لجنة الـ 300.. وأذرعها الأخطبوطية! ما حقيقة فرسان المائدة المستديرة؟

  • 6/13/2018
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

بداية يقال إنها اسطورة انجليزية تحكى عن مجموعة من الفرسان الشجعان كانو يجتمعون حول مائدة مستديرة في زمن الملك آرثر للتشاور فيما بينهم حول جميع الأمور العسكرية من أجل اتخاذ مواقف مبدئية حولها تكون موحدة. ولكن في حقيقة الأمر فإن اسم المائدة المستديرة يمثل حدثا تاريخيا واقعيا يتصل بسيرة الملك آرثر الانجليزي الذي بحسب ما يقال انه أعد مائدة مستديرة ليجلس حولها مائة من الفرسان يمثّلون زعماء المملكة من دون ان يكون لأحدهم أي ميزة عن غيره حتى تنتفي بينهم المنافسة والتسلط في الرأي. والقصة في أصلها وواقعيتها بدأت في عصر الملك آرثر وفرسانه، عندما كانوا يجتمعون حول المائدة المستديرة ويتشاورون وهم يأكلون، والقصد من استدارة الطاولة هو لتجنب مقاتلة بعضهم البعض نظرًا إلى اختلاف رواتبهم العسكرية. وكان الفرسان في عهد الملك آرثر يعتبرون المائدة المستديرة شرفا كبيرا. وكان الشجعان من الرجال يأتون إلى بلاط الملك آرثر من أقطار كثيرة على أمل ان يتم اختيارهم لهذه العضوية، نتيجة لما يتمتع به الفارس من مزايا الشجاعة والأخلاق المتميزة. كانت الفروسية في عهد الملك آرثر قائمة على تبعية الفارس للسيد، ولها متطلبات منها أن يكون الفارس مخلصا لسيده، يقاتل في سبيله بشجاعة وإقدام، فالرجل الذي جعل القتال مهنته الأولى لا بد ان يكون شجاعا شديد البأس في المعارك التي يخوضها، وكذلك القائد البارع من المفترض ان يتصف بالرزانة والحكمة والتعقل إلى جانب الشجاعة، ولكي تكون الحرب أكثر قبولا عند المشتركين فيها نشأت بينهم مجموعة من القيم الإنسانية. كما توجد بينهم فروسية دينية تمثل مفهوم الكنيسة عند الفارس المثالي، فقد طالبت الكنيسة بأن يكون الفارس مسيحيا تقيا، همه الأول هو حماية الكنيسة مدافعا عن عقيدتها، وفي الوقت نفسه طالبته بأن يبتعد عن ارتكاب أي معاص أو جرائم على اختلاف أنواعها، كما طالبته بأن يرعى ويحمي الضعفاء والعجزة. لقد امتد أثر وانعكاسات المائدة المستديرة حتى العصر الحديث وحاضر عصرنا، عندما تم تطبيق فكرتها وفلسفتها في المجال السياسي، وأطلق اصطلاحها ليعبر عن الغرض من استخدامها خلال المفاوضات التي تجري حولها بين الأطراف المعنية تكون على مستوى متكافئ، أي لا يكون لأحد الأطراف ما يميّزه عن غيره، وخاصة في حالة إجراء مباحثات بين دولة كبرى وأخرى صغرى، أو بين دولة استعمارية ودولة مستعمرة، أو بين دولة تمثلها عدة أحزاب وطنية متصارعة. ومن الأمثلة البارزة لهذه المعاني والمقاصد لاجتماعات المائدة المستديرة ما تم التفاوض بشأنه في المؤتمر الذي عقد في لندن خلال شهر أكتوبر عام 1930م برئاسة ماكدونالد -رئيس الوزراء البريطاني- بالاشتراك مع ممثلي الأحزاب والطوائف الهندية من أجل بحث مستقبل الهند. كذلك مؤتمر المائدة المستديرة الثاني الذي عقد بلندن عام 1931 واشترك فيه الزعيمان غاندي ومحمد علي جناح من أجل ضمان حقوق المسلمين كافة في الدستور المزمع إقراره لاستقلال الهند. ومن الأمثلة الأخرى على مغزى مفاوضات المائدة المستديرة، ما تم عقده من مؤتمر في لاهاي عام 1949م بين الحكومة الهولندية والوطنيين الاندونيسيين، واشترك فيه سوكارنو وانتهى بإعلان استقلال اندونيسيا. وبنفس النمط والمعنى انعقد مؤتمر المائدة المستديرة عام 1960م بين الحكومة البلجيكية وزعماء الكونغو وانتهى باستقلال جمهورية الكونغو كينشاسا. ظهرت أهمية المائدة المستديرة عندما اهتمت بها الحركة البيوريتانية (النقاء الديني) ردا على انتشار الإباحية في اعقاب الثورة الفرنسية التي كانت تحرم الجلوس في وليمة على مائدة أرجلها غير مغطاة لأنها تذكر من حولها بسيقان النساء. وكان ذلك خلال فترة من القرن التاسع عشر، بل الأكثر من ذلك هو ان الطاولة في مفهوم البيوريتانية تمثل حرمة الجلوس على الكرسي بالنسبة للمرأة، لأن الكرسي في نظرهم ذكر كما افتى بذلك أحد الدعاة الدينيين في القرن الواحد والعشرين. والغريب كما يقول أحد الباحثين ان فكرة المائدة المستديرة في الأصل ليست اختراعا انجليزيا بل هي في حقيقة الأمر اختراع عراقي بامتياز حيث يعود هذا الاصطلاح إلى زمن جلجامش حين أنشأ مجلس حكماء لإدارة شؤون مملكته لتتساوى الرؤوس الجالسة إلى المائدة مع تفاوت الآراء والأفكار. وتبرز هذه المائدة بشكلها المستدير وبوضوح تام في اجتماعات القمم العربية تجنبا لشعور أحد الأطراف المجتمعين انه سيد الاجتماع، ولتفادي كذلك أي غضب ينتج عنه إحساس خاطئ بين المجتمعين وفيهم الملك والأمير والرئيس، لذا كانت جلساتهم دائرية رغم وجود رئيس دوري للقمة تبعا لدولة الانعقاد. لقد أصبحت المائدة المستديرة بمرور الزمن رمزا للثقافة السياسية وخاصة في أوقات الأزمات الطاحنة وفي المجتمعات التي تتعدد فيها الرئاسات والتكتلات والطوائف الحاكمة أو غيرها. ولقد تضمنت فكرة ومفهوم فرسان المائدة المستديرة نوعية أخرى من الفروسية تماشيا مع هذا المفهوم تسمى فروسية الغزل والعشق، فهذه الفروسية تطالب الفارس باحترام المرأة وحمايتها، ففي خلال النصف الثاني من القرن الحادي عشر ظهر في جنوب فرنسا مجموعة من الشعراء أطلق عليهم اسم «التروبادور» أخذوا يمجدون في قصائدهم الغزلية السيدات، وأصبح الفارس المتيّم بسيدة لا يفكر في شيء سوى العمل على إرضائها وجلب السعادة لها، وبعض شعراء «التروبادور» مجّدوا المرأة بل جعلوها في مرتبة أعلى من مرتبة الفارس المحب المتواضع. ولربما يظن البعض أن فكرة المائدة المستديرة كانت أكثر تطبيقاتها في المجال العسكري أو في المجال السياسي وخاصة في مجال المفاوضات التي تجري بين أطراف معنية لموضوع شائك يراد له حل ويكون النقاش في مستوى متكافئ حتى لا يشعر أحد الأطراف انه يملك زمام القيادة في النقاش، أي من دون ان يكون لأحد الأطراف ما يميزه عن غيره، ولكن انتقل مفهوم هذا المصطلح -المائدة المستديرة- إلى مجال التعليم والتدريب لإبداء الرأي والاستشارة لموضوع ما يراد استخلاص نتائجه من أجل الوصول إلى خلاصة تعليمية ثقافية يتفق حولها المتناقشون. كما طبق نفس المفهوم في المجال الإعلامي، وما شبكات التواصل الاجتماعي إلاّ تطبيق واقعي لمفهوم روح المائدة المستديرة على أوسع نطاق. وأخيرا فإنه غالبا ما يشير مصطلح المائدة المستديرة إلى نوع من البرامج النقاشية من أجل تقديم محتوى إعلامي يتطلب شكلا من أشكال المناقشة المتواصلة لإبداء الرأي في موضوعات الساعة المطروحة على بساط البحث والدراسة. https://halbinfalah.wordpress.com

مشاركة :