إنه شخصية اتصفت بالغموض، والمبالغة فى تقدير حقوقها سواء من المحبين والمتعاطفين أو من الغاضبين والناقمين، على كل حال فالحاكم بأمر الله شخصية وجدت تاريخيًا، وكان سادس خلفاء الدولة الفاطمية بمصر، ولقد تولى الخلافة وأمور الناس فى سن مبكرة بعد وفاة والده العزيز بالله، وأغرى صغر سنه بعض رجال وحاشية والده فى السلطة مثل محمد ابن عمران وابن برجوان، وبعد أربع سنوات من الحكم تمكن الخليفة الصغير أن يتخلص من هؤلاء الطامعين والمنافسين، ويثبت أركان حكمه.ولقد اتصف الحاكم بالزهد والتقشف والتدين، فكان عكس آبائه إذ أظهر التخفف من الملابس المزركشة والمذهبة، واعتاق الإماء والعبيد، ومنح الناس العطايا والأموال لا سيما الفقراء والمساكين، كما اهتم بسماع الشكاوى والمظالم والقضاء فيها بالعدل، ومحاسبة المخطئين من عماله، وكان قاسيًا فى التعامل مع منافسيه ومعارضيه.ولقد أتم بناء المسجد الكبير الذى بدأه أبوه العزيز بالله، وأنشأ دار الحكمة، وهى مكتبة ضخمة تنافس المكتبات الكبرى ببغداد، وكانت تضم عددًا كبيرًا من النحاة واللغويين والفقهاء والقراء والأطباء، كما ضمت النسخ النادرة من الكتب التى لم تكن فى المكتبات الأخرى، واستقدم العالم الكبير الحسن بن الهيثم ليستكمل علومه فى دار الحكمة ويضع بها درساته.والمتابع لما ورد عن الحاكم يدرك أنه شخصية متميزة، طالعت الكثير من العلوم والفنون لا سيما كتب الفلسفة، ولم يكن من المقلدين فلم يمش على تقاليد السالفين فى فترة حكمه. وقد نقلت عن الحاكم بعض الأمور المضحكة والغريبة، مثل اضطهاده أهل الذمة ثم تسامحه معهم وإحسانه لهم، حتى إنه منع كروم العنب إذ اتهم المزارعين أنهم يزرعون العنب لصناعة الخمور، كما أصدر أوامر بتحريم أكل الملوخية، وعدم مزاولة الأنشطة نهارًا، وعدم خروج النساء من البيوت، وإجبار الاسكافية على عدم تصنيع أحذية للنساء، وإذا ظهرت تلك الأمور غريبة ومضحكة فإن واقع عصر الحاكم ربما يبرر ويفسر تلك الأمور التى لا تتسم بالمنطقية والعقل.واتهمه خصومه بغرابة الأطوار والجنون والشذوذ، لكن واقع المؤامرات والحيل التى تعرض لها الحاكم والتى جعلت منه رجلًا عنيفًا وقاتلًا جعلته يقدم على إصدار مرسومات تبدو تافهة ولقد استغلها خصومه فى التشنيع عليه وربط تلك القرارات بأسباب تطعن فيه وتشوه من صورته.وما يزيد الأمور غموضًا وارتباكًا لدى المؤرخين والقراء بشكل متقارب حادثة وفاته أو غيابه، فلقد اختفى الرجل فى ظروف غامضة، وقال عنه المؤرخون: «إن الحاكم خرج مرة ليلاً راكبًا حماره إلى مرصده الذى كان يخلو فيه لنفسه بجبل المقطم جنوب القاهرة، ولم يعد الحاكم من هذه الرحلة، وعثر الناس على حماره وملابسه ملوثة بالدماء فعرفوا أنه قتل».
مشاركة :