95% من الإنجيليين في العالم يرفضون هذه الأطروحات، هذا علاوة على رفض الكاثوليك والأرثوذكس»، لكنه «لم يستبعد تأثر بعض الناس من البسطاء، محدودي الثقافة أو محدودي التعليم في خارج دائرة التأثير المركزي، بهذه الأفكار، الأمر الذي يتطلب من رجال الدين المسيحيين والعلمانيين والمثقفين والمستنيرين المسيحيين، توعية الشارع المسيحي، خصوصاً في العالم العربي، بأن إسرائيل دولة محتلة عدوانية ونووية تستولي على أرض شعب آخر وتنكل بأطفاله ونسائه، كما أن على هذه النخبة أن تقدم قراءة مستنيرة لنصوص العهد الجديد، خصوصاً أن القديمة تدحض تلك الرؤية التي يقدمها لهم أنصار الصهيونية المسيحية». وذكّر لمعي بـ«الدور المُشرق والمشرف الذي لعبه المسيحيون العرب، سواء في الثلاثينات والأربعينات من القرن الماضي، أو في حقبة الصعود القومي العربي والنضال الوطني، حيث تركوا بصمات لا تنسى، لكن هذا الدور تراجع بفعل تصاعد التطرف والأصوليات في المنطقة، وإن كان يتوجب عودته بقوة الآن». ضبابية الرؤية وأعرب لمعي عن ضبابية الرؤية بشأن مستقبل الصراع بين الاستنارة والتشدد الأصولي في المنطقة العربية، مؤكداً أن «هناك خطوات كبيرة أنجزت بلاشك في مواجهة مد التطرف واليمين الديني بعد ثورة 30 يونيو في مصر، ومحاولة الإخوان السطو على ثورة 25 يناير»، لكنه استدرك بأنه «لاتزال ركائز الأصولية والتطرف كامنة في معاقلها، وتسعى لأن تطل برأسها وتحتاج إلى مزيد من المواجهة»، مشيراً إلى أن الأحزاب السياسية، وقوى المجتمع المدني لاتزال هامشية التأثير حتى اللحظة في الصراع، وبتعبير الشارع المصري لاتزال (قوى كرتونية)». وختم لمعي قائلاً إن «التطور نحو الدولة المدنية الحديثة ونحو الاستنارة، أصبح حتمياً في شرقنا العربي، وإن الأمر ليس بالضرورة أن يأخذ الشكل الحاد الذي أخذه في أوروبا، حين انتقلت من الجمود إلى الحداثة، إذ يمكن أن يأخذ الشكل التدريجي، لكن لا مفر من المرور به، ومن لم يتطور سيموت ويذهب إلى متحف التاريخ، وعلى كل دولة ومجتمع أخذ الشكل المناسب، وأن يكون أيضاً حذراً في انتقالاته أو حرقه للمراحل».
مشاركة :