نختتم، في هذا المقال، ما بدأناه حول مؤسسة راند وبحوثها السياسية والاقتصادية حول الإسلام والتطرف من وجهة نظرها، ومدى استطاعة أمريكا حماية أمنها القومي من الإرهاب الذي انتشرت أحداثه في معظم بقاع العالم، وبالتركيز الواقع في الدول الغربية بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية. فمؤسسة راند، في بحوثها المتواصلة حول هذا الشأن، تضيف أسبابًا بعينها ساعدت-كما ترى بحوث المؤسسة- في زيادة التطرف الإسلامي مثال ذلك وقوع بعض الأحداث التي أدت إلى تهييج المتطرفين وإعطائهم الدوافع إلى التحرك صوب الغرب كحرب أفغانستان، وحرب الخليج في عام 1991م، والحرب العالمية التي تشن على الإرهاب، بالإضافة إلى الحرب على العراق التي كان لها التأثير الواضح على مجمل العالم الإسلامي. كانت أمريكا في غزوها العراق تعتقد أنها قادرة على المحافظة على استقرار العراق من الناحية الأمنية، وضمان التعددية الديمقراطية في مجتمعه، وهذا في حد ذاته يتحدى وجهات النظر التي تعادي الغرب ويقضي على مزاعم المتطرفين، لكن في الوقت نفسه، فإن الفشل في تحقيق ذلك سيؤدي-ولا شك-إلى سقوط مصداقية الولايات المتحدة الأمريكية، بل سيعطي الجماعات المتطرفة حوافز جديدة لاستمرار أنشطتها المخربة. حاول الباحثون في مؤسسة راند بلورة نوع من الاستراتيجيات وطرح الخيارات الاجتماعية والسياسية والعسكرية التي تتفادى عند تطبيقها الكثير من المشاكل والصعوبات التي تقف من دون تحقيق الأهداف، ومن ذلك مثلا، تأسيس شبكات إسلامية معتدلة مضادة للدعوات المتطرفة، تتشكل من المسلمين الليبراليين والمعتدلين الذين يعانون من التطرف والإرهاب، وتكون مضادة لتلك الشبكات التي أنشأها المتطرفون، على أن تتمكن تلك الشبكات المعتدلة من توصيل أصواتها ونشر دعواتها المعتدلة في جميع أنحاء العالم الإسلامي من أجل تحرير الإسلام الصحيح من مختطفيه، ولإنجاز ذلك يتطلب الأمر مساعدة هذه الشبكات بإمدادها بالموارد اللازمة وإعطائها الحوافز المشجعة لها. كذلك ينصح الباحثون في مؤسسة راند بالعمل على تدمير الشبكات المتطرفة بالقضاء على المصادر التي تدعمها، وإبطال الكيفية التي يتم من خلالها التواصل من أجل تجنيد أعضائها، كذلك محاولة معرفة نقاط ضعفها للتمكن من وضع استراتيجية بهدف القضاء على عقائدها وتفكيك عناصرها، وتمكين المسلمين المعتدلين من السيطرة على فكرها، كما ينادي الباحثون بإصلاح المدارس الدينية والمساجد عن طريق تكثيف جهود الإصلاح للتأكد من أن المدارس الدينية في العالم الإسلامي تقدم لروادها تعليما متحررا وحديثا، ويذكر الباحثون أنه بإمكان الولايات المتحدة الأمريكية تأسيس أو تطوير هيئات تعليمية تتولى مراقبة ومراجعة المناهج في المدارس الحكومية والخاصة. وينصح الباحثون الولايات المتحدة الأمريكية بدعم جهود الحكومات والمنظمات الإسلامية المعتدلة لضمان عدم استخدام المساجد في نشر العقائد الراديكالية، وفي هذا، من وجهة نظرهم، ما يقطع دورة إنتاج الراديكالية في المدارس التي تعتبر وقودا للجماعات الإرهابية. كذلك يرى الباحثون أهمية زيادة الفرص الاقتصادية عن طريق طرح مبادرات قادرة على تحسين الأوضاع الاقتصادية المستقبلية للشباب المسلم، كذلك ضرورة تمويل إنشاء برامج ثقافية وتعليمية تدار من قبل منظمات علمانية ومنظمات إسلامية معتدلة لمناهضة المنظمات الراديكالية، وقطع الطريق عن تحقيق مآربها، كما ينادي الباحثون بدعم الإسلام المدني المتمثل في المجتمع المسلم المدني الذي يناضل من أجل الاعتدال والحداثة، فهم يعتبرون ذلك من أهم أولويات السياسة الأمريكية في العالم الإسلامي، فوجود إسلام سياسي معتدل من شأنه تقليل المطالبة بالحكم الثيوقراطي، أو بالخلافة الإسلامية، كما يجب على الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها-كما يرى الباحثون- المساعدة في تطوير المؤسسات الدينية والديمقراطية التي تبحث عن فرص لإبراز أنشطتها الإصلاحية، وهو ما يساعد على تخفيف منابع تكاثر المتطرفين، ويعد من أهم الخطوات المكملة لاستراتيجية دعم المنظمات العلمانية والمعتدلة، وخاصة إذا تم تدعيم التقنيات الحديثة التي تراقب حركة الأموال في بعض البلدان لضمان عدم وصول الأموال إلى المنظمات المتطرفة والإرهابية، وينصح الباحثون الولايات المتحدة الأمريكية في حربها على الإرهاب أن تدرس خطواتها بعناية، وتتجنب بقدر الإمكان التأثيرات الجانبية المربكة، وتعمل على تشجيع التغيرات الديمقراطية في العالم الإسلامي، كما يرى الباحثون إمكانية استفادة الولايات المتحدة الأمريكية من خدمات الجاليات الإسلامية المغتربة في تحقيق مصالحها في العالم الإسلامي بالاستفادة من مخزونها الثقافي في تطوير الديمقراطية والتعددية، أو استخدامها في المساعدة والتفاعل مع الأزمات والكوارث الإنسانية، ويرى الباحثون أيضا أن بناء علاقة تعاون وصداقة بين الولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول الرئيسية في العالم الإسلامي يعد ركنا أساسيا في السياسات المستقبلية لهذه البلدان، وله أهميته الاستراتيجية بالنسبة إلى الولايات المتحدة الأمريكية نحو العالم الإسلامي، ما سوف يساهم في زيادة النفوذ والوجود الأمريكي في العالم الإسلامي مستقبلا، كما يرى الباحثون أنه من الضروري على الولايات المتحدة الأمريكية تقليل وجودها العسكري المكثف في بقاع العالم الإسلامي، والعمل على زيادة مظاهر أخرى لهذا الوجود مثل الاستخبارات، والعمليات التدريبية الفنية، والشؤون المدنية في بعض البلدان الإسلامية، ما يعني الإقلال من الوجود السياسي الثقيل والحساس، حيث ينبه الباحثون إلى أن الإسلاميين في الشرق الأوسط بشكل خاص استخدموا حجة الوجود العسكري والسياسي الأمريكي في التحريض على العنف، ومن ثم فإن الإقلال من كثافة الوجود الأمريكي بصورته العسكرية، أو السياسية قد يخفض من دوافع هذا العنف. ويرى الباحثون أن المناطق المعزولة، وغير المحكومة عبر العالم الإسلامي في بلدان مثل: إندونيسيا، والفلبين، وقطاعات كبيرة في أفغانستان وباكستان واليمن، يمكن أن تكون مرتعا خصبا للجماعات المتطرفة الإرهابية، وأن العمل على استقرار هذه البلدان سياسيا واقتصاديا سوف-ولا شك- يقلل من فرص انتشار هذه الجماعات وأن وجود حكومات هذه البلدان داخليا بصورة مكثفة، وبدعم من الولايات المتحدة الأمريكية عند الضرورة سيساعد في الإقلال من خطورة الإرهابيين، كذلك سيساعد في زيادة الإحساس بالتكامل الوطني، وهذا من شأنه العمل على انتشار الأمن في المستقبل. والأخطر في نصائح باحثي مؤسسة راند للولايات المتحدة الأمريكية هو استغلال الاختلافات في العالم الإسلامي في دعم مصالح واستراتيجيات الولايات المتحدة الأمريكية، ومن أهم هذه الاختلافات-كما يراها هؤلاء الباحثون- هي الاختلافات بين السنة والشيعة والاختلافات بين العرب وغير العرب، وباستطاعة الولايات المتحدة الأمريكية تحقيق توافق منسجم بين مصالحها في المنطقة، وتلك الاختلافات التي تصب في نهاية الأمر في صالح الجانب الأمريكي، والاعتقاد كذلك بأن هذا سيشكل حاجزا في وجه الحركات الإسلامية المتطرفة، وأساسا لاستقرار الموقف السياسي الأمريكي في الشرق الأوسط. وأخيرا يرى الباحثون أن الفكر الأكثر تحررا وتطورا في العالم الإسلامي يوجد في المناطق غير العربية كجنوب شرق آسيا، كذلك الجاليات المسلمة التي تعيش في الغرب، لذلك ينصح الباحثون بأنه على الولايات المتحدة الاهتمام بشكل خاص بالتطورات المتعاقبة لهذه الجماعات لأنها قادرة على مواجهة المذاهب الأكثر تطرفا في الإسلام، وخاصة التي توجد في بعض أجزاء من العالم العربي كما يدعي الباحثون.
مشاركة :